حوكِمْن بسبب جنسية وشعر أشقر

تفرد إيلينا (37 سنة، روسية الجنسية) شعرها الأشقر الطويل، تطلب المزيد من القهوة وتبدأ سرد قصّتها: “كنت في السابعة عشرة يوم تعرّفت إلى الرجل الذي أصبح زوجي. كان في روسيا بلدي، يتعلّم ويعمل، وهكذا بدأت علاقتنا. لم يكن ممكناً بالنسبة إلى أهلي أن نتزوج ونذهب إلى بلده لبنان وأنا في هذه السن الصغيرة، لكنّ عنادي أقنعهم في النهاية”. تضيف: “تزوّجنا في روسيا لأنه أصرّ على ذلك، ثم توجّهنا إلى لبنان ونحن بقمة السعادة. لكن لم يخطر في بالي أنّه سيكون عليّ أن أسكن في بيت صغير مع أمه وأخته وأخيه وابن أخيه”.
تتوقف إيلينا قليلاً عن الكلام، تشرب بعض الماء، ترسم ضحكة حزينة على وجهها، وتضيف: “لم يخطر في بالي أيضاً أنه سيكون عليّ أن أكون خادمة الجميع في ذاك البيت. كنت أنظّف الغرف وأحضّر الطعام وأتحمّل الإهانات طوال اليوم، لأنني روسية وأستحقّ الإهانات والإذلال برأيهم. فهمت يوماً بعد يوم ماذا يعني أن تكون المرأة روسية في لبنان”. ثم تتابع: “اللبنانيون لا يتوقّعون أنّ هناك نساء روسيات لا يعملن في الملاهي الليلية ولا يبعن أجسادهنّ”.
أنجبت إيلينا طفلين جميلين، وكان ممنوعاً عليها أن تكلّمهما بلغتها الروسية، حتى “لا يأخذا من أمهما شيئاً”. زوجها عاد إلى روسيا بعد فترة قصيرة من زواجهما بحجة العمل، فيما بقيت هي في لبنان تتحمّل مرّ العيش مع عائلته.

كنت أنظّف الغرف وأحضّر الطعام وأتحمّل الإهانات طوال اليوم، لأنني روسية وأستحقّ الإهانات والإذلال برأيهم

“عرفت بعد مدّة أن زوجي على علاقة بفتاة أخرى في روسيا، لذلك كان يسافر طوال الوقت، ويرسل إلينا مالاً لا يكفينا لنعيش. عرفت أيضاً حقيقة خيانات زوجي المتكرّرة، وقال لي يوماً إنني لا أستحق أن يكون وفياً لي، وشتمني أنا وكل النساء الروسيات. قال “كلّكن بائعات هوى”.
تعقّدت الحياة كثيراً، ولم تعد الإهانات شفهية فقط، “انتقلنا إلى مرحلة الضرب. صرت مكسر عصا الجميع، لأنني برأيهم لا أستحق الاحترام”.
بعد سبع سنوات، قرّرت ايلينا أن تطلّق زوجها وتنهي هذا العذاب، لكنّ الطلاق كما تقول، كان أصعب من الحياة الزوجية كلها. “هدّدني بطفليّ، أراد أن يحرمني منهما. حاول اختراع قصص عنّي، حاول تركيب أفلام جنسية حتى يُثبت أنني امرأة سيئة، وحتى يُثبت وجهة نظره القائلة إن كل الروسيات على شاكلة واحدة”، تقول. في النهاية، قضت المحكمة الروحية بأن تحصل إيلينا على حق حضانة طفليها، إذ توضح: “لم يكن يريد الحضانة، لأنه لا يريد أن يتكبد مصاريف المدرسة والمأكل والملبس. كل ما أراده أن يهينني أمام الناس وأن يفهم الجميع أنني مجرد بائعة هوى. الآن أنا أعمل في محل للتجميل وتصفيف الشعر، أعمل من أجل طفليّ”. تردف: “سافرت إلى روسيا بعد طلاقنا، كانت المرة الأولى التي أزور أهلي مذ تزوجت، لأنه كان يمنعني بألف حجّة، ربما حتى لا أفضح خياناته”.
لا تختلف قصة لوسيا (43 سنة، أوكرانية الجنسية) عما عاشته إيلينا، فلوسيا أيضاً تحمّلت الذل والإهانات بسبب جنسيتها، وليس لأي سبب آخر. تقول: “من الصعب أن يُحاكم الإنسان طوال أيامه، بسبب ما لم تقترفه يداه”، ثم تتابع حديثها: “أنا مهندسة معمارية وتربيت في بيئة مثقفة وراقية. زوجي خدعني، أخبرني حين التقينا أنه رجل أعمال وثريّ، حتى يقنعني بالزواج منه، وحين وصلنا إلى لبنان أدركت أنه كذب عليّ. كان لا يملك أي شيء، بل مجرد سائق سيارة أجرة يستأجرها يومياً، فلا يبقى له من غلة أيامه سوى القليل”.
استمرّ زواج لوسيا عشر سنوات، أنجبت خلالها طفلاً واحداً، لا تراه الآن بعد طلاقها، إلا نادراً، تقول: “أبسط كلمة كان يقولها لي زوجي “أنت رخيصة”. احتجت إلى وقت طويل بعد انفصالنا حتى أحبّ نفسي من جديد، لأنه أمضى سنواتنا العشر يقنعني بأنني لا شيء، مجرّد شيء يملكه. لم أستطع أن أدافع عن نفسي في المحكمة، لقد خسرت كل شيء”. وتؤكد أنها “التقت بكثيرات يعانين من الذل ذاته، بسبب النظرة السيئة إلى كل امرأة أوكرانية أو روسية أو غير ذلك”، مضيفةً: “لدي صديقات كثيرات عشن معاناتي ذاتها”.

كثيرات يعانين من الذل ذاته بسبب النظرة السيئة إلى كل امرأة أوكرانية أو روسية 

احتل لبنان المرتبة الثانية في تصنيف الدول الأكثر عنصرية في العالم، وفق موقع”إنسايدر مونكي” الأميركي الذي جمع استطلاعين للرأي منفصلين، صنّف على أساسهما أكثر من 25 دولة عنصرية في العالم.واعتمدت النتائج على آراء أكثر من 85 ألف شخص من 61 بلداً بين عامي 2014 و2015. وأكد 36.3 في المئة من المستطلعين/ات في لبنان أنهم/هن لا يرغبون/بن في مجاورة أشخاص من أعراق أخرى، بينما قال 64.5 في المئة منهم/هن إنهم/هن شهدوا/دن حوادث عنصرية.
وهكذا لم تفلح الاتفاقات الدولية والدساتير المناهضة للعنصرية في شفاء مجتمعنا، الذي يستمرّ في الإساءة إلى كل “مختلف” من حيث الدين أو العرق أو الجنس أو الجنسية، أو حتى لون الشعر، فكما تقول إيلينا: “هناك من يحاكم النساء لأن شعرهن أشقر، أو لأنّ بشرتهنّ سوداء. سيجدون دائماً طريقة للإدانة”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد