في نهاية شهر ديسمبر الماضي، أيدت محكمة الاستئناف المصرية الحكم على الناشطة الحقوقية أمل فتحي بالسجن لمدة عامين بتهمة بث أخبار كاذبة ونشر مادة مصورة تتضمن ألفاظ خادشة للحياء، وذلك عقاباً على مقطع فيديو بثته على صفحتها الشخصية بفيس بوك تروي فيه واقعة تعرضها للتحرش الجنسي وتشتكي من التقاعس الأمني في مواجهة هذه الظاهرة.
مثل الحكم السابق أحد مظاهر التنكيل الذي تتعرض له المدافعات عن حقوق الانسان في مصر، فأمل الناشطة المعروفة بالدفاع عن حقوق الانسان واجهت تنكيلاً شديداً بسبب عملها الحقوقي بدءً من اتهامها في عدة قضايا مروراً بالحكم عليها وانتهاءً بإقامة جبرية في منزلها حيث تنتظر تنفيذ الحكم في أي وقت، ومنذ القبض عليها في مايو الماضي تعرضت أمل لكل سبل الضغط النفسي والتعذيب داخل سجنها بسبب عملها هي وزوجها في مجال حقوق الانسان، حتى تم الافراج المشروط عنها في 27 ديسمبر الماضي، بشرط ألا تخرج من بيتها إلا لحضور مواعيد طبية وبإذن من النيابة وقضاء ساعة كل أسبوع في مركز الشرطة، وذلك قبل أن يصدر بحقها الحكم السابق الذي تنتظر خائفة بأي وقت تنفيذه.
وقد علقت منظمة العفو الدولية على الحكم بحق أمل قائلة في بيان صحفي: “إن قرار المحكمة بتأييد حكم الإدانة ضد أمل فتحي هو ظلم شديد. وحقيقة أن إحدى ضحايا التحرش الجنسي تُعاقب بالسجن لمدة عامين لمجرد التحدث عن محنتها هو أمر مشين للغاية. فهذا الحكم يمثل استخفافاً بالعدالة، وينبغي أن يكون وصمة عار في ضمير السلطات المصرية.
تم جرها من شعرها إلى داخل مبنى مجلس الشورى حيث تم تعذيبها بالصواعق الكهربية وتهديدها بتشويه وجهها بالسكين
وفي نوفمبر عام 2016، خرجت الأختين والناشطتين شيماء وسارة البنا من مصر إلى لبنان خوفاً من السجن الذي كان ينتظرهن على ذمة عدد كبير من التهم بسبب مشاركتهن في مظاهرة سلمية لإحياء ذكرى ثورة يناير، ليستقر بهن الحال في السويد كلاجئتين بعد الحكم عليهن بالسجن لمدة 10 سنوات.
تقول شيماء في حديث خاص “لشريكة ولكن”: “في 25 يناير 2014 خرجنا لإحياء ذكرى ثورة يناير، وكنت إحدى منظمّات الذكرى، وتم فضّ المظاهرة بالقوة ثم الاعتداء علينا من قبل الأمن، وتم القبض عليّ أنا وسارة أختي، وأخذونا إلى قسم شرطة عابدين ثم تم ترحيلنا لمعسكر الأمن المركزي في طرة لمدة 3 أيام، وتم عرضنا على النيابة التي أخلت سبيلنا بكفالة 20 ألف جنيه، وأُحيلت القضية بعد ذلك لمحكمة الجنايات دائرة إرهاب، بعدة تهم منها التظاهر وقتل أصدقائنا الذين قتلتهم الشرطة أمام أعيننا والشروع في قتلآخرين، وتم تأجيل القضية عدة مرات وفي كل مرة يتم اهانتنا واحتجازنا لعشرات الساعات، وقبيل النطق بالحكم قمنا بعرض مقاطع فيديو لقوات الأمن وهي تطلق الرصاص وتعتدي على الجميع، فقام القاضي باتهامنا بمحاولة تشويه الشرطة ووصفنا بأننا مجرمين وهو ما دفعنا لاتخاذ قرار السفر”.
وتُكمل قائلة “خرجنا من مصر خائفتين أنا واختي وذهبنا إلى بيروت حيث عملنا في 3 وظائف مختلفة لنستطيع العيش، وفي فبراير 2017 تم الحكم علينا بالسجن لمدة 10 سنوات لنسافر بعدها إلى السويد حيث يتملكني شعور اللا عودة، وأني لن أرَ أهلي مرة أخرى وفسخت خطوبتي لاستحالة اكتمال الزواج، والآن كل مشاعري متضاربة، فأنا لا أشعر بالأمان، وأعيش في بيئة مختلفة بثقافة مختلفة وحياة مختلفة، وأشعر بالألم أثناء تفكيري بأخوتي الصغار الذين لم يعرفوني ولم أعرفهم جيدا، وأصدقائي الذين تركتهم، وأحلم بالعودة كل صباح وكل ليلة قبل النوم.”
ومن السويد إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث استقرت الناشطة هند نافع بعد خرجت من مصر عقب الحكم عليها بالسجن المؤبد بتهم مقاومة السلطات وحرق المجمع العلمي، على خلفية نشاطها الصحفي والحقوقي واشتراكها في مظاهرة واعتصام سلمي عام 2011.
وبدأت قصة هند الناشطة الثورية عندما قامت قوات الجيش بفض اعتصام مجلس الوزراء في ديسمبر عام 2011، حيث تم الاعتداء عليها من قبل الجنود وسحلها على الأرض والاعتداء عليها دهساً بالأقدام وبالعصي، ثم تم جرها من شعرها إلى داخل مبنى مجلس الشورى حيث تم تعذيبها بالصواعق الكهربية وتهديدها بتشويه وجهها بالسكين، وإجبارها هي و9 بنات أخريات على الاعتراف وترديد اتهامات وبذاءات امام الكاميرا، وظهرت بعد ذلك صور هند وهي مصابة بكم هائل من الكدمات والاصابات.
أنا اتعذب وأتسحل ويتحرشوا بيا ويعرونى في الشارع ويضربونى بوحشية وعنف ويدمروا مستقبلي وبدل ما أخد حقي ألاقي نفسي أنا اللى بتحاكم بدل الجاني اللى عمل فيا كده ويحكمو عليا بالمؤبد
بعد كل هذا التنكيل والظلم، تم اتهام هند ضمن قرابة 230 شاب آخرين بتهم ” الاعتداء على قوات الأمن بالطوب والملتوف، وحرق المجمع العلمي، وإتلاف الممتلكات العامة، وإثارة الشغب والفوضى في الشارع، وحيازة أسلحة”، ليتم الحكم عليها في فبراير عام 2015 بالسجن المؤبد لمدة 25 عام، فتعلق قائلة “يعنى أنا اتعذب وأتسحل ويتحرشوا بيا ويعرونى في الشارع ويضربونى بوحشية وعنف ويدمروا مستقبلي وبدل ما أخد حقي ألاقي نفسي أنا اللى بتحاكم بدل الجاني اللى عمل فيا كده ويحكمو عليا بالمؤبد”
ومن حسن الحظ أنها كانت تتمتع بإخلاء سبيل مؤقت على ذمة القضية وقت صدور الحكم، لتُغادر مصر سراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تكريمها ضمن مهرجان هيومان رايتس ووتش للأفلام الوثائقية، بعد أن تم عرض فيلم “محاكمات الربيع العربي” الذي روى قصتها وقصص أخريات مثيلاتها، لتستقر في المنفى حتى اليوم، على أمل العودة لبلادها في يوم تُرد فيه المظالم.