النساء النقابيات في لبنان: نسبتهن في المجالس القيادية لا تتخطى 2% والأمية النقابية تحاصرهنّ

حقيقة واحدة تتجلّى في كلّ الدراسات والمقالات والتصريحات المنشورة خلال العشرين سنة الماضية، وهي ضرورة إعادة تفعيل العمل النقابي بشكل عام على مستوى لبنان، بالتزامن مع تفعيل حضور ومشاركة النساء فيه بشكل خاص. فمما لا شكّ فيه أن حضور النساء نقابياً يتفاوت ما بين الانتساب والترشح لتبوأ مناسب قيادية، ففي معظم النقابات نسبة انتساب النساء مرتفعة مقارنةً بنسبة حضورهن في المجالس النقابية ومراكز القرار التي لا تزال خجولة جداً، على الرغم من أن وجودهن في مجالات العمل والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية آخذُ بالارتفاع عاماً بعد عام، فما هي أسباب هذا التفاوت؟
في جولة عامة على غالبية النقابات في لبنان يظهر أن منصب النقيب الذي يشغله “بالعُرف” رجالٌ قد خُرق مرتين. المرة الأولى عندما فازت المحامية أمل حداد بانتخابات نقابة المحامين في بيروت في العام 2009، والمرة الثانية في العام 2017 حيث فازت الطبيبة رولا ديب بمنصب نقيبة أطباء الأسنان في نقابة طرابلس والشمال. على الرغم من أن الحدثيّن لا بدّ أن يُشكّلا دافعاً قوياً لنساء أخريات، إلا أن النظرة المجتمعية لدور المرأة والقيود الكثيرة المفروضة عليها في ظلّ الذهنية الأبويّة الحاكمة لا تجعل وصولها أمراً طبيعياً وميّسراً في أغلب الأحيان.
وبحسب نقيبة المحامين السابقة أمل حداد فقد “حان الأوان كي نُقْلع عن هذا التفريق والتمييز التقليدي والجامد، وإذ أودّ أن أتحاشى الحديث عن صغر نفس لدى بعض الرجال الذين يتميزون بكره شديد للمرأة التي تشقّ الصفوف إلى المقدمة وتحتلّ ما يعتبرونه حكراً عليهم من مناصب، لا بدّ من الإشارة إلى أن هكذا واقعة يمكن أن تتكرر وأن نرى امرأة في هذا المنصب مجدداً، فقد فتحت الطريق واسعةً في هذا المجال. فبين 6 كانون الثاني 1932، تاريخ بدء عهد المحاميات في لبنان بقبول نقابة المحامين طلبَ السيّدتين نينا طراد وبوليت تامر، و15 تشرين الثاني 2009 تاريخ انتخابي أوّل نقيبة، مضى نحو ثمانية عقود تميّز خلالها عدد من المحاميات بالنشاط والدقة والمثابرة والحماسة في العمل، وبرزت منهن خطيبات شهيرات أمثال نينا طراد، وعضوات في مجلس النقابة أمثال جاكلين مسابكي وصونيا إبراهيم عطيّة ولودي مسعود نادر وعليا بارتي زين وندى تلحوق، اللواتي أظهَرْن نشاطاً وكفاءة لا تقلّ بشيء عن زملائهم الذكور، ومنذ ذلك التاريخ مضت النساء المحاميات تثبِتْنَ كفاءاتهن أمام القضاء وقد انطلَقْن لا يُعيقهن وَهَنٌ بدني، أو نقص في الصوت، أو قصور في المعارف، أو خَوَرٌ في الجرأة والبلاغة”.

عدد النساء اللواتي يتبوأن مراكز قيادية، تتراوح بين 2 إلى 5 في المئة طبقاً لتواجدها في القطاع الاقتصادي

وأضافت حدّاد: “إنني أعتبر أن النجاح الذي حققته في النقابة فوز للرجل أكثر مما هو للمرأة، من حيث اعتباره تغييراً للواقع ونجاح للفكر الحضاري على الذهنية القديمة والتعصب؛ فالمحاميات والمحامون يظلّون طليعة الوعي والوطنية، وحملةَ نبراس التقدميّة والديمقراطية، إلّا بعض الأفراد الذين يعيشون في كهوف الماضي وينسجون من خيوط العناكب خطبَ الحقد وقصائد الرجعيّة”.
بعض النقابات تسعى في إطار تعزيز حضور النساء إلى فرض كوتا نسائية في انتخاباتها، وكانت في طليعتها نقابة إدارة حصر التبغ والتنباك التي اعتمدتها في نظامها الداخلي. إلا أن موقف النقيبة حدّاد مخالف لمنطق الكوتا، وتقول: “إن الأخذ بمبدأ الكوتا يشكّل إساءة للمرأة لا ترتضيها، فهو يكرِّسها مقصِّرة وضعيفة وبحاجة إلى عكازات تتكئ عليها للنهوض إلى المبارزة، وإلى علامات إضافية تزاد على علامات حَصّلَتها كي تتمكن من إدراك النجاح”.
نسبة النساء في المجالس النقابية 2 في المئة!
في دراسة بعنوان “احتياجات تنظيمية لتعزيز مشاركة النساء في النقابات في لبنان” من إنتاج التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني وإعداد الدكتور غسان صليبي في العام 2014، على عيّنة مؤلفة من 8 نقابات، تبيّن أن ست نقابات من أصل ثماني تتراوح نسبة إنتساب النساء إليها بين 40 و75 في المئة، أما النقابتان الباقيتان فالنسبة فيهما تصل إلى 11 و20 في المئة، وسط غياب شبه تام لحضور النساء في المجالس النقابية العمّالية التي لا تتعدى نسبته الـ2 في المئة. هذا الأمر يظهر جلياً في الاتحاد العمّالي العام حيث لا يضم مجلسه ولا حتى امرأة واحدة! فنسبة مشاركة النساء في الاتحاد مقارنة مع الرجال لا تتعدى 10 في المئة، وعدد النساء اللواتي يتبوأن مراكز قيادية، تتراوح بين 2 إلى 5 في المئة طبقاً لتواجدها في القطاع الاقتصادي، حيث أن مشاركة المرأة تقتصر على العضوية ضمن النقابة التي تعمل في قطاعها.
لا يختلف اثنان على أن الاتحاد برمته يُعاني واقعاً مأزوماً وتشرذماً جعله يخسر ثقة غالبية العمال، ذكوراً واناثاً، لاسيما في السنوات الأخيرة، فهو لم يعد ناطقاً بأصواتهم ولا حاملاً لهمومهم الكثيرة، وهو ما يُفسر اتجاه البعض إلى التعويض برفع مطالب عمّالية في تظاهرات مدنية واحتجاجات يتبناها المجتمع المدني. وإذ يبدو ضرورياً إحداث تغيير في أنظمة الاتحاد وهيكليته، وكذلك في أدائه وسلوكه، يؤكد رئيسه بشارة الريّس أن “الخطوات على هذا الصعيد بدأت وتحديداً من زاوية تفعيل حضور النساء، فمنذ عامٍ ونيف تأسست في الاتحاد لجنة نسائية تسعى لطرح قضايا المرأة وواقعها وإيجاد الطرق الأبرز لتبنيها وتمثيلها على مستوى الاتحاد”، مشيراً إلى أن “اللجنة تم تأليفها عن طريق التعيين إلا أنها ستتحول إلى لجنة منتخبة بعد حين، على غرار اللجنة النسائية في نقابة مرفأ بيروت التي يُنتخب أعضاؤها كل 4 سنوات”.

المعضلة الأساسية تكمن في المحاصصة الحزبية، إذ لا نستطيع أن ننكر واقعنا الذي تُسيطر فيه الأحزاب على النقابات

ويوضح الريّس أن “ضعف حضور النساء في مراكز القرار يعود بالدرجة الأولى إلى انكفاء النساء أنفسهن، فعليهن أن يُبادرن أكثر بالترشح وخوض المعارك الانتخابية”، كاشفاً عن السعي إلى فرض الكوتا النسائية في الاتحاد لتشجيع النساء أكثر.
من جهتها ترى العضوة في نقابة المحررين الصحافية سكارليت حداد أن “النظرة لدور النساء لم تعد كالسابق فالواقع تطور الآن وبات حضورها أمراً طبيعياً ومقبولاً وهو ما تجلّى بوضوح في نسبة النساء اللواتي ترشحن إلى الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد كان عددهن لا يُستهان به”، مشيرةً إلى أن “الحماسة للترشح والانتساب تتفاوت بين نقابة وأخرى، فهناك نقابات لا يرى فيها البعض فاعلية أو تأثيراً فينكفئون عن المشاركة مثل نقابة المحررين مثلاً. هل نسبة مشاركة النساء في نقابة المحررين تعكس حضورهن في مجال الصحافة والإعلام؟ حتماً لا، لأن عدد النساء العاملات في هذا المجال مرتفعة جداً خلافاً لنسبة انتسابهن إليها”.
وتقول: “شخصياً خضت أكثر من معركة في نقابة المحررين وأجد أنه من واجبي أن أكون موجودة لاستنهاض النقابة وإعادة إحياء دورها لتكون حاملة لهموم الصحافيين ومناصرة لقضايهم، وأعمل على أن يتم التعاطي معي على أنني صحافية وليس على أنني أنثى، وهو ما يجب تكريسه في مختلف النقابات انطلاقاً من مبدأ المساواة الجندرية بين الجنسيين”.
من جهتها، توضح رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة في الشمال لورا صفير أن “المعضلة الأساسية تكمن في المحاصصة الحزبية، إذ لا نستطيع أن ننكر واقعنا الذي تُسيطر فيه الأحزاب على النقابات، بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي التي تؤثر على توزيع المراكز داخل المجالس التنفيذية، أضف إلى ذلك غياب الثقة بالعمل النقابي، وخوف بعض النساء من المسؤولية والوضع العائلي الضاغط عليهن”، مشيرة إلى أن “تفعيل دور النساء داخل النقابات يكون عبر الإعداد لبرامج تدريبية تشمل أعضاء اللجنة وناشطات نقابيات، بهدف تدريب النساء والرجال على مفاهيم ومهارات العمل النقابي”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد