عندما لا يكون الإنكسار خياراً

قليلة هي تلك المرات التي أستدعي فيها ذكرياتي، فأنا غالباً ما أهوى التطلع قدماً ورسم “ذكريات” المستقبل. ليلتي هذه كانت غريبة عني، فعندما أدرت تلفازي لمشاهدة فيلم قصير قبل النوم ، ساد صمت غريب، أثار ريبتي وبدأت تلك الصور تظهر أمامي بشكل عشوائي. أنا في السيارة مع والدي، على طريق الجنوب، نضحك على أنغام أغاني “فريد الأطرش”، ونغني معاً. أستاذة اللغة العربية تخبر والدتي عن ذكائي ومشاغاباتي في آن. أسجّل هدفاً مع فريق الحي من “الصبيان ” حصراً، ثم أصعد لأبكي إلى “ماما” بسبب ركلة قوية من لاعب آلمتني ورفضت البوح بذلك أمامه. أنا أحتفل بنجاحي بتفوق في شهادتي الرسمية الأولى، ومن بعدها صوراً جميلة خلال دراستي الثانوية مع فرقة “الدبكة”. نجاحٌ آخر. ها أنا في إحدى التظاهرات المطلبية أصرخ وأبتسم. جامعتي، سنوات جميلة وأصدقاء….

صور ومشاهد متسارعة في أغلبها نساء، أمي ، أخواتي، تلك الأخرى التي أهوى الدفاع عن حقوقها ، فتقابلني ببسمة حيناً وبطعنة أحياناً أخرى. تلك الصديقة التي تسند كتفي لأبكي وأتكأ عليه. هي لا تريد البكاء أمامي تريدني قوية، حسناً ربما .

سوادٌ ، لا صور، لا كلمات، أين هي بقية ذكرياتي، حسناً ، لن أهلع ، أنا صنعتها، ببسمتي رسمتها، بعاطفتي وتضحياتي كتبتها، بمبادئي ونضالي حرستها. لا بدّ أن أستعيدها يوماً ما. هل هي ذكريات ماضيّ أم مستقبلي؟

أفتح عيناي لربّما أرى بشكل أوضح، أين نظاراتي، أريدها ، أريد أن أفهم .

“غود مورننغ ماما”، منبهي الصباحي، رفيقي الصغير “الدانيال” إستيقظ، وأنا إستيقظت معه…. لأن الإنكسار ليس خياراً.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد