بولا يعقوبيان: الكوتا الجندرية ومنع تزويج الطفلات من أولوياتي

يعيش اللبناني في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها إبادة في حقّه، والفساد يطال كل الاتجاهات، أمّا وضع المرأة فيرثى له، ولكن لم ولن ينفع الرثاء، لا سيما أنّ هناك إضاءات في أكثر من مجال، وهناك مَن يـ/تحاول بثّ الوعي في النفوس للنهوض بالمجتمع ككل بعيدًا من كل توصيف يحطّ من قدر المرأة ومن كل تحجيم أو تنمّر تتعرّض له، ولكن …
هذه المواضيع هي بعض آراء النائبة بولا يعقوبيان وإليكم/نّ تفاصيل الحوار…

– تعرضت إلى تمييز جندري حين كنت في مجال الإعلام واليوم وأنت نائبة في البرلمان، كيف تواجهين هذه الآفة؟
التمييز الجندري موجود على كل الصعد وفي كل المجالات والمهن، وفي السياسة نسبة التمييز أكبر، فكلما اقتربنا من موقع صنع القرار أو إلى موقع أقوى تزداد النسبة للأسف لأن هناك ذهنية ذكورية ومجتمع بطريركي مسيطر ومستمر، ونشهد تبعاته كل يوم.
في المجلس النيابي لا أسكت عن حقي أيًّا كان من يواجهني، ولا أمرر أي قضية من هذا النوع، ليس فقط إن كان الموضوع يخصني شخصيًا، لأنّني أعتبر أن من حق كل سيّدة وكل فتاة صغيرة لم تكبر بعد أن تجد من يقف إلى جانبها، ليصدّ المتنمّر وليشرح له الحدود التي من غير المسموح تجاوزها، وهذا جزء مهم وأساسي من العمل في مجال حقوق المرأة وتمكينها والمساواة. تقدّمت باقتراح قانون لرفع تحفظات لبنان عن اتفاقية “سيداو” ـ التي تتحدّث عن المساواة بين المرأة والرجل ـ وكان أن قالت لي نائبة حقوقية إنّ هذه الاتفاقية تشكل خطورة في هذه المساواة، مشدّدة على كلمة خطورة، ماذا يمكننا القول إذا كانت امرأة تقول هذا الكلام؟
ما زلنا متخلفين عن ركب الحضارة مدة سنوات ضوئية، ولا يوجد اعتدال ولا مساواة ولا حق إلا بتحرر حقيقي للمرأة وأن يؤدي التحرر إلى مساواة. دون تحرر لا مساواة، ولا داعي لأن نكذب على بعضنا البعض.

كلما اقتربنا من موقع صنع القرار أو إلى موقع أقوى تزداد نسبة التمييز للأسف لأن هناك ذهنية ذكورية

– هل وجودك في السلطة يبدّل في كيفية تعاطيك مع التمييز؟
– ازدادت وكبرت المسؤولية أكثر، لم يعتد النواب والوزراء على التعاطي مع سيدات يناقشن ويتحدّثن في شتى المواضيع ولديهن آراء في كثير من المسائل. عملت السيدات غالبًا في قضايا نسويّة، مثال لجنة المرأة أو الطفل أو الأسرة أو البيئة، والصحة والتربية كحدٍ أقصى. أما أنا فأدخل في عمق السياسة في مسائل يعتبرها الذكور ملعبهم لذلك هي تجربة جديدة عليهم. أتعاطى بالسياسة كفرد عادي دون تمييز، فالشؤون مترابطة ولها علاقة ببعضها البعض، وتركيزي على البيئة لأنها في وضعٍ مزرٍ وليس من منطلق كوني سيّدة. علينا أن نعمل أولاً في مجال البيئة رجالاً ونساءً لأننا بتنا بلا صحة ولا حياة، ما نعيشه اليوم هو إبادة في حقنا كلبنانيين بسبب التدهور البيئي الذي سبّبه الفساد.

– في مجتمع ذكوري بامتياز كيف نستطيع تقليص رقعة التمييز؟ وهل نشر الوعي سيكون كافيًا لتشريع قوانين جديدة أم علينا خوض معارك قاسية؟
جزء من محاولة تقليص رقعة التمييز هي طريقة تصرفي مع بعض الذكور، هناك مَن يتصرّف باحترام، وهناك من لا يقللون من احترام المرأة لكنهم بلاوعيهم يتصرفون بفوقية معها. نتحدث دومًا عن التمكين وكأنه خاص بالمرأة في حين أنه يجب تمكين الرجل ليفهم معنى المساواة وضرورة أن يكون مشاركًا بإعطاء المرأة حقوقها كاملة لأنه بذلك يكون رجلاً بالفعل ومتنوّرًا وحضاريًا وراقيًا، إذا كانت المرأة في مكانة أدنى منه لا يجب على الرجل أن يعتبر ذلك تفوقًا له، بل على العكس، المتفوّق في عقله هو مَن يرفع المرأة ويسهم في رفعها مع كل النضال النسوي المستمرّ في لبنان والذي لا يزال طويلاً.
شاركت في جلسة حول تزويج القاصرين والقاصرات، وأجد أن الظلم يقع على الفتاة القاصر بصورة أكبر من الفتى لأنها تحمل، والفتى يعتقد أنه تزوّج من “عبدة” له، يمارس سطوة أو قوة ما عليها، هذا موضوع يظلم الفتيات بصورة كبيرة ويطال الفئات المهمشة والفقراء، نجد أن هناك مواضيع نحتاج إلى وقت وجهد لنشرحها وننشر الوعي حولها وأهمية أن يتدخل البرلمان والقانون لحماية هذه الفئات، لأن الأهل غير قادرين على الحماية لا بل أحيانًا هم السبب المباشر في التخلص من الفتاة فيقومون ببيعها وتزويجها، وتعود إليهم مع أعباء إضافية وأطفال ومشاكل. نحن بحاجة لعمل دؤوب للتخلص من هذه الذهنيات.

نتحدث دومًا عن التمكين وكأنه خاص بالمرأة في حين أنه يجب تمكين الرجل ليفهم معنى المساواة

– هل اعتماد الكوتا النسائية في المجلس النيابي مدخل نحو عدم التمييز أو إذعان للواقع الحزبي والطائفي والذكوري؟
أنا من الأشخاص المصرّين على الكوتا، لكنني لا أقبل بالكوتا النسائية بل أريد كوتا جندرية. لا أقبل برؤية 3 رئيسات سيدات أو 30 وزيرة أو 128 نائبة وأن يكون الرجال متفرجين على السيدات وهن يحكمن البلد، لا أقبل بهذا المشهد. المشاركة هي المطلوبة، ولنصل إلى هذه المشاركة يجب اعتماد الكوتا الجندرية لمرحلتين انتخابيتين أو ثلاث ضروري جدًا، إذ من الواضح أن المرأة لا تصل إلى السلطة إلا من خلال هذه الطريقة وفي حال وصلت بأعداد قليلة فهي تصل لأن الزعيم يريد أن يظهر انفتاحه ويريد إعطاء المرأة وجودًا أو مكانة ما، وإذا كان الموضوع لا يوافق مزاج الزعيم لا نرى نساء على اللوائح الانتخابية أو في المجلس النيابي. نسمع أحيانًا بأنه يجب على المرأة أن تصوّت للمرأة في حين أن البلد قائم على تغذية الخوف والمذهبية والطائفية، وهنا لا أستطيع خلق حساسية ما لدفع الناس للتصويت للمرأة لأجل أجندات مختلفة عن الأجندات المذهبية التي تقوي الزعيم مهما كان رأيه وإذا اختار نساء أو لم يخترهن.
لذلك علينا فرض الكوتا إلى أن يصبح لدينا عمى ألوان جندري، ونكون قادرين على الانتخاب بحسب الكفاءة لا غير وحتى نشهد أن الوراثة السياسية هي للفتاة إذا كانت أكفأ من أخيها. الكوتا هي حصة مسبقة ضرورية وهي تصحيح لخطأ تارخي كان يمارس على الأنثى حين كان الصبي يتلقى علومه وهي تبقى في المنزل، وهو يأخذ كامل حريته وهي يقال لها “عيب والشرف ولا يمكنك وانتظري العريس ومملكتك المطبخ”. تحتم عليّ كل هذه الأسباب أن أمنح المرأة تمييزً إيجابيًا لتلحق بالرجل بسبب التمييز السلبي المستمر بحقها.

لا أقبل بالكوتا النسائية بل أريد كوتا جندرية. 

– ما هي أولوياتك في القضايا المتعلّقة بالمرأة؟
الأولويات كثيرة فيما يتعلق بالمرأة، ولكن بما أنني تأثرت بما قام به التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني بموضوع تزويج الطفلات، أجد أنه من الضروري جدًا إقرار قانون يمنع تزويجهن، وعندها نكون قد كسرنا فكرة العودة إلى المحاكم الشرعية والروحية والدين، هذه مسألة يفترض أن تكون في يد البرلمان، وهو سيد نفسه وهو أعلى السلطات كونه مؤلف من الهيئة المنتخبة التي تسن القوانين، ويمكن للمجلس النيابي فعل ما يريد. لا يجب أن يقبل المجلس النيابي أن ينتزع منه حق حماية فئة مهمة ومهمشة من اللبنانيين الفقراء الذين يضطرون إلى بيع بناتهم بعقد زواج لأسباب اقتصادية واجتماعية، لذلك أجدها من الأولويات.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد