سمر أبو خليل : كلما شعر المجتمع الذكوري بتفوّق المرأة يزداد تعصّبًا

يعتقد البعض أنّ عالم السياسة والحوار السياسي حكر على عالم الذكور، وتبقى المعادلة المعرفة والكفاءة وتطوير الشخصية هي الأساس… الإعلامية سمر أبو خليل حفرت مكانتها في عالم الإعلام السياسي بمناقبيتها وعملها الدؤوب على تطوير ذاتها المهنية… ولكن ماذا عن المفاهيم المتعلقة بالتمييز الجندري؟ كان لموقع “شريكة ولكن” هذه المقابلة الخاصّة غير التفاعلية والمعتمدة على مجموعة من الأسئلة والإجابات مع أبو خليل…

ـ هل تعرضت للظلم اجتماعيًا ومهنياً بسبب التمييز الجندري؟
تعرّضت للظلم بالطبع وهو أمر طبيعيّ، للأسف. لن أكابر وأقول إنني لا أتعرّض للظلم لأنني أفرض شخصيتي. بما أننا نعيش في بلد يصنّف ضمن بلدان العالم الثالث فحكمًا سنتعرّض للتمييز اجتماعيًا ومهنيًا. على الصعيد الاجتماعي، يبدأ التمييز من البيت منذ بداية تربية الأهل لنا، يفهمنا الأهل أنّ هناك فتاة وصبي ويحقّ للصبي أكثر مما يحق للفتاة في أبسط الأمور، من اللباس والألعاب وحتى الطعام…
على سبيل المثال كنت أحب اللعب بالـ”كلل” وكانت عائلتي تمنعني لأن اللعبة “صبيانية” برأيهم، كنت شقية في طفولتي أحب تسلّق الأشجار وعواميد الكهرباء، وكان يُقال لي: “ممنوع… أنت فتاة”… كنت أحب أيضًا لعبة البلياردو وكان الناس يقولون لأبي “إذهب وأحضر ابنتك من المقهى”، وكان أبي يصرخ في وجهي “أنت فتاة”. هناك ممنوعات فقط لأنك فتاة.
هذه تربية تؤثر كثيرًا على أي فتاة، تكبرين في المجتمع على أساس أنّ الفتاة تختلف عن الصبي. عشت هذا التمييز لكن ضمن وتيرة أخف بكثير من غيري، إذ أنّ أهلي كانوا يتمتعون بالوعي فلم يكن التمييز كبيراً ولكنني شعرت به. لكن عندما انخرطت في المجتمع صدمت بالتمييز لأنني لم أتوقعه بهذا الحجم وبهذه السيطرة على المجتمع، علمًا أنّ نسبة الإناث في مجتمعاتنا أكبر بكثير من نسبة الذكور، ولا أدري إن كانت الأكثرية تشعر أنّ التمييز الجندري يؤثر في كل النواحي اجتماعيًا واقتصاديًا وتربويًا ومهنيًا.
التمييز موجود للأسف، وفي بعض الأحيان ترتفع وتيرته، فكلما شعر هذا المجتمع الذكوري أنّ المرأة تبدأ بالتفوق يزداد تعصّبًا. نحن في القرن الحادي والعشرين وما زلنا ننقاش هذه المواضيع، لكن ذلك مردّه إلى طريقة التربية وطريقة إدارة المجتمعات.
على الصعيد المهني هناك تمييز لأن مكان العمل هو جزء من المنظومة الاجتماعية في لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السلطة. نشعر بالتمييز في مهنة الإعلام بأبسط الأمور، يفضّل البعض المراسلين لا المراسلات لتغطية بعض المواضيع المرتبطة بالحروب والمخاطر والتي تحتاج إلى شدّة وقوة. إذا كانت هناك مشكلة في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين يفضلون الذكور على الإناث، ويقول المسؤولون هذا أفضل، مع العلم أن العمل لا يختلف بين الذكر والأنثى، ولكنهم يعتقدون أن الخوف صفة ملازمة للإناث أكثر من الذكور، وهذا غير صحيح.

على الصعيد المهني هناك تمييز لأن مكان العمل هو جزء من المنظومة الاجتماعية في لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السلطة

ـ ما هي الأسباب الكامنة وراء عدم تبوء النساء مراكز قيادية في الإعلام بعيدًا من الوراثة … رئيسة مجلس إدارة… مديرة تحرير صحيفة؟
تتبوأ المرأة مراكز قيادية في قناة “الجديد” سواء بالنسبة إلى الزميلة كرمى الخياط – نائب رئيس مجلس الإدارة – ونائب مديرة الأخبار. مع أن كرمى هي ابنة رئيس محلس الإدارة تحسين الخياط فهي دعّمت عامل الوراثة بالعلم والدراسة الأكاديمية التي لها علاقة بمهنة الإعلام وسلّحت نفسها بالعلم والتجربة، ولم تكتف بكونها وريثة التلفزيون. ماذا تفعل المرأة في حال وجود عامل الوراثة؟ هل ترمي بإرثها أو تدعّمه بالدراسة إذا كانت ترغب بذلك؟ لدينا أيضاً مديرة للأخبار هي مريم البسام ومنصب إدارة البرامج تتولاه امرأة أيضًا ونائبة المدير العام كذلك. هذا على صعيد “الجديد”، في المحطات الأخرى تتبوأ النساء مجموعة من المراكز الإدارية لكن أعلى المراكز الإدارية الموكلة للنساء موجودة في قناة “الجديد” بالتحديد. في هذه الحال أيضًا لا أعرف إذا كان السبب هو التمييز الجندري أو فكرة “هكذا تمت التركيبة” وما زالت تسير الأمور على هذا المنوال. وفي لبنان ليس سهلاً إزاحة مدير أو مسؤول، فمن الممكن أن يعمّر في منصبه وأن يورّث منصبه لولد الولد إلا إذا أراد الحزب الفلاني أو المموّل لهذه المحطة أو لمَن تعود ملكية المحطة. هل من الممكن أن تكون فكرة “نعم إلى الأبد” هي السبب؟ لا أعرف بالضبط والأسباب مفتوحة على كل الاحتمالات.
بالنسبة إلى الصحف، على سبيل المثال تبوء نايلة تويني منصبها في “النهار” وإلهام فريحة في دار “الصياد” ناجم عن عامل الوراثة، هناك مؤسسة عائلية وكأنها “بيزنس” يلزم الورثة إكمال الطريق. أعتقد أنه لو كان نايلة تويني أخ لاستلم الدفة لأنه رجل. وكما استلم جبران تويني عن غسان، هذه التراتبية موجودة في هذا البلد. لست ضد عملية الوراثة شرط أن تدعّم بالعلم والكفاءة.

أنا ضدّ الكوتا بكل أشكالها وألوانها، ونسبة النساء التي يمكن استضافتهن في البرامج السياسية قليلة.

ـ على أي أساس تختارين امرأة لتكون ضيفتك ضمن برنامج “الحدث”؟ هل تعتمدين كوتا معيّنة على صعيد الضيوف؟
أنا ضدّ الكوتا بكل أشكالها وألوانها، ونسبة النساء التي يمكن استضافتهن في البرامج السياسية قليلة. أختار امرأة على أساس كفاءتها وحاجتي لها. إذا كنت أقدّم حلقة اقتصادية هناك نسبة نساء موجودات في هذا المجال مثال فيوليت بلعة، سابين عويس وغيرهما، وعلى صعيد السياسة والتحليل السياسي أيضًا هن موجودات وبنسبة قليلة. يكون لديّ أحيانًا ميل لأستضيف امرأة صحافية تكتب وتحلّل في السياسة وهناك من يرفضن الظهور بحجة أنهن معتادات على الكتابة وليس على الحوار التلفزيوني، أقوم أحيانًا بتشجيعهن وأقول لهن هناك حاجة لكن عبر الإعلام فلنكسر الروتين سويًا ولنكسر النمطية في أن التحليل السياسي حكر على الرجال فقط، فتجيبني إحداهن أنا أكتب بصورة أفضل من الكلام. هناك من يفكرن بهذه الطريقة. أمّا أن أستضيف امرأة ليس لديها شيء لتقوله ولا تعرف كيف تحاور لكي أكسر المألوف فقط لا غير، فهذا يضر ولا يفيد. المعيار لاستضافة المرأة هو كفاءتها وقدرتها ورغبتها وحاجتها لتغطية مساحتي من البرنامج أو لا.

ـ حين يصفك أحدهم أو إحداهن بـ”أخت الرجال”… هل تعتبرين هذا الوصف مديحًا أم ذمًا؟
هذا الوصف يعتبره البعض مديحًا في مجتمعاتنا. لا أفرح ولا أحزن لهذا الوصف مع أنّه يأتي في معرض المديح، فحين يقال أخت الرجال يعني أن المرأة قوية وتفرض شخصيتها وحضورها وقادرة على “التقليع” بين مليون رجل. وفي حالة الذم يقولون عن المرأة مسترجلة. أسمع الكثير في معرض المديح والبعض يقول لي “أم علي سمر”، و”أم علي” أو “أبو علي” صفة من صفات القباضايات. لا تعني لي الصفات ولكنني أعرف أنها مديحًا، وأفضل أن يتم وصفي بما يلامس أنوثتي أكثر.

أنتزع ابنتيّ من دوامة التمييز الجندري بصورة كبيرة، ولم أذكر يومًا أمامها أنك فتاة ومن المعيب أن تقومي بهذا أو ذاك

ـ ما هو الأسلوب الذي تعتمدينه في تربية ابنتيك كي لا تقعا ضحية اللامساواة الجندرية؟
أساس التربية ينبع من البيت. أنتزع ابنتيّ من دوامة التمييز الجندري بصورة كبيرة، ولم أذكر يومًا أمامها أنك فتاة ومن المعيب أن تقومي بهذا أو ذاك، على العكس أنا معهما ومع حريتهما مهما اختارتا حتى لو قررتا القيام بما هو خطر عليهما، أدعهما تفعلان ما ترايدانه تحت نظري حتى لو وقعت إحاهما أو جرحت نفسها حتى تقرر بنفسها إذا أرادت أن تكمل في خيارها أو لا.
لا فرق بين الرجل والمرأة في تربيتي ولا محرمات على الفتاة في مجالات العمل، فإذا أرادت دراسة هندسة الميكانيك وأن تفتح كاراج ميكانيك لن أرفض بل سأشجعها وأقف إلى جانبها طالما هذه رغبتها. وإذا قالت لي إنها تريد دراسة الطيران لا مشكلة لديّ، أو تريد أن تمتلك منشرة للخشب، لا أقول لا في وجه أي موضوع يتعلق بالعمل. من واجبي أن أحصنهما بالوعي وحسنات وسيئات كل عمل، إنما الخيار خيارها وأقف إلى جانبها مهما كان خيارها، إذا قمنا بتنشئة الجيل الجديد على المساواة والوعي سنتخلص من التمييز الجندري في المستقبل.

ـ تهان المرأة في عرضها وشكلها في حال تم الاختلاف معها حول رأي سياسي… كيف تردين على هذه الإهانات؟
هذا أمر لا أخلاقي. أفضل رد هو عدم الرد. يكون الرد الوحيد بمزيد من النجاح والتقدّم. أعمل وفق مبدأ “القافلة تسير” ولا أسمح لأحد بأن يجرّني إلى مستواه المتدني أو يجعلني أرد عليه إذا كان سافلاً ومنحطًا، أتصرّف وكأنني لم أسمع أي إهانة.

ـ يعتبر البعض أن الكوتا النسائية في العمل والسياسة ضرورة والبعض الآخر يعتبرها ثانوية… ماذا عنك؟
أنا ضد الكوتا بكل أشكالها ومراحلها وضد ما يُحكى عن اعتماد الكوتا في مجلس النواب، وأجده تحديد لوجود وعمل المرأة. مع أنّ المرأة تشكّل أكثر من نصف المجتمع إلا أنني سأعتبر أنها نصفه، ما يعني أنها يجب أن تشارك بكل شيء بمناصفة لذلك أنا ضدّ الكوتا. يقول البعض علينا أن نبدأ من مكان ما والكوتا خطوة أولّية وبداية الطريق إلى أن نصل إلى التمثيل الصحيح وهو المناصفة، وأقول فلنبدأ بالضغط منذ البداية ولنكرّس مفهوم المناصفة، إذا عملنا بالتقسيط سنقضي حياتنا بالتقسيط.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد