العقم عند الرجل: وصمة تدفع المرأة ثمنها وحيدة

تقول الآية الكريمة “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، فالخلفة الصالحة هي أمل كل زوجين يحلمان بها ويرسمان لها الصور الوردية حتى قبل أن يعقدا قرانهما وقد يكنّى الرجل باسم ولده حتى قبل أن يتزوج… لكن احيانا يتدخل القدر ليمنع ذلك فيتعذّر الإنجاب او يتعثر. حينها تتجه اصابع الاتهام اول ما تتجه نحو المرأة وتنعت بالعاقر وتلاحقها نظرات الشك والشماتة وهمسات الشفقة والإذلال وتنهال عليها الضغوط العائلية والاجتماعية مطالبةً إياها بالعلاج لتعكس ما كتبه القدر. ويبدو الرجل في خضم هذه المسألة منزهاً عن الموضوع وكأن العقم يختص بالمرأة وحدها فالرجولة تأبى أن تنتكس بصفة تبدو في نظر المجتمع دونية…
العقم تهمة تلاحق المرأة
رحلة العقم هذه أو تعثر الإنجاب رحلة شاقة يمشيها الزوجان بألم وحسرة وتلقي بظلالها القاتمة على مختلف أوجه حياتهما. ولكن في حين ان العقم مشكلة تطال المرأة والرجل بالقدر نفسه، حيث تشير الإحصاءات والدراسات الى أن 40 % من حالات العقم سببها الرجل و 40% سببها المرأة وتبقى 20% غير محددة الأسباب، غالباً ما يطال الاتهام المرأة أولاً وتكون مطالبة بالبدء برحلة العلاج والفحوصات والتحاليل. وهنا ينطلق مشوارها مع الأدوية الهورمونية وكل مضاعفاتها ومع التقلبات النفسية والمزاجية والضغوط العائلية والاجتماعية القاسية. ويبقى الرجل في منأى عن هذه المعمعة ينتظر بعيداً عن الأنظار أن يطمئنه الطبيب الى إمكانية الخلفة او الى اكتشاف سبب للعقم في المرأة يحفظ له رجولته ويبعد عنه تجرع كأس اهتزاز صورة الرجولة…
عقم الرجل من المحظورات الاجتماعية

صورة الرجل المعتز بذكوريته، يرفض العلاج والتحاليل ويترك للشك مكاناً، وحيث إن براءة الزوجة لم تثبت أمام المحيط لا بأس أن تبقى الشبهات تحوم حولها

لكن رحلة العلاج قد تصطدم بطريق مسدود حين يكشف الطب ان المرأة لا تعاني من أي خلل يمنعها من الإنجاب، هي التي تحملت اللوم والشماتة والشفقة والضغوط وُجدت بريئة لكن المحيط نادراً ما يبرئها ويشير بالأصبع الى الزوج وكأن عقم الرجل ما زال من المحظورات التي لا يُحكى فيها علناً. وانطلاقاً من هذه النظرة الاجتماعية يقع الرجل في مصيدة تطبق عليه من كل الجوانب: فالذهاب الى الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة يعني الاعتراف بشبهة العقم او وجود مشاكل تطال الرجولة وتنتقص من فحولة الرجل، بينما إنكار الحقيقة يعني خسارة حلم الإنجاب.
بعضهم ممن تترسخ في ذهنه، نتيجة التربية ومنظومة المحرمات الاجتماعية، صورة الرجل المعتز بذكوريته، يرفض العلاج والتحاليل ويترك للشك مكاناً، وحيث إن براءة الزوجة لم تثبت أمام المحيط لا بأس أن تبقى الشبهات تحوم حولها، فلطالما تحدث التاريخ عن المرأة العاقرولم يذكر مرة رجلاً عاقراً… لا بل يبالغ هؤلاء بالتغني برجولتهم وانجازاتهم الذكورية إبعاداً لأي شبهة عنهم، وقد يطلب أحدهم الطلاق او يتزوج بأخرى بحثاً عن خلفة يدرك جيداً أنه ليس قادراً عليها.
تستّر يحفظ للرجولة هيبتها
البعض الآخر من الرجال الذين واكبوا تطور الطب ومفاهيم المساواة لا يجدون بداً من التوجه الى الطبيب المختص ولكن ضمن إطار من السرية التامة وبعد التأكد الكلي من صحة القدرة الإنجابية للزوجة. يقول د. عماد غنطوس الاختصاصي في طب الرجال والعقم حتى الأهل والمقربون يبقون بعيدين عن الصورة يجهلون مسار الأمور وما آلت اليه، في حين أنهم يكونون حاضرين في كل خطوة علاجية تجريها المرأة يواكبونها بإصرارهم ومشورتهم .
وهنا يبدأ مشوار من نوع آخر بالنسبة للزوجة فالضغوط الاجتماعية والنفسية التي تتعرض لها لا تنتهي. فهي مطالبة بان تقدم الدعم النفسي والعاطفي لزوجها وأن تكيل بالميزان درجة الدعم حتى لا تخدش رجولته وعليها ان تتستر عليه امام المحيط والمجتمع وقد ترضى في احيان كثيرة ان تتحمل وزر وصمة العقم وحدها حفاظاً على زواجها.

يعتبر بعض المحامين أنه يحق للزوجة أن تطلب من الزوج استشارة طبيب واللجوء الى العلاج فإذا امتنع عن ذلك ورفض يُعد ذلك ضرراً لها يمكن على أساسه طلب الطلاق

معاناة امرأة بين العقم و الخيانة
تروي آمال وهي سيدة في منتصف الأربعينيات كيف انتهى بها المشوار قائلة: تزوجت في أواخر العشرينيات وكنت متلهفة للإنجاب وكذلك زوجي وحمواي اللذين كانا خائفين من تقدمي النسبي في السن. “متى ستنجبين له ولداً؟” هو السؤال الذي كنت اواجه به كلما قابلتهم، يليه سؤال” هل زرت الطبيب؟” وهكذا بدأت علاجاً هورمونياً يقوي قدرتي على الإنجاب. لكنه لم يأت بنتيجة وجل ما فعله ان أكسبني وزناً زائداً. وألحقته بسلسلة طويلة من التحاليل المتطورة اثبتت جميعها أنني لا اشكو من أية علة تمنعني من الإنجاب. في هذه الأثناء كان زوجي ينظر إلي باشمئزاز مدعيا أنني أهمل نفسي وأن شكلي بات غير مقبول. أجبرته على استشارة الطبيب رغم انف والدته فاكتشف الأخير أنه عنده ضعفاً شديداً في البزرة يمنعه من الإنجاب لكنه لم يمنعه من خيانتي مع شابة اصغر سنا وأكثر نحافة. حينها قررت التقدم بطلب طلاق ومعي اثباتات العقم والخيانة. فأخذت المحكمة بالسبب الأول ولم تأخذ بالثاني وحصلت على الطلاق لألبي بحسب المحكمة حاجتي الطبيعية الى الأمومة.

عقمه ليس سبباً للطلاق
لكن هذه القصة التي انتهت لصالح آمال إذا جاز القول نادراً ما تنطبق على نساء أخريات فقلة هن اللواتي يتمكنّ من إثبات العقم عند الرجل وحتى إن اثبتنه لا يعتبر لدى الكثير من الطوائف سبباً للطلاق إلا إذا كان مذكوراً في عقد الزواج. قد يؤدي الى الخلع عند بعض الطوائف واضطرار المرأة الى افتداء نفسها وتخليها عن كل حقوقها لكنه لا يعتبر مبرراً قانونيا للطلاق على خلاف العجز الجنسي الذي يعتبر سبباً موجبا للطلاق. ويعتبر بعض المحامين أنه يحق للزوجة أن تطلب من الزوج استشارة طبيب واللجوء الى العلاج فإذا امتنع عن ذلك ورفض يُعد ذلك ضرراً لها يمكن على أساسه طلب الطلاق. ويبدو الأمر أسهل بكثير عند الرجل الذي تتيح له القوانين والأعراف الزواج بأخرى بغية الإنجاب .
العقم ليس انتقاصاً للرجولة
ويقول د. عماد غنطوس أن أسباب العقم عند الرجال كثيرة ومتنوعة معظمها عضوي وبعضها نفسي او نتيجة تعرض لمواد معينة لكن في مجملها يمكن معالجتها بطرق بسيطة. أحيانا عملية جراحية بسيطة في الخصيتين قد تزيل السبب واحياناً تناول ادوية منشطة لحركة الحيوانات المنوية قد يساعد جيداً في حصول عملية الحمل. وما يجب التركيز عليه أن مشاكل العقم لا تعني العجز الجنسي إلا في حالات نادرة. فالرجل يبقى قادراً على إتمام الفعل الجنسي والتمتع بحياة جنسية ناشطة بمعزل عن قدرته على الإنجاب، لذا فالخوف على الرجولة ليس مبرراً في حالات العقم او تعثر الإنجاب والعلاجات الرجالية متوافرة وهي على تحسن مستمر. وحتى في حال ضعف البذرة الى حد شديد يمكن اللجوء الى تقنيات الحمل المساعدة المتطورة لتخصيب البويضة والحصول على أجنة تزرع لاحقاً في الرحم. المهم أن يبادر الرجل الى استشارة الطبيب المختص لأن 90% من حالات العقم باتت تجد لها اليوم علاجاً.

ختاماً هل مسموح بعد كل هذا أن تتحمل المرأة وحيدة بصمت وألم وصمة تتشارك فيها مع الرجل وتدفع ثمنها وحدها؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد