وليد البعريني ينضمّ لرفاقه في نادي الذكوريين المتحرّشين “بما يرضي الله”

حين يكون سقف مطلبنا، كنساء صحافيات، نيل اعتذارٍ من شتيمةٍ ذكوريةٍ تعرّت من أدنى القيم والأخلاق، وجهها “ذكرٌ” لإحدانا وهو يتباهى بشرعيّة امتيازه السلطوي، يعني أنّ مسار ضبط الخطاب السافل مع النساء لا يزال طويلًا. فلا قوانين تردع، ولا جهات رسمية وحزبية مسؤولة تبادر لفعل المحاسبة بصورة جادة وحازمة. كأنّ الجميع، في هذه الجهات والأحزاب، متواطئٌ على شرعية هذا الخطاب، عندما يخرج أحد”ذكورها” متباهيًا بألفاظه العنيفة والبذيئة بحقّ امرأةٍ نائبةٍ أو صحافيةٍ أو عاملة في الشأن العام. وحين يُبادر ذلك “الذكر الشتّام” لفعل الإعتذار، يأتي على مضض، ضبابيًا وهشًا، نتيجة غضب الرأي العام وضغطه، ولا يوازي بالتالي فعل شتيمته التي طبعت العلامة الأقوى، أثناء تفاخره بها.
لن يكون النائب “الذكر” وليد البعريني، آخر المنضمين إلى نادي المتحشرين والشتامين في لبنان. فهذا النادي المكتظّ، بنواب ومسؤولين ذكورٍ على هيئة البعريني، تتسع رقعته وتتمدد، طالما استمدّ هؤلاء من شرعيتهم السلطوية، شرعية أخرى مزدوجة أعطوا لأنفسهم من خلالها، حقّ تجاوز الخطوط الحمراء مع النساء، بالتعرض السفيه لكرامتهن وأعراضهن.
القضية أعمق من حصرها بردود أفعالٍ غاضبة ومستنكرة، لا سيما أنّ الغضب والاستنكار أصبحا نمطيًا وعاديًا وآنيًا، لا يلبس أن ينطفئ وهجهما بعد فترةٍ وجيزة. وذلك، من دون حلولٍ مجديةٍ وصارمة تحفظ كرامة النساء عمومًا، والصحافيات تحديدًا، وتضمن بالتالي، عدم تكرار حوادث الشتم والتحرش اللفظي بحقهن.
هذا البعريني “الفحل”، الذي تعرّض لمديرة الأخبار والبرامج السياسية في قناة الجديد مريم البسام، مهددًا إيّاها برجولته تحت شعار “بما يرضي الله!”، يذكّرنا برفاقه الذكور في نادي الذكوريين والشتّامين. فقد كان رفيقه في تيار المستقبل، وزير الدولة لشؤون النازحين (!) معين المرعبي قد وجّه “إهاناتٍ جنسية” للإعلامية في قناة “إن بي إن” ليندا مشلب العام الماضي مباشرة على الهواء. فحين مارست مشلب حقّها الصحفي وطرحت عليه سؤالاً عن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، ووجوده في فندق ريتز كارلتون بالرياض، انطوى ردّ المرعبي على ذكورية وتحرش لفظي فاقعين: “هيدا عازمك عليه وبعزم حدا معك إذا بدك”. ونتذكر أيضًا ما قاله النائب السابق وئام وهاب، حين خاطب عضوة المكتب السياسي في تيار المردة ڤيرا يمين، ردًّا على نقدها السياسي له: “الصغيرة أيتها القبيحة صاحبة رائحة الفم الكريهه، ويا قحباء زغرتا”. وقبل فترة، شتم ما يُسمى بـ”المحلل السياسي والكاتب” جوزيف أبو فاضل النائبة بولا يعقوبيان على شاشة OTV، ردًّا على تغريدتها عن العهد، بعباراتٍ ذكورية أيضاً، متهمًا إياها بما يُسمّى “شرفها”، في محاولةٍ لترهيبها وقمعها ومنعها من النقاش والتداول السياسي.
تلك الأمثلة، هي غيضٌ من فيض الشتائم والتحرش اللفظي التي يتفوه بها بعضٌ من نوابٍ مشرعين في البرلمان، ووزراء يتولون حقائب في السلطة التنفيذية، وقياديين وممثلي أحزاب. والمفارقة الأهم، أن الخصومة السياسية، حين تتحول لمواجهة في الرأي بين امرأة ورجل يسارع الأخير للتكشير عن أنيابه، واللجوء للغةٍ مقززة، تحميه من الدخول في نقاش الفكرة والموقف، في سياق السجال السياسي، تحديدًا مع النساء، على عكس السجال بين رجل ورجل. والقضية التي تتخطى حدود الشتيمة، هو أنّ الذكور الشتّامين، ثمة ما يوحي بإجماعٍ في لاوعيهم، على حقّهم بالمساس بأنوثة النساء وتحقيرهن، في اللحظة التي يشعرون بها أنها تخطت الدور المحدد لها بإمتاعهن!
وما يؤكد نظرية أن ردود الأفعال الغاضبة لم تعد تجدي نفعًا، هو المستوى الهابط الذي تنحدر إليه الشتائم في كلّ مرّة. فما قاله البعريني متباهيًا باستعراض رجولته، بدا تلميحًا باستخدام فحولته، في جبهة استهداف النساء. المستهجن في الأمر أيضًا، هو موجة الدفاع الشعبية عن الشتامين إذا كانوا من مؤيدي فريقهم السياسي، بحجة أن المرأة المعتدى عليها من الفريق الخصم، يستحق موقفها تكييل كلّ هذه الشتائم. وفيما الدفاع عن النساء ليس دفاعًا عن مواقفهن، وإنما هو دفاع عن حقّهن بالتعبير عن مواقفهن، من الممكن الردّ على مواقفهن من دون تخطي أدبيات الخطاب السياسي عبر المساس الشخصي بهن وبأنوثتهن، إلا أن ذلك يبدو مستحيلًا مع من تتغلب عليه الشخصية الذكورية، التي تنظر بدونية للأنثى، باعتبارها إنسانة من الدرجة الثانية.
“كارثة” المواقف الصارخة، جاءت على لسان النائبة رولا طبش، عندما سألتها قناة الجديد في اتصال معها على الهواء، عن رأيها بكلام البعريني بحق مريم البسام، جاء ردّها حرفيًا: “ما رح فوت بالقصة… هو نائب بكتلتي المستقبل.. ما رح اعطي رأيي اذا اهان أو ما اهان.. ما رح جاوب صراحة عندي كتير اشيا اطلع عليا.. اشيا أكبر منكم”.
كلام الطبش هذا يظهر عمق المشكلة، بتحملها مسؤولية مضاعفة لكونها تعتبر نفسها صوتًا نسائيًا مشرّعًا في مجلس النواب. وإذا كان كلامها وحده يحتمل نقاشًا واسعًا عن خلفياته، والتابوهات المفروضة على النساء في عملهن السياسي داخل نطاق الأحزاب، من حقّنا أن نوجه لها سؤالًا كنساء مواطنات بالدرجة الأولى: ألا تعتبرين يا سعادتك أنكِ أسقطي عن نفسك صفة تمثيلك للنساء وصوتهن، إن كنتِ لا تتجرئين أصلًا على اتخاذ موقفٍ محقٍ من نائب في كتلتك تعرض بسفالة لإحدى النساء؟ وعفوًا، ما هي القضايا الأهم المنشغلة بها من الدفاع عن كرامات النساء والإعلاميات والمسؤولات المنتهكة؟ مثلًا، ماذا سيكون موقفك لو تعرض لك (لاسمح الله) أحد المعارضين لمواقفك بكلام وعنف لفظي مماثل خاصةً وأن موجة العنف اللفظي هذه لم تستثن أية إمرأة تجرأت على التعبير عن موقف سياسي وعام من اللواتي ذكرت أسمائهن أعلاه إلى أخريات كثيرات لعل أبرزهن الإعلاميات ديما صادق وجيسيكا عازار وأماني جحا؟
هذا الواقع السيء، الذي لا يصلحه اعتذارٌ سطحيٌ من هنا وهناك، بات ملحًا أن ننتقل به إلى مرحلة المطالبة بتفعيل المحاسبة داخل الأحزاب وفِي القضاء بحقّ الشتامين، والعمل على تشريع قوانين تحمي كرامات النساء من الانتهاكات. لكن المشكلة، أن هؤلاء الذين أنضووا في نادي المتحرشين، يجدون دائما من يستقبلهم بحماسة ورحابة صدر، ويفتح لهم الهواء لتكييل شتائمهم والإساءات الصادرة عنهم. وهنا، الطامة الكبرى في الإعلام.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد