الحجاب والنقاب من الدين إلى الإجبار المجتمعي في مصر

في السبعينيات ومع تزايد خروج المصريين للعمل في البلاد العربية ” الخليج” ظهر ” البونيه” الذي منه ما يغطي الشعر بأكمله، ومنه ما يظهر أجزاء منه، كانت تلك البداية الحقيقة لتظاعف ظاهرة إرتداء الحجاب في مصر، ومع مرور الوقت، أصبح الحجاب جزءاً أصيلاً من المجتمع المصري بمختلف طبقاته، وخصوصاً مع اجتياح الوهابية لمصر، وظهور بعض أنماط التشدّد الديني، وأصبح الحجاب مظهر وعرفاً مجتمعياً غير مرتبط بأمر الدين من عدمه.علمًا أن ظاهرة وضع المرأة المصرية للنقاب، تلك القطعة القماشية التي تغطى الوجه ولا تظهر منه سوى العينين فقطـ، فقد بدأت فى بداية القرن التاسع عشر، حيث كانت النساء يغطين وجوههن واضعات البرقع، وفي واقعة مشهورة قامت السيدة هدى شعراوي برفع البرقع في تظاهرة نسائية كاشفةً وجهها.ومع مرور السنوات اتّجه عدد كبير من الرجال على إجبار زوجاتهن وبناتهن على إرتداء النقاب الذي في غالب الأمر يكون ” أسود اللون” تصحبه ” عباءة سوداء.”

العصا لمن عصا:
في خلال السنوات القليلة الماضية، وبالأخص مع اندلاع ثورة يناير عام 2011، اتّجهت بعض الفتيات والنساء في مصر لخلع الحجاب، والبعض الأخر منهن رفض فرض النقاب عليهن بالقوة، الأمر الذي تسبّب في إيقاع الإيذاء عليهن من قبل الأسرة، ففي بعض الحالات، تمّ مواجهة الأمر بالضرب المبرح، وحالات أخرى وصلت إلى حد الحبس في المنزل، وحالات لجأت الفتيات فيها إلى حيلة أخرى وهي ارتداء الحجاب أو النقاب أمام الأسرة وخلعه عقب الخروج من المنزل، وحالات وصلت إلى الانفصال المجتمعي بين الأسرة وصاحبة القرار.
بين هذا وذاك، نرصد بعض حالات الصراع التي دارت بين فتيات وأسرهن من أجل الحصول على حرية الاختيار ، خصوصا أنهن بلغن عمرا يسمح لهن بتحمّل نتيحة اختيارهن.

منهن رفض فرض النقاب عليهن بالقوة، الأمر الذي تسبّب في إيقاع الإيذاء عليهن من قبل الأسرة

ياسمين ” ضرب مبرح” بسبب الحجاب:
ياسمين سعد فتاة عشرينية، ارتدت الحجاب وهي طفلة ذات الــ13 عامًا، بعدما رأت الأسرة إنه يستلزم عليها ارتداء الحجاب لتغطية جمالها بالرغم من عدم بلوغها، هكذا بدأت ياسمين حكايتها، حيث قالت” ارتديت الحجاب ليس من منطلق ديني، ولكن من منطلق اجتماعي وهو انني وصلت للسن الذي من المفترض ان ارتدي فيه الحجاب بقرار من أسرتي المكونة من أمي وأخوين”.
تابعت ياسمين حكايتها قائلة:” بالفعل انصعت لأمر الأسرة وارتديت الحجاب، ومع مرور الوقت، بعدما أتممت ال16 من عمري، بدأت اعترض على مظهر لبسي، حيث كنت ممنوعة من ارتداء البنطال، الأمر الذي واجهته واستطعت أن اتغلب عليه بالفعل”.
وأضافت:”لاحقًا عرضت عليهم رفضي للحجاب، الأمر الذي قوبل بالممانعة بشدة، لكني مع الوقت قررت أن أفعل ما أريده، فكنت أرتدي الحجاب أمام الأسرة، وعقب خروجي من المنزل اخلعه، حتى علمت أمي بالأمر، تعرّضت حينها لأبشع أنواع الانتهاكات، حيت تناوبت الأسرة المكونة من ثلاثة أفراد على ضربي لمدة تجاوزت ال12 ساعة متواصلة ومن ثم تم حبسي بالمنزل ومنعت من الخروج لمدة شهور، إلا برفقة أخي”.
تابعت:” تركت المنزل وهربت، لكنهم استطاعوا أن يصلوا إلي وأجبروني على العودة معهم إلى المنزل، وفي يوم قررت أن أهددهم بالانتحار أو إبلاغ الشرطة في حالة اذا تعرض لي أحد، حتى وصلت إلى ما أردته وهو أن ارتدي الحجاب في منطقة السكن وأمام الأسرة والعائلة، وأن أخلعه عقب خروجي من المنزل”.

كنت أرتدي الحجاب أمام الأسرة، وعقب خروجي من المنزل اخلعه

ارتديت النقاب وأنا في مرحلة التعليم الأساسي:
شيماء فكري ارتدت النقاب وهي في مرحلة التعليم الأساسي، وسبق ذلك ارتداء للحجاب وهي تبلغ من العمر ما يقرب الخمسة أعوام، كان ذلك بأمر والدها الذي أرغم والدتها ايضاً بالنقاب عقب زواجهما مباشرة عام 1984.
تروي شيماء قصتها قائلة :”نشأت في عائلة تجبر النساء فيها على إرتداء النقاب من الطفولة، عقب انتقالنا للعيش في السعودية حيث عمل والدي، رفضت ارتداء النقاب لكن الأمر كان يقابل بالتشدّد والتأكيد على أنه في السعودية كل الفتيات منتقبات، ومع مرور الوقت بدأت أرفض خروجي من المنزل بسبب عدم رغبتي في ارتداء النقاب”.
تستكمل شيماء قصتها قائلة: “ظللت على هذا الأمر، حتى جاءت سنوات دراستي في الجامعة وقررت العودة إلى مصر، ومن هنا قررت أن اخلع النقاب من وراء أسرتي على أن ارتديه أمامهم حتى لا يعلمون بأنني خلعته، لكنهم كشفوا أمري وساومني ما بين ان أكمل ستكمال دراستي أو أخلع النقاب، وفي كل الأحول لن يسمح بخلعي للنقاب، الأمر الذي واجهته وقررت أن انتقل للعيش مع جدتي في مصر واترك السعودية، واعمل حتى استطيع أن أصرف على نفسي في مقابل حرية الاختيار”.
أضافت شيماء :”مع الوقت وبعد سنوات انفصلت فيه عن أسرتي، استطعت أن انتصر لرغبتي في خلع النقاب ومازلت أعيش مع جدتي بمصر، وعلاقتي بالأسرة بدأت تتحسن نسبياً بعد أن انقطعت لسنوات”.
الأمر في المدن مختلفاً عنه في الأقاليم:
رأت الناشطة النسوية إلهام عيداروس في حديث لموقع “شريكة ولكن”، أن إجبار بعض الفتيات على إرتداء الحجاب أو النقاب يختلف من منطقة إلى أخرى وبالأخص من بين المدن إلى الأقاليم، وأشارت الى ان المدن شهدت طفرة في رفض الفتيات إجبارهن على التحجب او ارتداء النقاب عقب ثورة يناير، وأردفت أن الفتيات يرتدون الحجاب بفرض من قبل الأهل في سن صغير وفقا للعادات والتقاليد، وعندما تقرر خلعه تواجه الكثير من الازمات تصل الى حد الانتهاكات احياناً.
كما رأت ان النقاب في المجتمع المصري يفرض في الأغلب من الزوج وليس الأب، نظراً لإحساسه بالسلطة الأبوية التي يعطيها له المجتمع، فيرى أن في وجه زوجته عورة لابد أن تغطيها.
وأضافت عيداروس أن هناك هاشتاغ انتشر منذ الفترة الماضية يرفض اجبار الفتيات في المدارس على ارتداء الحجاب، نظراً لتصرفات بعض المدرسين والمدرسات التي تتضمن تميزاً بين الطالبات المحجبات عن غيرهن.

ان النقاب في المجتمع المصري يفرض في الأغلب من الزوج وليس الأب، نظراً لإحساسه بالسلطة الأبوية التي يعطيها له المجتمع

مشروع قانون لحظر النقاب لم يكتمل بعد:
مؤخراً تسبب النقاب في حالة من الجدال المجتمعي من الوقت للأخر، بدأت بعد أحداث 30 يونيو/حزيران، وقد تعالت بعض الأصوات الرافضة لتغطية المرأة لوجهها من خلال النقاب.
ذلك الجدال الذي أخذ عدة مراحل بدأت من إجبار شيخ الأزهر لكشف فتاة عن وجهها أثناء مروره في أحد المدارس التابعة للأزهر،والتي على أثرها تم منع النقاب داخل المدارس التابعة للأزهر للطالبات والمدرسات، ووقف ذلك الجدال عند محطة مشروع قانون لحظر النقاب في الأماكن العامة، الأمر الذي لم يكتمل بعد بسبب حالة الجدال المجتمعي التي تسبب فيها مشروع هذا القانون، نظراً لوجود عدد كبير من السيدات ترتدن النقاب.
من جانبها علقت عضو مجلس النواب، غادة عجمي، “بإنها تقدمت بمشروع القانون من وجهة نظر اجتماعية وأمنية فقط ولم تنسق مع الأزهر فالأمر دينياً لم تدرسه وانما تركته لأهل الدين، وأضافت أن الأمر يتعلق بالأمن القومي أكثر من الشأن الديني هذا ما دفعني لتقديم المشروع”.
الأراء الفقهية تختلف في هذا الأمر، لكن مع ظهور مشروع القانون، تحدث الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، في مقطع مصور نشره الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية قبل نحو عام، أكد فيه على أنالزي الشرعي المطلب ومن المرأة المسلمية التي ترغب في الإلتزام “الذي الذي يستر الجسم كله ما عدا الوجه والكفين”.
كما أكد عثمان خلال المقطع المصور على أن النقاب “عادة عربية وليس فرضًا على المرأة”، مشيرا إلى أن فقهاء قالوا إنه واجب، لكن المُفتَى به من جانب دار الإفتاء المصرية أنه “عادة وليس واجبًا ولا تأثم المرأة على عدم ارتدائه”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد