البلوغ المبكر او المتأخر: إنذار بالخطر لا يجب تجاهله

لطالما كان بلوغ الفتاة مدعاة فرح وفخر للأهل وكأنهم بذلك قد أتموا واجبهم تجاهها حتى أن بعض الشعوب كانت تقيم الاحتفالات تكريمًا لهذا الغرض. ولكن في المقابل لا تزال بعض الأمهات ينظرن الى هذا الأمر بخشية وارتباك، ويجهلن كيفية التعامل معه لا سيما على الصعيد الصحي خاصة إذا كان البلوغ مبكرًا او إذا تأخّر بعض الشيء، ولا يدركن ما لهاتين الحالتين من انعكاسات سلبية على صحة الفتاة ومستقبلها.

البلوغ المبكر وأثاره السلبية
تبدأ أولى عوارض البلوغ بالظهور عند الفتيات ما بين سن السابعة والتاسعة بحسب د. رولا نخال الاختصاصية في الأمراض النسائية عند الفتيات والمراهقات، ويبدأ معها تكوّن الثدي وظهور الشعر في العانة وتحت الإبطين. وغالباً ما تظهر العادة الشهرية بعد سنتين من هذه العلامات. لكن ثمة خطر قد تغفل عنه الأمهات أو يتجاهلن اهميته ويكمن في ظهور هذه الإشارات قبل سن السابعة وهو الأمر الذي يشير إلى وجود اضطرابات هورمونية عند الفتاة تستدعي تدخّل الطبيب لتأخير حصول الدورة الشهرية. وأي إهمال لهذا الأمر ام عدم وعي لأهميته فإنه يجرّ انعكاسات سلبية على صحة الفتاة بشكل عام ويؤثر على نموها الجسدي فيحدّ من طولها بشكل ملحوظ ويسبب لها ضعفا في العظام. وفي زمن تلعب الصورة الخارجية للجسم دوراً كبيراً في حياة المرأة فإن عدم بلوغ الطول المعقول تكون له انعكاسات سلبية على نفسية الفتاة وثقتها بنفسها، في حين أن التدخّل المبكر قادر على حمايتها من هذه التأثيرات.

إن موعد بدء الدورة الشهرية بات اليوم أبكر من السابق وهو الى تنازل مستمر بسب انتشار زيادة الوزن بين الفتيات وازدياد نسبة الشحم لديهن نتيجة أسلوب التغذية السيء

مخاطر بعيدة المدى
ولكن لو كان الشكل الخارجي وحده المتضرر من البلوغ المبكر لربما كان الأمر محدود المخاطر ولكن ثمة خطر خفي اكبر واشد إيذاء، قد لا يتنبه له الأهل، يشرحه د. سليم أديب، الاختصاصي في الأوبئة والأستاذ في صحة المجتمع، بأنه ناجم عن ازدياد نسبة السمنة لدى الصغيرات لأنه يشكل، الى جانب العنصر الهورموني، سببا آخر للبلوغ المبكر. فبحسب الإحصاءات التي يقوم بها السجل الوطني للسرطان فإن موعد بدء الدورة الشهرية بات اليوم أبكر من السابق وهو الى تنازل مستمر بسب انتشار زيادة الوزن بين الفتيات وازدياد نسبة الشحم لديهن نتيجة أسلوب التغذية السيء الذي بات ضريبة للحياة العصرية التي نعيشها. وفي الواقع يشرح د. أديب أن وجود الشحم هو الذي يُعلم الجسم أنه بلغ ويرسل إشارة الى الهورمونات الجنسية أنه بات لديها كفاية من الدهن لتتم عملية الحمل فيحدث حينها البلوغ عند الفتاة. أما الخطر الاهم والبعيد المدى لهذا الأمر، إلى جانب أخطار البلوغ المبكر المعروفة والمذكورة آنفاً، فيكمن بحسب د. أديب في تعرض جسم الفتاة لفترة أطول ولكمية أكبر من هورمون الإستروجين الذي يعتبر من مسببات سرطان الثدي. وقد بات معروفاً اليوم أن تطور كمية الاستروجين التي يتعرض لها نسيج الثدي تؤدي الى زيادة نسبة سرطان الثدي وتفسّر ارتفاع نسبته في المجتمعات الحديثة واحتلاله موقع الصدارة في لبنان والعالم بين أنواع السرطانات التي تصيب النساء. فهل كتب لنا ان تدفع فتياتنا اليوم من صحتهن ثمن تطور الحياة العصرية وعدم وعي الأهل لأهمية التغذية السليمة وممارسة النشاط البدني اللذين يحميان الجسم من اضرار كثيرة؟

ضرورة عدم الانتظار الى ما بعد سن الثالتة عشرة للبدء بإعطاء العلاج الهورموني الذي يساعد في ظهور الإشارات الأولية للبلوغ ومن ثم حصول عملية البلوغ.

وللبلوغ المتأخر أضراره
في المقابل، لا بد ان نذكّر أنه إذا كان للبلوغ المبكر مخاطر لا يجب الاستهانة بها، كذلك يعتبر البلوغ المتأخّر عند الفتيات مشكلة مماثلة ينبغي المسارعة الى معرفة اسبابها وعلاجها قبل أن يصبح تجاوب الجسم مع العلاج أصعب وأطول.
تقول د. رولا نخال ان تأخر ظهور الدورة الشهرية قد ينجم أحياناً عن اضطراب في عمل الهورمونات التي تفرزها الغدة النخامية في الرأس حين لا تعمل هذه الأخيرة بشكل طبيعي. وهذه الهورمونات هي التي تؤدي بشكل مباشر الى ظهور الثدي. لذلك فإن أي تأخير في معالجة اضطرابها وتخطي العمر المفترض لذلك يؤدي الى خسارة تجاوب الثدي مع العلاج الهورموني وبالتالي يصبح نموه غير مؤكّد ما يعرّض الفتاة لاحقاً لمشاكل نفسية مزعجة بسبب عدم نمو ثدييها وهما من أبرز مظاهر الأنوثة التي تمنحها ثقة بنفسها وبمظهرها. من هنا تؤكد الطبيبة على ضرورة عدم الانتظار الى ما بعد سن الثالتة عشرة للبدء بإعطاء العلاج الهورموني الذي يساعد في ظهور الإشارات الأولية للبلوغ ومن ثم حصول عملية البلوغ.
وتضيف نخال أنه لا يجب الخشية من هذه العلاجات الهورمونية كما يعتقد الكثير من الأهل بل على العكس يعتبر إعطاؤها في الوقت المناسب الحل الضروري لتسريع عملية البلوغ وبالتالي نمو الثديين عند الفتاة. كما أن هذه الهورمونات مهمة جداً لحماية العظام عند الفتيات ووقايتهن من مرض ترقق العظام على المدى البعيد، واساسية بالطبع للصحة الإنجابية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد