الأمثال الشعبية اللبنانية موروثات تحقِّر المرأة في كلّ أدوارها

أمثالنا الشعبية تختزل ثقافتنا التراثية وتعكس معتقداتنا ونظرتنا إلى الأمور كما انتقلت إلينا عبر الزمن. هي “حكمة” الأجداد التي لا  تزال تمارس سحرها علينا وتلزمنا بقناعات راسخة توجّه سلوكنا وترسم حاضرنا بطريقة ما. ولم تقصر أمثالنا الشعبية في حقّ المرأة بل جعلتها محوراً للكثير الكثير منها، لكن بدل أن تحسّن صورتها وتكرّسها إنسانة كاملة الحقوق، سكبت الأمثال على المرأة -إلاّ ما ندر منها طبعاً- كلّ الصفات السيئة فجعلتها العقرب والحيّة والحرباءة وخرابّة البيوت ووصفتها بخفيفة العقل والبسيطة والشريرة والشيطانة.

” غنّج حية ولا تغنّج بنية”

في دراسة مختصرة لأمثالنا نرى أنها تطال المرأة في كل أدوارها: كزوجة وابنة وحماة وكنة وأخت وزوجة أب وكأنثى بالمطلق مغرية، ضعيفة، ثرثارة، شريرة تغوي الرجل وتؤذيه إلا ما يتعلق بدورها كأم لأنها هنا تصبح وكأنها في معزل عن الأنوثة والعار. وتبقى الصورة الأسوأ هي التي تتعلق بها كأنثى وكأن الرجل من خوفه منها ومن سلطتها الأنثوية عليه سعى من خلال الأمثال لأن يلصق بها كل الشرور. فتحوّل جسدها إلى هيكل للشرّ ودماغها إلى مصنع للمكائد أو مسكن للغباء ولسانها الى سيف مسلّط على العباد. “بدّك تبهدل رجّال، فلّت عليه مرا” يقول المثل أو “النسوان مصايد الشيطان”. فالمرأة ثرثارة لا تحفظ سراً و” يا ويل من أعطى سرّه لمراته يا طول عذابه وشتاته”. وهي ماكرة لا يؤمّن لها و”حِيَل النسوان بتنزِّل المحادل عن السطوح”.

” البنت يا جازتها يا جنازتها”

والنساء في الأمثال الشعبية مصدر عار يُخشى كثيراً على صيتهنّ فـ”النسوان إمّا جواهر أو عواهر أو قواهر” لذا ينبغي التعامل معهنّ بحذر وصلابة ف” الفاجرة داويها والحرّة عاديها” وثمة “مرا بتعرّي ومرا بتعلّي” لذا من الأفضل عدم ترك الحرية لهنّ والإسراع في تزويجهنّ وسترهنّ فـ” البنت يا تسترها يا تقبرها ” و” إن ماتت اختك انستر عرضك”  وكلّ ذلك لأنّ  “بيت البنات خرّاب”. والزواج هو المصير الوحيد الذي ينتظر المرأة ويجعل لحياتها هدفاً ومن دون رجل لا كيان لها فـ ” الرجال رحمة ولو كان فحمة” و”المرا بلا رجال مثل البستان بلا سياج” تصبحُ مشاعاً محلّلاً للجميع.
وحتى العنف ضد المرأة مسموح  وممدوح في الأمثال فـ”المرا بالبيت مثل المسمار بالحيط ” يجب دقّه أو نزعه وهي “مثل السجادة بدا نفضه من وقت للتاني”.  لذلك للرجل كلّ الحقوق عليها حتى استغلالها والتلاعب بها وتحثّه الأمثال على ذلك: “تجوّز الأرملة واضحك عليها وخذ من مالها واصرف عليها” و”اسمع للمرة ولا تاخذ برأيها” فهي غبية وساذجة ودورها يقتصر على إطاعة الرجل  و”بارك الله بالدابة السريعة والمرأة المطيعة” فكلاهما متشابهتان ويؤكد على ذلك المثل القائل “ثلاثة ما بينعاروا: السلاح والدابة والمرا”.

” عقلاتا قد دجاجة مجنونة”

ولعدم إيمان الرجل  بقدرات المرأة  الذهنية والعقلية جعل جمالها ومظهرها محوراً لأمثاله “خد الحلوة وأقعد قبالها وإن جعت تفرّج على جمالها” و”يلي ما بتنفق ع عزّ أهلها وجدودها، بتنفق ع زينتها وبياض خدودها” وويل للأقل جمالا أو البشعة فالأمثال لا ترأف بها مطلقاً وتجعلها محط سخرية “اجريها عوج و بدا بابوج”!

وكذلك سعت الثقافة الشعبية جاهدة لإظهار عدم الفائدة من تعليم النساء، إذ قالت ” المرا  لو طلعت عل مريخ آخرتا للطبيخ” ومن هنا ضرورة إبعادها عن التعليم “بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها عروف” فمتى تعلمت “صار بدا تكتب مكاتيب غرام” لذا من الأفضل تزويجها لأن “رجال بالبيت ولا شهادة عالحيط”. وعدم إنفاق المال على تعليمها لأن “بنتك مش إلك، اليوم عندك بكرا لا” بينما “علّم ابنك تقشع حالك، وعلّم بنتك تشغل بالك”.

“هم البنات للممات”

بعد كل هذا كيف لا يحزن المرء إذا ابتلي بولادة ابنة فالأمثال حاضرة لتذكّره بهذا الشؤم الذي حلّ به والعار الذي ينتظره: “إن ولدت بنت، عتبة الدار بتحزن 40 نهار” بينما “الصبي البكر بيفضّي الفكر” و”لما قالولي ولد اشتدّ ظهرى واتسند ولما قالوا لي بنت انهدت الحيطة علي”. ومن هنا تكرّم الأم التي تنجب الصبيان وترجم من تنجب البنات ويقول المثل العربي “بطن اللي جاب الولداني اطعموه لحم الضاني وبطن اللي جاب البنية اضربوه بالعصية” وذلك لأن “ام البنت مسنودة بخيط وام الولد مسنودة بحيط” بل أبعد من ذلك بكثير تذهب الأمثال إلى القول أن “موت الوليدة أفضل لأهلها “ما احلى فرحتهم لو ماتوا بساعتهم”. وحتى الأحفاد يطالهم نصيب في التمييز فـ” ابن ابنك الك ابن بنتك لا”.

ولهذا نجد الأمثال توجّه الأهل لضرورة القسوة فى التربية على البنت لأن وجودها همّ بعكس الولد الذى يوصى بتدليله والفرح بوجوده “دلّع بنتك بتعرّيك ودلع ابنك بعزيك”.

“المي و النار ولا حماتي بالدار”

و تتوالى الأمثال التي تحقّر المرأة ولا سيما في دورها كحماة أو كنّة او زوجة أب فهي هنا تتحوّل إلى شر مطلق ومدعاة للسخرية والكره: “الحماه حُمّى وبنت الحماه عقربة مسمّة ” و “حظّو من السما اللي ما عندو حما”. وعن العلاقة بين الكنة والحماة  تؤكّد الأمثال أنه “مكتوب ع باب السما ما في كنه بتحب حما”.

ميرنا زخريّا: الإستشهاد بالأمثال يجعل منها أشبه بمرجعيّة شرعيّة

في مقابلة لموقع ” شريكة ولكن” اعتبرت ميرنا زخريا، الباحثة في علم الاجتماع السياسي، أن الأمثال الشعبية تعبِّر عن البناء الذهني لِلفرد وما يختزنه من صوَر عن الموروث الإجتماعي الذي ساد عبر السنين. لا شك أن الأمثال الشعبية التي هي ضد المرأة، تلعب دوراً في تكريس بعض الأفكار والأدوار التي تحطّ من قيمتها، إذ أن سَماعها تردادها والإستشهاد بها على مرّ الأجيال يجعل منها أشبه بِمرجعية شرعية تحدَّد مِن خلالها هويّة النساء عامّة. ولا شك أنه يصعب محو أثرها بالكامل، وإنما بالإمكان غَربلتها وتحجيم إستعمالها وذلك من خلال التشجيع على التعليم؛ فدراسات عِلم الإجتماع تشير إلى أن الفرد المتعلِّم تجده يُعبِّر عن آرائه إستناداً إلى خبرته الشخصية وتحصيله المعرِفي، وليس استناداً إلى مخزون الأمثال والأعراف.

وتضيف زخريا: بتنا نلحظ مؤخراً وَعياً متزايداً لِناحية أثر الثقافة الشعبية التي كانت سائدة، وذلك لِسببَين:
1- الإنفتاح على “الآخر” المختلف عنّا، أكان داخل حدود مجتمعاتنا وتقاليدنا أو خارج حدود الوطن، ما يؤدّي إلى إعادة النظر بالأمثال الشعبية التي تحطّ من كرامة ومن مساهمة المرأة في محيطها، و يؤسس لاحقاً لبناء أمثال ومعتقدات شعبية من منظور حداثي يؤمِن بالشراكة والعدالة بين الجنسَين.
2- الإنفتاح على “الذات” وفَهم ذواتنا كَإناث مساويات للذكور بالفكر والذكاء والطموح؛ إذ أن المتغيرات الإقتصادية والسياسية والتعليمية ليست وحدها مَن يتحكَّم بِواقع المرأة، إنما هناك المتغير الثقافي الشعبي الذي يعكُس بعفوية الذهنيات المُسيطرة والتي لَطالما تغذَّت من عامِل التنشئة التباينية بين الجنسَين.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد