أنا لست عصرية

الصحفية والناشطة السياسية: مي الخطيب

جرت العادة في شهر آذار من كل عام أن أكتب مواضيع أتناول فيها سير نساءٍ مناضلات، مقاومات، مثقفات وغيرها مِن سير مَن يستأهلن الكتابة عنهن في يوم المرأة العالمي.

أَقبل آذار هذا العام، وبدأت النصوص الناعمة مقلّمة الأظافر تدبّ علينا من كل حدبٍ وصوب… ولكن مهلاً! سأرتكب حماقةً هذه السنة وسأكون أكثر “عصرنة”.

“عصرنة”!! لكن هل لهذا المصطلح وجود في اللّغة العربية؟! هذا لا يهم فمن خصائص “العصرنة” عدم إتقان اللغة العربية، وتطعيم ما عرفناه منها بلغاتٍ أجنبية، لنجعلها أكثر “مودرن” وعصرية.

بالعودة إلى حماقتي، يَشغلُ بالي هذه الأيام أسئلة عديدة، منها أنّه كيف يمكن لامرأةٍ اختارت أن تناضل من أجل تحقيق قناعاتها أن تكون مقبولةً إجتماعياً، وهل هما خياران متناقضان؟

أقول مثلاً أنكِ لو تواجدتِ في جلسةٍ عامة، ستبدين غريبةً بين الموجودات والموجودين الذين يشغل بالهم ألوان ذلك الفستان العجيب أو العلاقة العاطفية الجديدة لعارضة الأزياء الشقراء بعد طلاقها من الفنان الفلاني، وإذا أبديتِ أي امتعاض فإن غربتك ستصل حدّ النبذ. تخبرين صديقك أنك شاركتِ أو ستشاركين بمظاهرةٍ مطلبيةٍ ما، ولا تتوقعي أن تسمعي منه أقل من عبارة: “رايحة عالثورة والناس راجعة!”

تهاتفك إحدى صديقاتك “لتمشرعا” معك، فتعتذرين لأنك مشغولة بتحضير ندوة تتناول حقوق المرأة في الدستور والقوانين اللبنانية، تسمعين طبعاً عبارة: “هلأ انتي رح تحلّي مشكلة الشرق الأوسط يعني؟!” وإذا حدث واعترضتِ، في إحدى السهرات، على عنصرية أحدهم تجاه الشعب السوري أو المصري أو غيره، سيأتيك الرد فوراً: “يا فيلسوفة عصرك” أو يا “أفلاطونة زمانك”. وحين يسألك زملائك في العمل عن عدم تحضيرك كوب “نيسكافيه” كل صباح، كما يفعلون، وتخبرينهم أنك من أنصار حملة مقاطعة الشركات الداعمة للكيان الصهيوني ولا تشترين أي من منتجات شركة “نستلة”، لن تندهشي من الرؤوس المشرئبّة والعيون المفتوحة على مداها، مترافقة بعبارات مثل: “هلأ فنجان هالنيسكافيه تبعك حيكسر الشركة؟!!” أو “هلأ انتي حتحرّري فلسطين؟!!”

هذه الممارسات وغيرها تجعل منك امرأةً غير عصرية. لقد فاتني ذكر موضوع الاستهلاك، وعمل الإعلام ومن خلفه الأنظمة الرأسمالية العالمية على ربط الـ “Shopping” أو التسوّق بمفهوم الراحة النفسية، من أجل زيادة معدلات الاستهلاك وخصوصاً في بلدان الاقتصاد الريعي. فإذا تجرّأتِ وأسهبتِ بشرح وجهة نظرك هذه، ستتّهمين أنك مفسدة المتعة، وأنك لست “Stylish”.

حسنا،ً سأعترف. أنا لست عصرية. ولست الأحب على قلب أصدقائي وصديقاتي، ولست على لائحة أكثر الأشخاص الذين يحبون أن يمضوا وقتهم معهم. فإذا كانت العصرنة ستمنعني من ممارسة قناعاتي، لا أريدها. ولكن لنعد إلى حماقتي الأولى؛ هل ممارسة القناعات الشخصية تتناقض مع مفهوم الانخراط الاجتماعي؟ هل يجب أن تكون هذه القناعات شخصية فقط أصلاً؟ هل الإضاءة على سير المناضلات وحدها تكفي أم أنه من المهم الالتفات إلى الواقع اليومي ووضع ما توفر فيه من نضالاتٍ تحت المجهر؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد