توزير مي شدياق… ما دخل الشرف؟

تحتفي إثيوبيا بلاد الفقر المدقع، بتطبيق مبدأ المناصفة في حكومة مصغّرة شكّلها رئيس الوزراء آبي أحمد، وتتولّى 10 نساء وزارات رئيسة في البلاد، وستكون عائشة محمد أول امرأة تشغل منصب وزير الدفاع في إثيوبيا (100 مليون نسمة). وتتولى رئاسة البرلمان مفريات كامل منذ نيسان (أبريل) الفائت، كما ستصبح الآن وزيرة للسلام. كذلك، تقود مارتا غابرييلا ميكيتي وهي نائبة رئيس الأرجنيتن، بلادها وهي مقعدة. وقد شغلت هذه المرأة العالم بصلابتها وقوّتها.

هذا فيما كتب أحدهم في المقلب الآخر من الكرة الأرضية: “يا نساء لبنان مي شدياق تمثلكنّ” وأرفق تغريدته بوجوه ساخرة. وانهالت التعليقات، بين من ضحك معه ومن ضحك من سذاجة ما كتب.

حادثة تذكّرنا بأخرى سبقتها بقليل، حين وجّه المحلّل السياسي جوزيف أبو فاضل  إهانة إلى النائبة الإعلامية بولا يعقوبيان ، لا في السياسة، بل عبر التعرّض لعرضها وتوجيه شتيمة جنسية لشخصها. فكلما اقتربت امرأة من الشأن العام، نحاربها بما يسمّى “العرض”. وكأن هذه الأمة لا تملك لمحاربة النساء سوى الجنس! الجنس! الجنس!

كتب آخر تعليقاً حول اقتراح مي شدياق من قبل “حزب القوات اللبنانية” لتولي وزارة الثقافة: “وزارة ثقافة برجل واحدة”، فعلّق صديقه “ويد واحدة”، وضحك الجميع، وانتشر “البوست” بين صفحات الأصدقاء وعمّت البهجة والضحكات في كل مكان.

فمن لا يتفق مع فكر مي وتوجّهها السياسي، كان أمامه حلّان، إمّا توجيه الشتائم الجنسية لها كونها امرأة، أو اعتبارها غير مؤهّلة بسبب وضعها الصحي.

على الطريقة الشرقية المريضة في تلقّف الأحداث، اتّجهت الشتائم من وضع مي الصحي إلى اعتبارها “بلا شرف”. يدخل “الشرف” في كل شاردة وواردة في هذه البلاد، إذ يستسهل كثيرون رجم النساء باللعنات الجنسية. يستحي الواحد أن يدوّن ما كُتب على “تويتر” من إساءات لا تهين مي وحدها، بل كل امرأة وكل ذو\ات إحتياجات خاصة وكل إنسان.

القضية ليست قضية مي شدياق، هي مسألة عقليات تعيش النازية بمحارقها اليومية في العام 2018، وتطبّقها على كل واحد وفق وجعه أو نقصه أو حرقة قلبه. فبنظر الكثيرين\ات في هذا المجتمع، أن تكوني امرأة، هذا نقص، وأن تتعرّض لحادث يفقدك أحد أعضائك، هذا نقص أيضاً! وماذا لو اجتمع النقصان في مي شدياق!

تعلّق رئيسة اتحاد المقعدين سيلفانا اللقيس لـ”شريكة ولكن”، قائلةً: “ما حصل هو انتهاك لحقوق الإنسان في مختلف المعايير، من إهانة الكرامة إلى إهانة الإنسانية”. وتتابع: “لا بدّ من محاكمة هؤلاء المجرمين ومحاسبتهم، إذلال الناس وانتهاك كرامتهم جريمة، ولا يجوز السكوت عنها”.

وكانت مي شدياق تعرّضت في 25 أيلول/ سبتمبر 2005 لمحاولة اغتيال، أصيبت إثرها بجروح بالغة في قدمها اليسرى ويدها في الانفجار الذي وقع في منطقة جونيه، ثم ذهبت إلى فرنسا للعلاج، وابتعدت من الإعلام. وهي حائزة شهادة دكتوراه في الإعلام من الجامعة اللبنانية وتشغل اليوم منصب رئيسة “مؤسسة مي شدياق للإعلام”.

هدأت قليلاً موجات الشتائم الآن على مي مع تعرقل الحكومة مجدداً، لكنّ الشتيمة جاهزة دوماً في هذه البلاد، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بامرأة. فبدل أن يكون النقاش في السياسة والثقافة والمجتمع، تسير قافلة النيات السيئة والنفوس المريضة نحو “الشرف” واليَد والرِجل…

تقول إميلي برونتي (روائية وشاعرة بريطانية 1818-1848): “حين يكتب الرجل شيئاً يكون الحكم على ما كتبه، وحين تكتب المرأة شيئاً يكون الحكم عليها”. والسلام.

 

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد