شو قصتِك اليوم؟ تعي احكي.. بدنا نسمع..

في مجتمع “الأحكام المسبقة”، يقولون أنّ “النسوان شاطرين بالحكي”. والحكم نفسه، لا يُقال من منطلق “التمايز” المُعطى للنساء، وإنّما بوصفه “مذمّة”. لأنّ “الحكي” المقصود هنا، هو رديفٌ للثرثرة، وهي رديفةٌ بدورها لـ “السخافة”، التي تعكس صورة “ناقصات العقل” بحسب تصنيف المجتمع نفسه للمرأة. لكن، هل يدرك هؤلاء أنّ النساء يخفن من فعل “الحكي”؟

ليس من السهل أن تكسر النساء حاجز الصمت، في بيئةٍ مجتمعية مطوّقة بالتابوهات والمحرمات والممنوعات. والمرأة إن حكتْ، تلتزم القشور على سطح الكلام. كأنّ الغوص مهمةٌ شاقةٌ وصعبة. تتكلم المرأة كثيرًا؟ ربما. لكنها تتفادى الحديث عن أشياء كثيرة أخرى. فهي لا تحكي عن رغباتها وميولها وجسدها وتجاربها. ولا عن قصص حبّها وتعبها وفرحها وأملها ونضالها ويأسها وصمودها.

أشياءٌ كثيرة لا تخبرها المرأة، أو بالأحرى، لا تستطيع البوح بها لأنّها تندرج في خانة “العيب”. إنّه فعلٌ ممنوع. فهي تخشى الحديث عن أول قبلة “سرقتها” بحُبّ. وعن أول تحرشٍ تعرضت له في الشارع أو الفان أو المدرسة أو حتّى في البيت. وعن أول عنفٍ لفظي وجسدي واجهته بصمت. وعن أول خيبة وأول خيانة، وعن الخيبات والخيانات كلّها.

ثمّة محظورات تخاف النساء من تجاوزها لرفع الصوت عاليًا. وبقدر التحديات التي تخوضها للتجرؤ على قول “لا”، تخاف البوح بعدد المرات التي أُرغمت فيها على قول “نعم” لتقديم فروض الطاعة منكسرةً. كثيرات حُرمن من ممارسات هواياتهن، وحُرقت أحلامهن المستقبلية، بسبب هويتهن الأنثوية، لأنهن “بنات”. رُمي على النساء واجبات كثيرة، حتّى اقتنعن أنّها واجبتهن وحدهن من دون السؤال عن حقوقهن. نادرًا ما تتحدث النساء عن تحديات زواجهن وتربية أطفالهن، أو عن تحديات طلاقهن وأمومتهن وحضانتهن، وعن مشاكل سفرهن وعملهن في المؤسسات ومع الزملاء والأصدقاء حتّى لا تشعر بـ “عقدة الذنب”.

ماذا تحكي النساء إذن ؟

في مبادرةٍ تهدف لتقليص المسافات بين النساء، حتّى يتشاركن قصصهن مع قصص كثيرة أخرى، قد تكون فريدةً ومتشابهة ومتبانية، عقدت كلّ من “هيفوس” و”Fe-Male”، أمسية حكواتية خاصة بالنساء فقط، مساء السبت في 1 كانون الأول 2018. وذلك، ليروين قصصهن ويتشاركن بها سويًا، بمناسبة 16 يومًا لمناهضة العنف ضدّ النساء، تحت عنوان “شو قصتِك اليوم؟”.

في مبادرةٍ تهدف لتقليص المسافات بين النساء، حتّى يتشاركن قصصهن مع قصص كثيرة أخرى، قد تكون فريدةً ومتشابهة ومتبانية، عقدت كلّ من “هيفوس” و”Fe-Male”، أمسية حكواتية خاصة بالنساء فقط

داخل إحدى غرف Mansion في زقاق البلاط في بيروت، تواجدت عشرات النساء اللواتي جئنا بحثًا عن مساحةٍ آمنة إمّا للكلام وإمّا للإصغاء، أو للإثنين معًا. كان ضوء الغرفة خافةً . كأنّ جوّ العتمة يوحي بأمانٍ مفقود في الضوء. بعض النساء جلسن على الكراسي، والبعض الآخر على أريكةٍ على الأرض. تشخصت أنظارهن جميعًا نحو “حلبة” المشهد، حيث تتناوب النساء على التعبير إمّا بالحكي أو الرقص أو الشعر أو التمثيل.

تبادلت النساء الرغبة في سماع قصص بعضهن. لا رجال هنا. لا آباء ولا آمهات ولا عائلات ولا مجتمع ولا أحكام مسبقة. استثنائيًا، كلّ الحواجز انكسرت أمام الرغبة في البوح. وكلهن، جئنا لحضور الأمسية الحكواتية، للهدف عينه. كان ثمّة حاجة مفرطة للتنفيس عمّا تخبئه النساء في الأعصاب والروح والعقل والقلب، من حكايا ومذكرات وتحديات وأحلام.

في هذه الأمسية، عرضت خلالها 9 نساء قصصهن، قبل أن تناوبت الراغبات بالبوح من الحاضرات الميكروفون لمشاركة قصصهن. وضعت النساء جميع المورثات ونمطية الأفكار المجتمعية خارج الغرفة. تبادلن التقدير لفعل البوح ولفعل الصمت أيضًا. لم يكن هناك من مجال للأحكام والمحاكمات، مهما بلغت فرادة القصّة وغرابتها قياسًا لخلفيات الحاضرات.

تبادلت النساء الرغبة في سماع قصص بعضهن. لا رجال هنا. لا آباء ولا آمهات ولا عائلات ولا مجتمع ولا أحكام مسبقة. استثنائيًا، كلّ الحواجز انكسرت أمام الرغبة في البوح

تجارب وحكايا كثيرة، تركت ندوبًا في حياة المشاركات أو دفعتهن لرفع رايات النصر. كانت الأمسية مفتوحة للنساء والأشخاص الترانس، من مختلف الجنسيات والتجارب. منع فيها التصوير وتسجيل الفيديو حتى تكون أكثر أمانًا وتحررًا وحرية. سمعت الحاضرات قصص بعضهن بشغف كبير. تحدثن عن تجارب كثيرة ومختلفة. من بين التجارب، روت إحدى المشاركات عن تجربتها مع التحرش في الطائرات وتصديّها للمتحرشين برياضة الآيكيدو. وأخرى عن هويتها العابرة جنسيًا (ترانس) والتحديات التي تعيشها يوميًا بعد أن تخلت عائلتها عنها ونبذها المجتمع. كذلك، تحدثت إحدهن عن المضايقات والمواقف المحرجة التي تعترضها في عملها الصحفي. ومشاركة أخرى، حكت عن تجربتها في خلع الحجاب داخل بيئتها المحافظة. سمعت السيدات قصصًا كثيرة، عن معناتهن في النزاعات والحروب، وعن تجاربهن الخاصة مع الزواج والانفصال والانجاب والعنف والتحرش وشتّى أشكال المضايقات والتحديات في يومياتهن.

عند السؤال “شو قصتِك؟”، وبعد الانتهاء من البوح، تبادر الحاضرات للتصفيق بحرارةٍ قوية، بعد أخذ نفسٍ عميق من شدّة التأثر لما سمعن. وفي هذا البوح المتبادل من دون قيود وحواجز، كان فرصةً لتقرب النساء من بعضهن، ولتقربن من أنفسهن. أمّا البسمة التي رسمت على وجوه المشاركات، فكانت نوعًا من الإدراك أنهن لسنا وحيدات في مخاضهن، مهما كان عسيرًا. “عم اتعلّم كيف حبّ حالي”، تقول إحدهن.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد