إلى اللقاء في سنة جديدة ملؤها الغضب دون خجل أو رهبة

يا ليت للهاتف قدرة على الكلام والتعبير، ليعرّي بشاعة هذا العالم ويفضح قصص وآلام نساء كثيرات توالين على الإتصال بي لطلب المساعدة والإفصاح عن تعرّضهن لأشكال وأنواع مختلفة من العنف.سارة، حرمتها قوانين الأحوال الشخصية التمييزية من إبنتها ورمتها بين نار زوجها المتسلّط وإبتزاز رجل يتلطّى خلف عباءة الدين ليمارس ذكوريته دون رقيب أو محاسبة. غنى، هربت من القمع والتمييز وتقييد الحرية في منزل والدها بالزواج من رجل يستغلّها يومياً إقتصادياً وجنسياً ونفسياً دون القدرة على مواجهة مستغلّها أو الطلاق منه خوفاً من العودة إلى “السجن” الذي كانت أسيرته طوال سنوات طفولتها وشبابها. هبة، تتعرّض للعنف والخيانة الزوجية يومياً، فيما كل من حولها يحثّها على الصبر والسكوت للحفاظ على عائلتها لأن “الرجل عيبو على صباتو” ومطلوب منها أن تجد حلّاً “حتى تعبيلو عينو لما يطلع لبرا”. علا، إمرأة في منتصف الثلاثينات، لم تتزوّج لأنها “ناصحة وقوية” (كما أفهموها من حولها)، توفي والدها دون أن يترك لها ملجأ لأن “الصبيان أحقّ بإنو يورثوا بيت العيلة”، حتى باتت على تكلة أخاها الذي يعاملها كمجرّد خادمة له ولعائلته. زينب، شابة عشرينية تعرّفت على شاب ووقعت في حبه، هي تقول أنها “أخطأت” وأخذت صور وهي تغمره (يا لهول هذه الجريمة!)، ومذ ذاك الوقت وهو يهدّدها بفضحها أمام أخاها (الذي بالمناسبة هو أصغر منها ويتباهى بعلاقاته الجنسية مع الفتيات) ويبتزّها مالياً، حتى أنها فكّرت مرات عذّة بالإنتحار أفضل من أن تذبح على يد شقيقها.

هذه عينة بسيطة عن الكثير من روايات نساء لم أعرفهن إلّا عبر سمّاعة الهاتف خلال هذا العام، دون أن أذكر طبعاً قصص أكثر وأفظع نقلتها لنا شاشات التلفزة أو الصحف اليومية أو المنظمات النسائية، وأخرى كثيرة، بطلاتها نساء يعانين بصمت، لم تروى بعد. وفي وسط كل هذا العنف والتمييز، خرج عليّ مجموعة من الذكوريين من خلفيات وعبر منصات متعدّدة، كالنائب إيلي ماروني مثلاً، الذي حمّل المرأة المسؤولية في إغتصابها، وعند ردّي عليه هدّد بإلباسي “البرقع” كي لا أخجل من تصريحاته، أو الأبطال الفايسبوكيين، الذين لا يفوّتون فرصة لإستفراغ مواقفهم الذكورية أو التعبير عن إمتعاضهم وكرههم للنسويات، أو أشخاص من محيطي الإجتماعي، الذين كانوا وقبل إلقاء التحية علي يردّدون العبارة نفسها “ليش بتضلك معصبة، يا عمي صرنا لازم نطالب بحقوق الرجال”…

بالمحصّلة، أودّع العام 2016 وفي جعبتي وقلبي الكثير من الغضب والحزن من واقع ظالم وتمييزي يقيّد النساء بأساليب مختلفة، يحرمهنّ من حقوقهن الإنسانية، يدمّر ويقتل العديد منهن! واقع نناضل في كل ثانية ودقيقة وساعة ويوم وأسبوع وشهر وسنة لتغييره ولكن، وبالرغم من بعض الإنجازات الصغيرة، ومع تطوّر منسوب الوعي النسوي وتحسّس العنف والتمييز لديّ، أجد أنه لا زال أمامنا الكثير لنفعله. واقع يجعلني أزداد قناعةّ بأن الفكر الذكوري-الأبوي هو من أقوى وأخطر أشكال الإستعمار التي حكمت عقولنا لسنوات وما زالت. واقع يدفعني إلى المزيد من الغضب، دون خجل أو رهبة، والإصرار على المواجهة مهما غلت الأثمان في العام المقبل وحتى الرمق الأخير، لأن قضيّتنا محقة ومن الذكورية ما قتل!

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد