أمنيات نساء عربيّات للعام 2019

كتبت: رشا حلوة

 

قبل أن أبدأ بكتابة المقال، كان عليّ أن أعود لقراءة المقال الذي كتبته العام الماضي، في نفس التوقيت، والذي حمل أمنيات بعض النساء العربيات للعام الجديد، الذي يمضي الآن. كنت قد تحدثت عندها مع نساء من بلاد عربية متنوعة، عن أمنياتهن الخاصّة وتلك العامّة المتعلقة بالواقع الاجتماعي والجندري الذي تعيشه المرأة… وبعد قراءتي للأمنيات، ومع “فلاش باك” سريع ومؤلم للعام الماضي، بإمكاننا الاستنتاج، وللأسف، أن للأمنيات أن تتكرر وبصوتٍ عالٍ مع كلّ عامٍ جديد، في واقع ما زال فيه النساء تُعنّف، تُقمع، تُغتصب وتُقتل بشتّى الوسائل، تلك التي تُمارس على النَفس وكما على أجسادهن.

في تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والذي نُشر في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر2018 بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تم الإشارة إلى أن النساء تُواجه الخطر الأكبر (على أنفسهن وحيواتهن) داخل البيوت؛ أكثر الفضاءات التي من المفترض أن تكون آمنة بالنسبة لهن، وذلك بسبب ما تتعرض له النساء من تعنيف داخل الأسر… وبالتالي، يمكن لنا أن نتخيّل حجم العنف الذي تتعرض له النساء بين جدران بيوتها، بلا أن نعرف عنها أي شيء.

كان العام الماضي، مثل الأعوام السابقة الأخيرة، قاسيًا على المرأة عامّة والمرأة العربية على وجه الخصوص، حيث لا يمكن أن نفصل الانهيارات، المآسي والهزائم التي تحدث يوميًا في المنطقة، من دمار وحروب ومجاعات، عن ازدياد العنف ضد النساء، قمعهن والحدّ من حرياتهن المتنوعة. بالضرورة هناك سياقات عديدة لمعاناة النساء في كل مكان، وعلى الرغم من اختلاف الأوجاع والمآسي التي تُعاني منها النساء، إلّا أنه من الضروري دائمًا أن نذكر أنفسنا بأن المنافسة بالألم، هي ألم آخر وحسرة، وأن لكل امرأة الحق بأن تصنّف تفاصيل في واقعها كمعاناة؛ إن منع المرأة من حقها باختيار شريك حياتها، أو ما تسوّقه الميديا من “شكل المثالي لجسد المرأة”، هو قمع أيضًا، ولا يقل أهمية عن أشكال قمع أخرى، ويحتاج لنفس الاهتمام أيضًا.

إن منع المرأة من حقها باختيار شريك حياتها، أو ما تسوّقه الميديا من “شكل المثالي لجسد المرأة”، هو قمع أيضًا، ولا يقل أهمية عن أشكال قمع أخرى، ويحتاج لنفس الاهتمام أيضًا

امتدادًا لهذا، وفي حديث مع ناريمان (31 عامًا) حول أمنيتها للعامّ الجديد، قالت: “أتمنى أن تُغلق محلات ملابس الـ one size، وكل دكان ملابس لا يعمل أي حساب للنساء أصحاب مقاسات الـ 44+، وكذلك مصانع الأحذية التي تفصّل النعال دون تفكير بمن رجلها عريضة. على فكرة، هذا نوع من أنواع العنصرية ضد النساء اللواتي لا يلائمن مقاسات الميديا، وهي نوع من أنواع العنف النفسي”.

قبل أيام، ومع استماعي لحادث مقتل امرأة من بلدي على يد زوجها، جلست لبعض الوقت أتساءل عن جدوى كل ما نفعله؟ خاصّة نحن النساء اللواتي نحارب كل يوم، بشتى الطرق، لتحقيق المساواة والحرية في حيواتنا، باختلافها وتنوعها. أخافني هذا السؤال، وأخافني شعور اللا جدوى الذي يمكن أن ينتصر أحيانًا على النفوس، فقط لأننا بشر أيضًا (أمر يجب أن نذكره كل يوم لعدد كبير من حاملي العقليات الذكورية على ظهورهم)، ولا يمكن أن نكون بطلات كل الوقت؛ لأننا نتعب، ونصاب بخيبات الأمل من أقرب الناس علينا، وكذلك بالخوف.

من خلال عملي، ألتقي وأتحدث مع عدد كبير من النساء، منهن صديقات، ومع الوقت والعُمر، تُصبح محادثاتنا باختيار المواضيع الأقرب إلى قلوبنا، وما يأخذ حيزًا وجوديًا من تفكيرنا. مع كل حادثة عنف تتعرض له امرأة في المنطقة، تعلو الأسئلة من جديد حول ما يمكن أن نفعله؟ هل يمكن بالفعل إنقاذ امرأة واحدة من القتل وما تتعرض له من أنواع عنفٍ؟ هل يمكن إنقاذ أنفسنا؟ هل يمكن أن نمنع امرأة من أن تخاف؟ أو هل يمكن أن نمنع أنفسنا من الخوف؟

كثيرون بيننا قرروا اللجوء إلى مكان آخر، لأننا أردن أن يشعرن أقل بالخوف. عندما سألت صديقتي فاتن عن أمنيتها للعامّ الجديد، قالت: “أتمنى لنساء المنطقة وبناتها جوازات سفر فنلندية”، وكانت فاتن تقصد بأن يكن للنساء إمكانيات أسهل بالحركة والسفر والهروب أيضًا، عندما تتوسع أشكال القمع تجاههن، من كافة النواحي. نعم، نعرف أن “الهروب” ليس حلًا، لكن، ليكن حلًا مؤقتًا لمن يستطعن ذلك، الهروب من سكاكين مجازية وتلك حقيقية توضع على رقابهن. في حديث مع هند (42 عامًا)، حول أمنيتها للعام الجديد، قالت: “أتمنى لنفسي الحرية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حرية الخروج من المنزل وقتما أريد، حرية اختيار الأصدقاء، حرية الغضب والتعبير عنه كيفما يستعدي أي موقف، الحرية وفقط. أما لنساء العالم العربي، فأتمنى أن يشعرن بالأمان أكثر”.

مع كل حادث عنف ضد امرأة، وبالأساس حوادث القتل التي تحمل الثقل الأكبر على قلوبنا، تعود بعض النساء والنشاطات النسويات بالتذكير بأهمية مواجهة تفاصيل القمع والتعنيف “الصغيرة” التي تُمارس على المرأة، لأن مع مرور الوقت، سيؤثر “قبول” هذه التفاصيل بالضرورة على قبول مواصلة قمع النساء، بل واعطائه مبررات في أحيانٍ كثيرة! بمعنى، قبول الحديث عن فتاة عادت إلى البيت متأخرة، وإطلاق الأحكام عليها، ومنحها أوصاف “سيئة” حسب معايير المجتمع، وفي كثير من الأحيان على ألسنة نساء أيضًا، وعدم التحلي بالمسؤولية وإيقاف هذه الأحاديث، هو فتح طريق قبول لقمع هذه المرأة على يد أقرب الناس إليها! فكم من مرة سمعنا السؤال البشع الذي رافق مقتل امرأة: “شو كاينة تعمل هناك بهيك ساعة؟”.

مع كل حادث عنف ضد امرأة، وبالأساس حوادث القتل التي تحمل الثقل الأكبر على قلوبنا، تعود بعض النساء والنشاطات النسويات بالتذكير بأهمية مواجهة تفاصيل القمع والتعنيف

أن تتسع الأعوام الجديدة للمزيد من الحرية للنساء، هو مسؤوليتنا جميعًا، تلك التي تبدأ بتفاصيل حيواتنا الصغيرة، في بيوتنا وعلاقتنا مع أصدقائنا وشركائنا في الحبّ. بالنسبة لدانا (26 عامًا)، وهي عاملة في مجال الأتمتة التكنولوجية لأنظمة المختبرات الطبية، عن أمنيتها للعامّ الجديد، قالت: “أتمنى أن يتوقف زملائي الذكور عن مقاطعتي كلما تحدثت، وأن يقتنعوا بالحلول التي أطرحها دون اضطراري لأن أعيدها عشرات المرات، في الوقت الذي يستمعون لنفس الاقتراح لو أتى من زميل ذكر. أمّا أخيرًا، فأتمنى أن يتوقف الرجال عن قول “إنت كثير أحلى وألذ من إنك تشتغلي في هيك مجال” معتقدين بأن تلك طريقة لمغازلتي!”.

بالطبع، كل ما نفعله وتم فعله، لا يمكن أن يحمي كل النساء، بالكاد يمكن أن يحمينا كلنا. لكني سأبقى دائمًا مبهورة – إيجابًا- بالقوة التي تحملها النساء في قلوبهن لتحقيق ما تشاء، ولتمشي في مسارات الحياة التي تُريدها. هذه القوة المجبولة بالخوف أيضًا، هذا الخوف الشرعي الذي يدرك الواقع، لكنه يحملنا دومًا إلى محاولات جعله أفضل. شخصيًا، مثل نساء كثيرات، خاصة اللواتي لا أعرف عنهن شيئًا، ولم تخطر معاناتهن على بالي يوميًا، أمنيتي هي خوف أقل وحرية أكثر، حتّى حرية بأن نخاف وقتما نشاء، بلا أوسمة بطولة علينا أن نحملها كل يوم.. لأننا بشر أوّلًا.

المصدر: موقع dw

تصوير: حسين بيضون

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد