لأنها إمرأة

 من يعيش في بيروت، يعرف أن الروتين يتحكّم بتفاصيل الحياة.

أنا، أستيقظ صباحاً، أغسل وجهي، ارتب حاجياتي وأنطلق مع دانيال صاحب السنتين إلى منزل والدتي حيث يقضي معظم وقته بإنتظار رجوعي من العمل. هذا المسار اسلكه يوميا، قبل أن أصل إلى بائع القهوة الذي أحصل منه على شرابي الصباحي الذي سيعينني على بدء نهاري بنشاط وإيجابية.

على الطريق، ينكسر هذا الروتين قليلا، يقترب مني سائق سيارة ويكاد يرتطم بي فيقول “زيحيلك شوي.. مراة شو بدنا نعتب عليك؟”، اكمل طريقي طبعاً وأنا أشتم كل ما يعينني لساني على تذكره.
أصل إلى العمل الذي أعشق فيه لقاءاتي وتعرفي بنساء من كافة أنحاء العالم، أجري حديثي الصباحي مع زميلتي التي تخبرني كيف يتم التعاطي معها في العمل على مستويات عدة من قبل بعض الموظفين\ات ومدى تأثير ذلك سلباً عليها “كإمرأة” والظلم اللاحق بها من قبل من يدعون أنهم\ن حرّاس ومؤتمنين على مسيرة النضال ضد هذه المجتمعات الذكورية والقوانين المجحفة بحق النساء في عالمنا العربي. هذا الفعل أيضا روتين، ولكي لا أدخل في زاروب التعميم، من منا لا يعاني من هذه التصرفات؟

ننهي الحديث، وأبدأ العمل، أركز على التفاصيل الدقيقة التي أصبحت هوساً لدي منذ فترة ليست بقريبة. أصبحت أتقن لعبة التفاصيل التي قد ترفعك إلى أعلى مستويات او تدفعك إلى أدناها. حسناً. إنتهيت. اطلب من صديقتي صنع القهوة لنرتشفها معاً أثناء الإستراحة، نتحدث قليلاً عن أحلامنا وتطلعاتنا المستقبلية. نعود إلى المكتب لننهي أعمالنا، أرتب حاجياتي وأنطلق إلى منزل والدتي.

على باب البيت، تحدثني إحدى جاراتنا “كيف تاركة جوزك لوحدو هونيك (زوجي يعمل في أميركا)، شغلو اهم من شغلك تركي كل شي والحقي”، وتعاجلني بجملة أخرى “بس توصلي لهونيك لازم تخلفي ولدك التاني دغري”، أضبط نفسي وأدخل لأحصل على غمرة من دانيال، تنسيني ما قيل لي وما واجهته في يومي.

نلملم حاجياتنا ونذهب في جولتنا اليومية نحو الكورنيش، دانيال يحب زيارته يومياً، أرتشف القهوة مجدداً واعود إلى المنزل حين يغفو دانيال على أنغام الموسيقى في السيارة. نصعد، أستحم، أدخل السرير وأغفو….أصحو مجدداً… وأغفو مجدداً واعيد تكرار هذا العمل يومياً.

الروتين قاتل. تدخل على حياتي بعض التغييرات البسيطة من رحلات عمل إلى الخارج ، الخروج مع الأصدقاء، اصطحاب دانيال الى الطبيب، أو الخروج سوياً للغذاء والتمتع بأشعة الشمس. أجلس مع نفسي أحيانا وأفكر، كيف يمكن للنساء القيام بما يقمن به من اعمال جبارة خلال النهار والليل، كيف يمكن لإمرأة أن تربي اولادها، العمل داخل المنزل وخارجه، تحمل الضغط النفسي والجسدي من قبل هذه المجتمعات الذكورية التي ما تنفك تلقي بأعبائها عليها، فترفض الإنصياع أو الخنوع وتمشي مستقيمة ومسلحة بالأمل. كيف لإمراة تحمل كل هذا التمييز والقمع، كيف لإمراة النجاح رغم كل ما يواجهها. حسناً هي تفعلها، هي تتحمل، تواجه، تنجح، وتقود… لانها إمرأة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد