يقول المثل الموريتاني “زين سعد اشباب تخلات سالم والراجل ما مات”، والذي يعني أن المرأة السعيدة هي التي تطلقت وهي شابة فالرجال لم يفنوا، وربما كان هذا المعنى غريب على الثقافة العربية التي ترى في المرأة المطلقة موصومة بعار ما، لكن في موريتانيا التي يحتفى فيها بالطلاق عبرحفلات خاصة ليس غريباً على الاطلاق.
لم تأتي العادة الموريتانية بإقامة حفلات للطلاق من فراغ، ولكنه يعدّ تعبيرًا على دعم المرأة المطلقة في مواجهة المجتمعات المتأخرة ثقافياً والذي نراه بوضوح في المجتمع المصري، فنجدها في موريتانيا تخرج بعد انقضاء فترة العدة مرتدية أبهى ملابسها ومتزينة بالحناء في يديها ورجليها ومعطرة بأفضل العطور كتعبير عن جاهزيتها النفسية للدخول في تجربة جديدة وحياة جديدة.
حياة المُطلقة في مصر جحيم بكل معنى الكلمة، فالطليق يفتعل المشاكل باستمرار في محاولة للتملص من واجبه المادي تجاه أبناءه
تقول سمر، مطلقة مصرية، “اختلفت نظرة المجتمع بأكمله لي بعد الطلاق، بداية من الأهل ثم الجيران والأصدقاء وكل المعارف، فأخي الصغير أصبح يعاملني كوليّ أمري ويحاول السيطرة عليّ والتحكم في كل تصرفاتي بشكل غير مهذب حتى تجرأ ذات مرة وهمّ بمد يده عليّ، وعند التعبير عن رغبتي في الخروج من المنزل، الذي لم أغادره لمدة 3 أشهر، قال لي “انتي فاكرة نفسك متجوزة زي اختك؟ انتي مُطلقة يعني ما لكيش خروج”، حتى أختي التي كنت أبوح لها بمشاعري، ذات مرة صدمتني بردها قائلة “انتي مُطلقة ومعاكي أطفال يعني سيبك من الحب والكلام دة ودوري على حاجة تضمن مستقبلك.”
“أصبح الناس يرون فيّ لقمة طرية وغنيمة سهلة فقط لأني مُطلقة” تُضيف سمر، وتشرح قائلة “صُدمت ذات مرة عندما حاول زوج صديقتي ترتيب زواج ليّ من رجل عجوز ذا منصب لأن ذلك كان سيعود عليه بمنفعة ومصالح، حتى الطبيب الذي ذهبت إليه ذات مرة للكشف بمجرد علمه بأنيّ مُطلقة عرض عليّ الزواج كنوع من التسلية والاستمتاع، بجانب عشرات العروض بزواج عرفي أو كزوجة ثانية”.
تُكمل سمر قائلة “حياة المُطلقة في مصر جحيم بكل معنى الكلمة، فالطليق يفتعل المشاكل باستمرار في محاولة للتملص من واجبه المادي تجاه أبناءه، وأية محاولة للحصول على دخل أُصدم من ردود الأفعال، ففي كل مرة أتقدم لوظيفة لتحسين دخلي شبه المنعدم لا أجد سوى عروض وقحة تحت ستار “سكرتيرة خاصة” فور علمهم بحالتي الاجتماعية كمطلقة.”
بلغ عدد المطلقات4 ملايين سيدة، وبلغ عدد إشهادات الطلاق 198269 عام 2017،
تُنهي سمر كلامها قائلة “كل هذه الضغوط دفعتني لمحاولة الانتحار أكثر من مرة، ولا أعرف كيف أواجه كل هذا، من تربية أطفال وإعالتهم مادياً ومعنوياً ونفسيا، ولعب دور الأب والأم على السواء، وضغوط مادية وتدخل من الجميع في حياتي الشخصية وتصرفاتي، بدلاً من دعمي في مواجهة الحياة القاسية.”
حالة سمر هي حالة من ملايين الحالات في مصر التي تحتل المرتبة الأولى عالميا في نسب الطلاق، حيث بلغ عدد المطلقات4 ملايين سيدة، وبلغ عدد إشهادات الطلاق 198269 عام 2017، إلا أن كل تلك الأعداد لم تدفع المجتمع في التفكير الحكيم تجاه هؤلاء النساء اللائي لم يرتكبن جرماً ولا يُعاملن كالرجال المُطلقين في نفس المجتمع، فالرجل المصري يرى في الطلاق تجربة حياتية يستفيد منها في حياته الجديدة بينما ينظر إلى المُطلقة على أنها “مُستعملة” كأي جهاز أو آلة ينقص ثمنها بعد استعمالها، وليس كإنسان له الحق أيضاً في بدء حياة جديدة والدخول في تجربة جديدة كإنسان كامل الحقوق.
تقول دكتورة هناء أبو شهبة، أستاذ علم الاجتماع والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، لموقع “شريكة ولكن”: أن نظرة المجتمع المصري للمرأة المطلقة على أنها “مستعملة” هو موروث ثقافي خاطئ، لن نستطيع محوه في يوم وليلة ولكن دورنا مواجهته والتصدي له، وهو ما أرى أنه يجب أن يبدأ من الإعلام الذي صور المرأة المطلقة لسنوات طويلة على أنها موصومة وتحاول خطف الأزواج من زوجاتهم، وهو ما يجب تغييره على الفور بدور أكثر إيجابية في دعمها النفسي، وتعريف المجتمع بأنها امرأة لها حقوقوليست مذنبة ولا موصومة ولا يجب أن تكون منبوذة من المجتمع، ولا يعيبها الطلاق في شيء ولكن يعيب المجتمع والناس من حولها سلوكياتهم الخاطئة تجاهها.”
وترفض الدكتور أبو شهبة حفلات الطلاق التي يعدها البعض قائلة “إنني أرفض مثل تلك الممارسات، وهناك طرق أخرى لدعم المرأة المطلقة أكثر نضجاً وتحضر، فنحن يجب أن ندعم المُطلقة وليس الطلاق الذي أصبح متفشياً بصورة كبيرة في المجتمع المصري، وان كنت أرى أن هناك تقدماً من الدولة في الدعم الاجتماعي والمادي للمرأة المُطلقة من خلال وزارة التضامن الاجتماعي ومحاكم الاسرة في الحصول على النفقة والحقوق المادية بسرعة وهو متقدم على الأوضاع السابقة بشكل كبير.”