طفلة تقدم على الإنتحار في عرسال بعد تجربة مروّعة مع التزويج المبكر

“كانت عم تلقط إنترنت عالتلفون”، عبارة يردّدها الكثيرون في عرسال للتستر على واقعة إنتحار الطفلة المتزوجة والمطلقة حديثاً. واقعة نتجت عن واقعٍ مُر يطال ليس فقط الطفلة العرسالية ولكن الكثير من الطفلات والنساء في المحيط ذاته. فبعد أن أُرغمت على الزواج “جكر” بخطيبة طليقها السابقة، وجدت نفسها بعد سنتين إمرأة صغيرة مطلقة محبوسة بين جدران منزل والديها متهمة بفشلها في الزواج وممنوعة عن الإختلاط بالمحيط الأوسع لوصمها بالعار والخزي أمام أفراد العائلة، بل العشيرة، بل القرية البقاعية الحدودية.

فبحسب مصادر خاصة لموقع “شريكة ولكن”، أقدمت فتاة تدعى ن. ح. على الإنتحار الأسبوع الفائت في بلدة عرسال البقاعية؛ وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، لا تزال الفتاة في العناية الفائقة في مستشفى شتورة.

وفي تفاصيل قصة الفتاة، تمّ تزويجها قسراً من إبن عمها. والحقيقة أنّ قرار زواج ابن عمّها بها جاء كردّة فعل على ترك خطيبته له حديثاً. وبعد سنتين من زواجه بها، لم يتفق الزوج معها وانفصل عنها لعدد من الأسباب. بعد ذلك، رجعت الفتاة الى منزل والديها حيث مُنعت من الخروج من المنزل ومنعت أيضاً من استكمال علمها باعتبار أنّ طلاقها جلب العار إلى العائلة.

نتيجةً للضغوط العائلية والاجتماعية على الفتاة، لم تتحمل جسامة الأمر عليها ولا سيّما أنها لا تزال قاصراً وقد أًجبرت على زواج لم ترده يوماً ودون خيار. فأقدمت على الانتحار من سطح منزل والديها الذين برّروا الأمر للجيران والأقارب على أنّها وقعت بسبب محاولتها التقاط إرسال شبكة الانترنت. وتؤكد مصادرنا أنّ الفتاة لم تمتلك هاتفاً أصلًا لاستعماله، ولكن الأهل استخدموا هذا العذر للتستير على واقعة الانتحار.

وعند اتصالنا بمستشفى شتورة للاطمئنان على وضع الفتاة، رفض المعنيون إطلاعنا على أي معلومات تخص وضع الفتاة أو حتى إحالتنا إلى الإدارة للإستفسار، مؤكدين أنهم لن يقدموا أي معلومات لنا إلّا بموافقة الأهل. ولكن بحسب مصادر موقع “شريكة ولكن”، كانت الفتاة قد دخلت في غيبوبة وتمّ نقلها الى مستشفى شتورة، وفور استيقاظها من الغيبوبة، أخرجها أهلها من المستشفى إلى المنزل. ونتيجةً لوضعها الصحي السيء، أصيبت الفتاة باضطراب عصبي ونزيف في الدماغ، مما استدعى معاودة نقلها فوراً إلى مستشفى شتورة.

موقع “شريكة ولكن” تواصل مع العقيد جوزيف مسلّم، رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، الذي أشار إلى أنّ قوى الأمن الداخلي لا يمكنها التدخل إلّا أذا قام أحدهم بتقديم شكوى بالواقعة التي حدثت. وفي الوقت ذاته، أكّد مسلم أنّه من مسؤولية المستشفى الإبلاغ عن هذه الحادثة حتى ولو كانت حادثة وقوع الفتاة صدفة كما يدّعي الأهل. وعندما تحرّينا عن الأمر، لم نجد أي معطيات تشير إلى أنّ المستشفى قد بلّغت عن الحادثة وخاصة في ظل رفض المستشفى إعطاء أي معلومات تُذكر.

إنّ هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها وهي تعكس واقع النساء والطفلات اللواتي يتعرضن لأقسى الضغوط العائلية والاجتماعية قبل وبعد الزواج والطلاق. فقد علمنا أنّ ن.ح. ليست الأولى ولا الأخيرة التي تتزوج بهذه الطريقة في مجتمع ذكوري يتقن ثقافة لوم وجلد النساء. وفي حين أنّ لا العائلة ولا الطليق يلومون أنفسهم في إيصال الفتاة إلى هكذا درجة من الإحباط النفسي واليأس، هذا إذا ما ثبت أن الحادث هو محاولة إنتحار، تفضل العائلة مداراة معايير السمعة بدلاً من إيلاء الأهمية للوضع النفسي والصحي للفتاة التي لا تزال معلقة بين الحياة والموت. فالفتاة التي وجدت، بحسب المصادر، في الإنتحار سبيلاً للخلاص من تجربتها القاسة مع التزويج المبكر والعنف المجتمعي، لم يهتز الكادر الصحي حتّى للتبليغ عن الحادثة التي تعرضت لها لضمان حمايتها على أمل أن تنجح في محاربة شبح الموت، رغم أنه ملزم قانونًا بذلك.

إن موقع “شريكة ولكن” يضع هذه القضية في متناول الرأي العام والأمن والقضاء في لبنان، حتى لا تبقى مثل هذه الحوادث عادية وعرضية في مجتمعنا الذي يبدع بممارسة كافة أشكال العنف على الفتيات والنساء، ودولتنا التي تتخلى عن مسؤولياتها في حماية الطفلات من هذه المصائر. أن تقدم طفلة في السادسة عشرة من عمرها على الإنتحار بعد تجربة تزويج مبكر مروّعة، ليس خبرًا عابرًا ولا عاديًا، بل هو جريمة يتحمل وزرها الأهل والمجتمع الذكوري القاتل والدولة المتقاعسة عن تأمين رفاه وطفولة وحياة نسائها.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد