منذ الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي، باجي قايد السبسي، لوجوب المساواة بين الرجال والنساء في الميراث، والتي تبعها مصادقة مجلس الوزراء على مسودة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن أحكاماً بالمساواة، في 23 من شهر نوفمبر الماضي، وهناك حرب شرسة بين مؤيدي ومعارضي تلك الخطوة تخطّت الحدود التونسية إلى مختلف الدول العربية، كان أبرز أطرافها المؤسسات والأحزاب الدينية في تونس ومصر من جهة والمدافعين\ات عن المساواة من أرضية التجديد الديني والمدافعين\ات عن الدولة العلمانية من جهة أخرى.
ففي تونس، أعلنت حركة النهضة التونسية رفضها لمبادرة السبسي التي وصفتها بالمخالفة للدستور والنصوص القرآنية، بينما وصفها عبد الفتاح مورو، الرجل الثاني في الحركة، بالخطوة الحكيمة وأنه شخصياً قد وزّع إرثه على أبناءه وبناته بالتساوي.
وفي بيانات لها رفضت كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية تلك الخطوة التي وصفتها بالخيالات الجامحة والأطروحات التي تصادم القواعد والمحكمات، ومحذرين مما أسموها بـ “الفتنة ودعاتها”. كما أكّد مفتي الجمهورية المصرية على أن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة مخالفة للشريعة الإسلامية ولإجماع العلماء على مرّ العصور، وأن تلك الأحكام قد وردت طبقاً لنصوص قرآنية لا مجال للإجتهاد فيها، لافتاً إلى أن الشرع قد أعطى للمرأة أكثر من الرجل في كثير من الحالات.
على الجانب الآخر، رحّب الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الازهر، بالقرار قائلاً “إن قرار تونس بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة صحيح فقهًا ولا يتعارض مع كلام الله” موضحاً بأن ” الميراث مسألة حقوق يحق للناس التعامل بها وليست واجبات مثل الصلاة والصيام، وأن الفقيه تتغير فتاواه في تلك الأمور بتطوّر ثقافته مع مرور الوقت، وأن مصر ستصل إلى ما وصلت إليه تونس بعد عشرين عاماً من الآن”.
على نفس الأرضية الدينية، اختلف العديد من المتابعين مع ما ذهب إليه الأزهر وما قاله المُفتي، فيقول أحمد سمير ” إن الحديث عن وجود حالات ترث فيها المرأة أكتر من الراجل في الشريعة الإسلامية محض تدليس وضحك على الذقون، فالقاعدة الأساسية في الميراث الشرعي إن “للذكر مثل حظ الأنثيين”، وعندما يتساوى الذكر والأنثى في الدرجة، فإن الذكر يرث ضعف الأنثى؛ الأخ ضعف الأخت، الابن ضعف الابنة، الأب ضعف الأم، الزوج ضعف الزوجة، والمرأة ترث أكتر عندما تكون أقرب في الدرجة من الميت، أو في حالات معقدة، لذا فإن الحديث عن التساوي في الميراث يكون عقلانياً عندما يكونوا متساويين في الدرجة، أما أن تقول بأن أخت الميت ترث أكثر من ابن الجيران فهذا تهريج، ومن يقول بأن الشريعة تساوي الرجل بالمرأة في الميراث، هو إما جاهل أو نصاب”.
البعض الآخر رأى أن الكثير من الأمور الدينية التي ورد فيه نصوص صريحة قد تم تعطيلها حديثاً، فيقول محمد محمد عاطف “أن ملك اليمين أمر مذكور في القرآن وتفصيلات تشريعاته موجودة في كتب السنة، وهناك تقسيمات وأبواب في صحيح البخاري عن توزيع النساء السبايا وفقه معاملتهن، وعندما طبّقت داعش تلك الأحكام قالت المؤسسات الدينية بأن ذلك ليس من الدين في شيء، تحت ذريعة أن الزمن تغير، فلماذا لا يتم التعامل بنفس المنطق مع الميراث؟”.
وفي توضيح منه لموقفهم الرافض للمساواة في الإرث قال الدكتور سعيد عامر، أمين عام لجنة الفتوى والدعوة بالأزهر، تحت عنوان “المساواة ظُلم للمرأة” إن العبء والإعالة والنفقة على الرجل، لأنه مكلف بإعالة المرأة زوجة كانت أو بنتا أو أما أو أختا، بينما المرأة التي ترث فهي مُعالة من أخيها أو أبيها أو زوجها، فكأنها ترث مع إعفائها من الإنفاق، ويكون ما ترثه ذمة مالية خاصة بها”.
ولكن الواقع يناقض ما يقوله الدكتور، فوفق الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، فإن 30 بالمائة من الأسر المصرية تعولها سيدة، حيث أن نسبة النساء المعيلات في مصر بلغت 38 بالمائة أي أن هناك 12 مليون امرأة معيلة في مصر، كما أن القانون لا يُلزم الرجل بإعالة المرأة على أي صعيد.
وبعيداً عن الاختلاف الفقهي، فإن المساواة في الحقوق والواجبات بين الذكور والاناث هي ركن أساسي من أركان الدول العادلة، حيث يجب أن تبقى الدولة على مسافة واحدة بين جميع مواطنيها، فلا تفرقة بين أي شخصين على أساس الجنس أو الدين أو غير ذلك، فعلى سبيل المثال يقول الرأي الفقهي الإسلامي “لا يرث الكافر المسلم” أي أن الزوجة المسيحية لا ترث شيء من زوجها المسلم، وهو ما يجب ألا يكون رأي القانون الذي تُطبّقه الدولة على مواطنيها، فالمساواة هي الأساس في عصر تعمل فيه المرأة وتكدّ وتشقى مثلها مثل الرجل، وأكثر منه في غالب الأحيان.
أحمد العابدين