نسبة تزويج الطفلات في اليمن ترتفع إلى 66%: قصص من الداخل

تشير الأرقام حول اليمن النازف دمًا ومآسي إلى إزدياد الحالات الموثّقة للعنف القائم على النوع الإجتماعي بنسبة 70% في الخمسة الأشهر الأولى للحرب، شاملةً جرائم مثل الإغتصاب وغيره. وتعتبر ظاهرة تزويج الطفلات في البلاد ممارسة إجتماعية قديمة وعرف قبلي ديني سائد، وهي من الظواهر التي يمكن وصفها بالكارثة لما لها من أثار سلبية، حيث تحوّل حياة الفتاة إلى مصيدة للحزن، إلا أن مثل هذه الزيجات لا تزال تعقد في اليمن بشكل يومي وارتفعت نسبتها جرّاء الحرب إلى 66%.

تعتبر ظاهرة تزويج الطفلات في البلاد ممارسة إجتماعية قديمة وعرف قبلي ديني سائد

قصص من الداخل اليمني
تقول فكرية (أ. س) أنها كانت بعمر العشر سنوات لا تزال تلعب في حوش المنزل وتتنقل بين أزقة القرية ووديانها، حاملة دميتها الصغيرة، عندما سمعت بعودة رجل كان مغترباً في إحدى البلدان الأجنبية، “لم أدرك أن عودته هذه تشييع لأحلامي المخطوفة من خيالي، حيث منعت من الذهاب للمدرسة تمهيدا لزواجي، وخلال شهرين تم شراء كل ما يلزمني كـ”عروس” من ملابس فاخرهة ومجوهرات، لتبدأ بعدها تحضيرات الزفاف وأنا مازلت لا أدرك بأني العروس”. تصمت فكرية لبرهة ثم تتنهّد قائلة، “أدخلوني إلى غرفه نومي مع رجل يكبرني ب26 عامًا، حاول نزع الطرحة البيضاء من رأسي، خفت منه وحاولت الابتعاد والهروب، لكنه شدّني بقوة إلى فراش النوم، حينها أصابتني قشعريرة وكنت أبكي وأصرخ ماذا تفعل؟ ولحسن حظي تفاجأت بدخول والدته لتمنعه، فأخذت بيدي وأخرجتني معها في محاولة منها لتهدئتي، حيث قامت بتغيير ملابسي ناظرة إلى جسدي النحيل، ومن تلك الليلة وأنا أنام مع والدة زوجي في غرفتها. استمرّ هذا الوضع لمدة عامين حتى بلغت سن المحيض حيث قام بالدخول عليّ فعليا”.

أدخلوني إلى غرفه نومي مع رجل يكبرني ب26 عامًا، حاول نزع الطرحة البيضاء من رأسي، خفت منه وحاولت الابتعاد والهروب، لكنه شدّني بقوة إلى فراش النوم

أما سهام ( 13 عاماً) فحالتها أكثر مأساوية وتختصر قصتها بقولها “خلاص كل شي انتهى”. أجبرت ظروف الحرب الصعبة الدائرة في اليمن سهام على الزواج، فقد أثقلت الديون كاهل والدها ما جعله يقبل بتزويجها مقابل سداد إيجار المنزل المتراكم عليه. رفضت سهام الزواج رغم محاولاتهم إيهامها بأنه الرجل المثالي وسوف يوفّر لها كل ما تحتاجه، تقول: “دخلت عشّ الزوجية الملئ بالمعاناة ومعاملة زوجي القاسية ناهيك عن الأعباء المنزلية الملقاة على عاتقي، وبعد اربعة أشهر أدركت بأني حامل”. وتتابع سهام “أتت ساعة الولادة واحضروا القابلة القانونية إلى المنزل، إلاّ أن الولادة تعسّرت ولم تستطع القابلة فعل أي شي، لذا تم نقلي إلى المستشفى ولكن بعد فوات الأوان، فقد فارق الطفل الحياة بعد ساعة من الولادة وبسبب صغر سني وجسدي الذي لايقوى على الحمل، تمزّق رحمي أثناء الولادة ما اضّطر الطبيبي إلى إستئصاله كليًا”. تعود لتكرر “كل شي انتهى فبعد ولادتي بأشهر عدة إنفصل زوجي عني لأني لم أعد أستطع الإنجاب، فعدت إلى أسرتي مطلقة يائسة”. أما والد سهام فيبرّر إجبارها على الزواج بقوله: “رأيت فيه الرجل المثالي لإبنتي، وكل ما حدث لسهام لم يكن في الحسبان فهي ليست الفتاه الوحيدة التي تزوّجت بعمر صغير، لكن هذا نصيبها في الحياة وهذه مشيئة الله”.

يعلق د. ياسر الصلوي، دكتور علم الإجتماع بجامعة تعز، لموقع “شريكة ولكن” على أسباب إنتشار الظاهرة قائلاً: “أن السبب يعود لإنتشار ثقافة المجتمع الذي ينظر للمرأة باعتبارها عبئ يجب التخلص منه، ومع أول فرصة تلوح لرب الأسرة لا يتردد بتزويج إبنته، إضافةً إلى غياب التشريعات القانونية التي تحدّد سن قانوني للزواج وكذلك بعض التصوّرات والمبررات والاعتقادات الدينية، فهناك من يرى بأن لا ضير في تزويج الفتاة صغيرة، ويستدل في ذلك على زواج النبي عليه السلام من عائشة وهي صغيرة، فلا يراعى الفارق الزمني ولا الظرف والسياق”. كما لفت الصلوي في حديثه إلى حرمان الفتاة من حقها بإبداء رأيها في إختيار شريك حياتها مما يؤثّر بالتالي على العلاقات الزوجية.

هناك من يرى بأن لا ضير في تزويج الفتاة صغيرة، ويستدل في ذلك على زواج النبي عليه السلام من عائشة وهي صغيرة

الأضرار الناجمه من إنتشار الظاهرة
يقول د. عدنان القاضي، أستاذ الإرشاد النفسي ومدير مركز البحوث الإرشاد والبحوث النفسية، لموقعنا “أن الشخصية الانسانيهة متكاملة فأي ضرر على الجانب الجسدي والاجتماعي ينعكس سلبا على الجانب النفسي، حيث تظهر على الفتاه كثير من الضغوط النفسيه الأسرية في تربية الأبناء وأعباء الحياة في ظل الجهل بطريقة التعامل معها بإيحابية، كما قد تتطوّر إلى حالة من الهمّ الدائم والقلق أو الإكتئاب والعزلة والهروب من العالم الخارجي. وقد تصاب الفتاة نتيجة ذلك بالوسواس القهري إضافةً إلى الأرق وفقدان للشهية وربما الهيستيريا التحويلية والآلام الجسدية بدون أسباب عضوية وقد يصل الأمر إلى الفصام”.
في النهاية، تبقى الحقيقة الثابتة أن النساء اليمنيات يعانين جرّاء الحرب الدائرة من شتى أنواع العنف القانوني والمؤسسي والإجتماعي، ويتحمّلن عبء انعدام الأمن المتعدّدة الأبعاد، ويبقى الأمل في يوم يوضع فيه حدّ للنزاع المسلّح العابث بالبلاد ومعه للعنف الممارس بحقّهن في ظلّ جهود ومساعي يومية للنساء والمنظمات الحقوقية الناشطة في هذا المجال للحدّ من ظواهر العنف المختلفة ضدّ النساء والفتيات وعلى رأسها تزويج الطفلات.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد