أتتزوجها وهي “مجهولة النسب”؟

تعالت منذ ستة أشهر دقات قلب ” نهى_ اسم مستعار”، التي تقطن في ميتم ” لحن الحياة “، كانت تعد الثواني فحبيب العمر برفقة أهله، باسمه الكامل، الحقيقي، ومع أمه وأبيه، سيأتي ويطلبها للزواج من أهل الميتم وبحضور أخوة/ات جمعها معهم قدر الحياة وصفة ” اللقطاء”.
” ليكو بين” صاحت نهى بلهجتها الشامية، وهي محاطة بأخواتها في الميتم، وبعض المربيات ومديرة الميتم، تقول نهى: كانت خطوات والدته متثاقلة جداً أما والده كاد قلبه أن يقف عندما واجهه الابن بأني ” لقيطة”، جلسوا 10 دقائق تماماً ولم يدر أي حديث معي أو مع الإدارة إلا السلام وبعض الكلمات المتبعثرة من الأهل، وذهب الحبيب مع أهله ولم يعد.
نهى حالة بين الكثير من الحالات للصبايا اللواتي كنَّ ضحية نشوة حب عابرة، أو قسوة حرب كلفتّهن قهر مدى الحياة، وتشير الكثير من التصريحات السابقة أنه لا عدد رسمي قدمته المحاكم السورية للفتيات ” مجهولات النسب” حصراً، بينما أشارت وزارة العدل السورية عام 2014 أن هناك 500 حالة من “مجهولي/لات النسب” ذكور وإناث في محافظات دمشق، حماه، حلب، وحمص وفي تصريح للوزارة عام 2017 أشارت أن هناك 300 حالة من “مجهولي/لات النسب” سجلت في عدلية دمشق خلال العام الفائت.

في تصريح للوزارة عام 2017 أشارت أن هناك 300 حالة من “مجهولي/لات النسب” سجلت في عدلية دمشق خلال العام الفائت

التفت علي الصحفي والشاب الوحيد، إلى أمه ممازحاً إياها ” أمي بدي أتجوز”، فرحت فرح الأطفال وباركت قبل أن تعرف من هي العروس، وبعد أن سألت الأم عن تفاصيل البنت وجمالها وعلمها، وصلت إلى السؤال عن منزلها، فأجاب ” الميتم”، لطمت الأم وجهها وصاحت ” لقيطة”!، تابعت بدون نقاش ” أنا ماني موافقة”، دقائق قصيرة حتى عرفت الأم أنها مزحة من علي، لتكون بداية حوار مع موقع “شريكة ولكن”، تختلف وجهات نظر بين علي وأمه حيال الزواج من “مجهولات النسب”، في حين يعتبر الشاب العشريني أنه أمر عادي جداً أن يحب ” مجهولة نسب” فلا علاقة لها بأن تركها أهلها وهي كومة لحم صغيرة، هي بشر من لحم ودم، تقاطعه أمه لكن المجتمع لا يرحم، ماذا ستقول للأولاد مستقبلاً عن جدهم وجدتهم ؟ إن كذبت عليهم وهم صغار أنهم ماتوا.. سيأتي يوم ما ويعرفون حقيقة أمهم؟ وأنت كشاب شرقي أيضاً في خلاف زوجي ما ستقول لها أنت ” لقيطة”!، تتابع الأم هو ظلم على الفتاة ” مجهولة النسب”، لكن هذا الواقع.. وهذا المجتمع.
تشير الاختصاصية الاجتماعية جورجيت طنوس أنه حتى لو أزيل التعريف عن ” مجهولي النسب” بالهوية الشخصية، فإن نظرة المجتمع لن تتغير، لأنه لا يوجد لدى المجتمعات العربية عموماً أي ثقافة تفهم ” اللقيط/ة”، وزيادة الوعي عند “مجهولي/لات النسب”، يجعلهم أمام خيارين إما الكذب وإرضاء المجتمع أو المجاهرة بالحقيقة والمواجهة، والخياران على حد تعبيرها سيف ذو حدين.

أسماء أمهات وهمية، وأسماء آباء وكنيات مثلها أيضاً، فكم من مجهولة نسب تمنت يوماً أن تجري اختبار DNA

لا يمانع رواد الشاب الثلاثيني الزواج من فتاة مجهولة نسب في حال أحبها، ويقول من المعيب أن نسميها” لقيطة”، هي في الحقيقة “ناجية”، فلا ذنب لها سوى أنها تقاوم المجتمع، وإن أحببتها فعلاً، أتزوجها وأسافر خارج البلاد العربية التي تحاضر بالأخلاق والعطف والشفقة، وهي تظلم أطهر الناس الفتيات اللواتي كنّ ضحية علاقات عابرة بين عاشق وعاشقة، أو ضحية حرب كما يحصل الآن في سوريا فكم من فتاة بقيت دون أب وأم بسبب الحرب.
أما من وجهة نظر القانون السوري، تشير الدكتورة المحامية آلاء شاهين أن المنظومة القانونية السورية الحاضنة لمسألة ” اللقطاء”، تتجلى بقانون رعاية اللقطاء الصادر بالمرسوم (107) لعام 1970، وقانون الأحوال المدنية رقم (27) لعام 2007، وهما غير كافيين على حد تعبيرها للإحاطة بجميع الإشكاليات القانونية، وتتابع المحامية آلاء، على سبيل المثال وحسب المادة (13) من القانون (107)، والساري حالياً (دين ” اللقيط/ة” هو الإسلام ما لم يثبت خلاف ذلك)، لكن لم يحدد القانون ما المقصود بكلمة (خلاف ذلك)، وبالنسبة لزواج الفتاة ” اللقيطة”، فالقاضي حسب القانون السوري ولي من لا وليّ له، أما بالنسبة لأسماء ” مجهولي/لات” النسب فالمسؤول عن السجل المدني هو من يحدد لهم الاسم، الكنية، اسم الأب، اسم الأم، وكلها أسماء افتراضية.
يعمل القانون السوري اليوم على دراسة مشروع رعاية “مجهولي/لات” النسب ليتم استبدال فيه لفظ “اللقيط/ ة” بلفظ “مجهول/ة” النسب، وترحب المحامية شاهين بالفكرة، مشيرةً أن القانون الذي لم يقر بعد يتضمن قوانيين وأحكام جيدة بحق مجهولي/لات النسب.
أسماء أمهات وهمية، وأسماء آباء وكنيات مثلها أيضاً، فكم من مجهولة نسب تمنت يوماً أن تجري اختبار DNA”” مثلاً لتطابقه مع كل السوريين، لتعرف من أخيها ومن أبيها؟ كم من مجهولة نسب تمنت أن تغيّر اسمها، فمن أين تأتي بأبيها المجهول الشخصية لتقيم دعوى تغيير اسم ؟ وكم من طفلة مجهولة نسب رسمت يوما ما في دفترها صورة أمها وملامح والدها؟ إن هذا الظلم المجتمعي بحق هؤلاء الأشخاص والنساء منهن تحيدًا يجب أن يواجه بعمل قانوني وحقوقي وثقافي متكامل لإزالة هذه الوصمة المجتمعية تجاههن والإقرار بحقهنّ بالحياة والكرامة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد