قاتل منال عاصي بطل تلفزيوني بقوّة الدين والقانون ونسب المشاهدة

“دخيلك بردانة يا أختي غطيني”… هي الكلمات الأخيرة التي لفظتها شفاه منال العاصي المرتجفة من وهل الوجع والعنف قبل أن تغيب عن الوعي وتفارق الحياة. أمّا الإعلام اللبناني، وفي واقعة ليست الأولى من نوعها، فقد إختار سيناريو آخر للقصّة مستند على تبرير للعنف الذكوري عبر الخروج بخلاصة تقول “منال خائنة تعالوا نحلّل وجوب قتلها من عدمه”. هكذا وبكل بساطة ودون إقامة أدنى إعتبار لكرامة الضحية وحقّها بالعدالة، قرّرت قناة الMTV فتح هواء برنامج عاطل عن الحرية الذي يقدّمه الإعلامي سمير يوسف لقاتل منال وذلك في توقيت ترافق مع حملة الستة عشر يومًا التي يناضل العالم من خلالها لمناهضة العنف ضدّ النساء، فيما إعلامنا يعيدنا سنوات إلى الوراء عبر تثبيت روايات قتلة النساء والإمعان بالتنكيل بالضحية وقتلها مرّة أخرى.

حرصت القناة على الترويج المكثّف للحلقة من خلال إعلان صوّر المجرم كبطل “الكل حكي عنه بالصحافة والأخبار، ونزّل الجمعيات عالشارع وصار أشهر سجين في لبنان”، وسخّف الجريمة بوصفها “المشكل الذي حدث مع زوجته منال العاصي وأدّى إلى وفاتها”، وأوحى بأن كلام الجاني هو الحقيقة التي ستكشف فضيحة الضحية “لأول مرة محمد النحيلي يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل هذا اليوم الأسود”. أمّا في المضمون، فقد تفوّق البرنامج على نفسه في الرسائل العابقة بالذكورية والتبرير الفاضح للجريمة، ولم تسعف الخاتمة التي حاول المقدّم من خلالها التلطّي بعبارة “الذكورية”، بطمس عورة ما أورد خلال الحلقة من معطيات ظالمة للضحية.

ترافقت الحلقة مع مشاهد تمثيلية ومؤثّرات إخراجية طغى عليها طابع التبرير للقاتل سيّما مشاهد تحسّره على أيام الحب وإظهاره بمشهد الرومانسي والعاشق المخدوع، وليكتمل المشهد إستضاف البرنامج أخصائية نفسية لتبرّر غضب الجاني وضيوف آخرين يعيدون تثبيت وجهة نظر محمد النحيلي ولعلّ أشدّهم فظاعة كان الصحافي الذي خرج ليبرّر حكم القاضية هيلانة إسكندر تخفيض عقوبة القاتل بسبب “ثورة الغضب”، موصّفًا الحكم بأنه “موقف إنساني” تجاه شخص “إجا لاقى مرتو خاينتو”!

لم يكتف البرنامج بتبرير جريمة القتل التي أقدم عليها النحيلي ببرودة كاملة وألحقها بإتصال بأم الضحية قائلًا “قتلتلك بنتك تعي خديها ع القبر”، بل عمل أيضًا على تبرير عنف وخيانة القاتل لزوجته عبر إقدامه على الزواج للمرة الثانية وتخطيطه للثالثة بوصف فعله نتيجة “تقصير من اتجاهها وكان هذا حق لي بشرع ربنا”. أمّا الطامّة الكبرى فقد تجلّت بالخاتمة التي أعطى من خلالها البرنامج الحقّ لنفسه بالحديث بإسم الضحية والإيحاء بأنّ هذه قضية خاصة لا يجب على الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة التدخل فيها، وأن حلّها يكون من خلال “إذا قعدنا وحكينا ما كان صار كل هالشي” وكأنّ الكلام كان سيخلّص منال من العنف اليومي الذي عاشته ومن تنكيل زوجها الذكوري القاتل.

إن هذه الحلقة تعدّ نموذجًا صارخًا لدور الإعلام السلبي المساهم في ضرب النضالات اليومية من أجل حماية النساء ومناصرة حقوقهن. أمّا منال التي ضربها وسحلها وحرقها ومثّل بجثتها القاتل، الذي حاولت الMTV تكريسه نجمًا تلفزيونيًا يتبجّح بذكوريّته المقيتة، على مرأى ومسمع من أفراد عائلتها والمجتمع والشّرع والقانون، فعذابها ووجعها وإسمها أنبل وأطهر من كل ما رافق قضيّتها من عهر ذكوري وتشويه إعلامي.

وفي النهاية، يبقى الثابت الوحيد أن النساء في لبنان يدفعن يوميًا ثمن الجرائم التي لا شرف فيها، والمجتمع الجلّاد المتحكّم بحيواتهن وأجسادهنّ بقوّة التقاليد والأعراف العفنة، والدين الذي يكرّس العنف والتمييز ضدّهن بأبشع الطرق، والقانون الذي لا يزال عاجزًا عن تأمين الحماية والإنصاف لعذاباتهن وأرواحهن، والإعلام الذي لا يكترث سوى لنسب المشاهدة على حساب كرامانهنّ وحقوقهنّ. وعلى أمل أن يصبح وجع أم منال وأمهات الكثيرات غيرها الأولوية الأساس، وأن تؤرّق صرختها “هوي بعدو بالحبس وطيّب، بس بنتي ميتي، هوي عم يحكي مع ولادو، بس أنا ما عم بحكي مع بنتي” يوميات قاتل إبنتها وسارق سنين عمرها وفرحة أيامها، لا يسعنا سوى معاهدتها على إستكمال النضال دون خوف وبغضب أكبر لكي لا تتكرّر مأساة منال ولا نرى المزيد من المجرمين يتبجّحون بعنفهم على حساب حق النساء بالحياة.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد