“لأنك بنت” هذا هو الرد التقليدي الذي تتلقاه الإناث في مصر على منعهن من كثير من الحقوق والتصرفات الشخصية التي يتمتع بها الذكور، وهو ما يمتد من داخل الأسرة وحتى البيئة المحيطة والمارة في الشارع وأجهزة الدولة وغيرها، فالمجتمع المصري يتعامل مع الإناث على أنهن ناقصات أهلية يجب على جميع الذكور، بغض النظر عن طبيعة علاقتهم بهن، ممارسة الوصاية عليهن.
تقول الصحافية تفيدة علم الدين (اسم مستعار)، “إن التمييز ضد الإناث في مصر قاعدة وليس استثناء، وخاصة في الدوائر القريبة، فهناك تفرقة كبيرة بيني وبين أخي على سبيل المثال، هو يستطيع الخروج والعودة إلى المنزل في أي وقت بينما لا يجوز لي العودة في ساعة متأخرة حفاظاً على “السمعة”، وكذلك السفر والتنقل، فقد حرمتني أسرتي من السفر في رحلات الجامعة ثم استمر ذلك حتى بعد التخرج عندما رفضوا سفري للعمل في الخارج بدعوى “عدم وجود محرم”، بخلاف أخي بالطبع، وقياساً على ذلك كل الأمور الشخصية من الملبس والكلام والتدخين وغيرها”.
غالباً ما تتعرض الإناث للانتقاد الدائم بسبب طريقة لبسهن او تصرفاتهن الشخصية في الشارع العام، حيث يتعرضن كثيراً للمضايقات والتحرشات ومحاولات فرض الوصاية من المارة تحت ذريعة عدم لياقة ملابسهن “للمجتمع المحافظ”، وهو ما برز في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في عديد من حالات التحرش حيث تأتي الكثير من التعليقات التي تحتوي على جمل من قبيل “مش شايف لابسة إيه”، أو “لبسها السبب”، أو “لبسها مستفز”، وغيرها من التعليقات التي تُحمّل الإناث مسؤولية جرائم التحرش الجنسي وغيرها من الانتهاكات.
تُحمّل الإناث مسؤولية جرائم التحرش الجنسي وغيرها من الانتهاكات
تقول هالة الخولي، مسؤولة المبيعات بإحدى الشركات، في حديث لموقع “شريكة ولكن” ان “المجتمع لا يتقبل أن تكون البنت كائن مستقل حر التصرف والحركة، فتجد القريب والبعيد يحاول ممارسة الوصاية عليها، فعلى سبيل المثال عند سفري داخل مصر إلى إحدى المنتجعات أو المناطق البعيدة كجنوب سيناء أو الساحل الشمالي تغرقني أسئلة ونظرات الضباط وأفراد الأمن، استفسارات حول ما إن كنت متزوجة أم لا، ومعرفة أهلي بسفري وعن علاقتي بمن معي في الرحلة، حتى وصل الأمر أن قام أحد الضباط في مرة من المرات بطلب رقم تليفون أهلي للتأكد منهم على موافقتهم بسفري، رغم أنه غير قانوني، وذلك بجانب التحرشات اللفظية والتلميحات باستهجان سلوكي وملابسي”.
كما في الحياة المجتمعية كذلك على صعيد القوانين خاصة في نظام العمل حيث نجد حالات تمييز عدة ضد الإناث. نانسي سمير، متخصصة البرمجة بإحدى الشركات العالمية، تقول لموقعنا ” أنه من أغرب المواقف التي تعرضت لها هو رفض الفنادق استئجار غرفة لي لأنني بنت بمفردي دون زوج أو وصي، دون أي سند قانوني، وهو ما تكرر معي ومع صديقاتي. الجميع يريدون فرض الوصاية علينا، وحتى وقت قريب كان السفر إلى الخارج أو حتى اصدار جواز سفر يتطلب موافقة الزوج”.
وتقول المحامية عزيزة الطويل، في حديث لـ “شريكة ولكن “إن الدستور نص على عدم التمييز بين المواطنين في مادتيه رقم 9 و53، كما نص قانون العقوبات في مادته رقم 161 على معاقبة من يقوم بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد بسبب الجنس بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إلا أن المجتمع بعيد كل البعد عن ذلك”.
وحتى عام 2000 كان القانون المصري يشترط موافقة الزوج على سفر الزوجة، أو منحها جواز السفر طبقاً للمادتين 8و11 من القانون رقم 97 لسنة 1959، كما كان من حقه أن يسحب موافقته بموجب إقرار يقدمه للسلطات، حتى أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها في الدعوى رقم 243 بعدم دستورية المادتين المشار إليهما، وتم إلغاء شرط موافقة الزوج على السفر أو إصدار الجواز.
وحتى عام 2000 كان القانون المصري يشترط موافقة الزوج على سفر الزوجة، أو منحها جواز السفر طبقاً للمادتين 8و11 من القانون رقم 97 لسنة 1959
تُعلّق عزيزة الطويل على ذلك قائلة “إن المجتمع بعيد عن المساواة حتى داخل مؤسسات القضاء نفسها، فهناك مجلس الدولة الهيئة القضائية العريقة التي ترفض حتى يومنا هذا عمل النساء كقاضيات بداخله رغم مخالفة ذلك للدستور والقانون، إلا أنه يتمسك بفتاوى وقرارات جمعياته العمومية، وهو مثال حيّ على التمييز”.
وتُضيف “هناك إرث كبير من الرجعية في المجتمع، فخلال 12 عام من العمل في المحاماة وقفت أمام اثنان من القاضيات فقط، حتى بعد وصول المستشارة تهاني الجبالي للمحكمة الدستورية ورأينا أن ذلك تقدّم تم إخراجها منها حتى عادت المنظومة القضائية الدستورية المصرية إلى الخلو الكامل من السيدات، وكذلك الحال في النيابة العامة، لذا فمن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تشترط القوانين موافقة الأهل على العمل بالخارج، كذلك الكم الكبير من الشكاوى من رفض الفنادق حجز غرف للإناث، والتضييق الأمني على السفر داخل الدولة وطلب الاتصال بالأهل للتأكد من موافقتهم، وكأن الإناث ناقصات أهلية والجميع يحاول القيام بالدور الأبوي أو ولي الأمر، وهي أمور تحطّ من مكانة المرأة”.
أحمد العابدين