تحديات أمهات اليوم في مواجهة جيل الانترنت

لم تكد المرأة تلتقط أنفاسها بعد صراع طويل من أجل التحرر والخروج من السجن المنزلي والهيمنة والتحكم الذكوري وعالم التبعية، حتى دخلت في صراع جديد سببه هذه المرة ليس المجتمع الذكوري فحسب بل المجتمع التكنولوجي والاستهلاكي الذي سلكت بموجبه المرأة طريق العلم والعمل معاً وتسلّمت زمام الأمور داخل أسرتها، وأسندت إليها أدوار جديدة لم تكن لتمارسها قديماً ألقت بثقلها عليها وحملتها مسؤوليات مضاعفة وزادت من ضغوط الحياة اليومية عليها. وجاءت هيمنة الإنترنت وتقنيات التواصل واستسلام الجيل الجديد شبه الكلي لها مع ما رافقها من تبدل المفاهيم القديمة للتربية ليضاعفا من تحديات الأم وإصرارها على النجاح في مهامها وسط بيئة تكاد تكون معادية لها.

فما هي المشاكل التي تواجه أمهات اليوم وكيف يتصدين لها ؟ هذا ما تشرحه الاختصاصية في علم النفس سلوى أبي عكر سعيد لموقع “شريكة ولكن”.

التربية العصرية وغياب المرجعيات التقليدية

بعد أن كانت التربية تقليدية بسيطة تتناقلها الأمهات عن الجدّات أصبحت هذه العملية أكثر تعقيداً ولها مرجعيات عدة مثل نظريات علم النفس ومعلومات الإنترنت ووسائل التواصل وغيرها. كما أصبحت التربية تتمحور حول الذات الفردية آخذة بعين الاعتبار خصوصية كل فرد من أفراد الأسرة بميوله وطباعه ومزايا شخصيته. ولم يعد القمع والعنف والتسلط الذي كان يمارسه الآباء والأمهات على أولادهم مقبولاً، وحل محله التفهّم والإصغاء والحوار، ما استوجب من الأهل عامة، والأم خاصة الإلمام بالطرق التربوية وتنويعها بحسب خصائص كل شخصية.  فزادت كل هذه الأمور من مسؤوليتها تجاه أولادها وجعلتها في حيرة من أمرها حول فعالية الأساليب التي تتعامل فيها مع أبنائها.

الضغوط المنزلية المتزايدة وغياب الدعم

رغم توافر عدد من وسائل الراحة للأم اليوم ازدادت ضغوط الحياة بشكل يفوق طاقتها على التحمل، إذ عليها أن تصارع وحيدة أحياناً كثيرة لتلبّي متطلبات أسرتها المتزايدة ولتتعامل مع النمط الجديد من أولاد القرن الواحد والعشرين حيث لكل منهم وجبته الخاصة، ولباسه الذي يجب أن يكون جاهزاً، وبرنامجه الخاص، وكل ذلك دون أن تجد من يقف الى جانبها. فالأسرة عامة، والشرقية خاصة ما زالت تولي الأم مهمة تربية الأولاد ورعايتهم دون مساهمةٍ تذكر للأب الذي، إذا سمح له الوقت والرغبة في ذلك، فهو غير قادر على الحلول محل الأم في المنزل. ولقد بيّنت الإحصاءات التي نشرتها مجلة (Education enfantine) الفرنسية ان وجود الأب إلى جانب الأولاد في المنزل يبدو غير فاعل، إذ أنّ مساهمته في العملية التربوية والرعاية تكاد لا تذكر.

والجدّة التي كان يُلقى على عاتقها جزء كبير من تربية الأولاد وتعليم القيّم لم يعد لها مكانة داخل الأسرة الحديثة، إذ ان الأولاد اليوم لا يتقبّلون تعاليم ونصائح الأجداد وحتى الأم ذاتها أصبح لها طريقها التربوية الخاصة، ولم تعد تعتمد على نصائح والديها التقليدية.

تحديات جيل الإنترنت

أولاد اليوم تغيروا بلا شك وباتوا جيل الانترنت والكمبيوتر والخليوي وسماعات الأذن، يستعملونهم/ن ويتواصلون عبرهم أكثر بكثير مما يتواصلون مع أفراد أسرتهم الذين يعيشون معهم في بيت واحد. فالواحد منهم معزول في عالمه الخاص والحوار مقطوع بينه وبين الأهل. وإذا حدث، وتوقّف الانترنت فتلك مشكلة كبرى، حيث يشعر الأبناء سريعاً بالضيق والضجر والملل والوحدة. وقد بدأت هذه المشكلة تتفاقم وتلقي بعبئها ومخاوفها على الأم مع ما يحمله هذا الانفتاح الالكتروني من مخاطر لا تعد ولا تحصى على الشباب ومن زعزعة للقيم الأخلاقية والتربوية وغياب للمرجعية الأسرية وحلول مرجعيات أخرى مشكوك بصدقيتها وفاعليتها محلها.

قلق مستجد على كاهل الأم

كل هذه المشاكل أخذت تلقي بثقلها على الأم المعاصرة إذ عليها تلبية حاجات الأبناء المتزايدة من جهة ومراقبة سلوكهم الإلكتروني المستجد من جهة أخرى، الى جانب مراقبة السلوك التقليدي الأخلاقي والصحي والمدرسي. وقد باتت تعيش في قلق دائم يحملها المزيد من الضغط، فعليها مراقبة مع من يتواصل أبناؤها عبر الانترنت؟ وما هي الأفلام التي يتابعونها؟ ومراقبة مصروفهم المتزايد، وتأثير انغماسهم بمواقع التواصل على وضعهم الدراسي …

وباتت مسؤوليتها أكبر وأصعب، وعليها تُلقى الملامة، من جرّاء الأخطاء التي يرتكبها ابناؤها أو المشاكل التي يوقعون أنفسهم بها او يتسببون بها. وغالباً ما يكون السؤال أين الأم ؟

لتعامل مثمر مع جيل الإنترنت

أمام هذه التحديات التي تواجه أمهات اليوم يمكن عرض بعض المقترحات وبعض الحلول التي تقدمها الاختصاصية في علم النفس سلوى ابي عكر سعيد لتجنب المزيد من الضغط والتوتر ولتسهيل التواصل مع أبنائهم\ن جيل الإنترنت:

– حاولي جمع أفراد أسرتك حول مائدة الطعام، فقد تكون هذه الفرصة الوحيدة المتبقية ليتواصلوا بين بعضهم البعض.

– أصغي لكل فرد منهم على حدة، لتبقي قريبة منهم و تبعدي عنهم قدر الإمكان التأثيرات الخارجية السيئة او على الأقل لتوازني بينها وبين التاثير العائلي.

– دعي أولادك يشعرون بحبك لهم، وهذا لا يكون بتلبية كل حاجاتهم، فهم بحاجة لإشباع عاطفي أكثر من إشباع النزوات الاستهلاكية العابرة، حتى لو فشلوا في التعبير عن ذلك.

– واكبي التطور التكنولوجي لتكوني قادرة على التخاطب بلغتهم: انترنت، موضة، أغاني ومغنين، ممثلين ..

– اعملي على  تحميل الأولاد، صغاراً كانوا أم كباراً ، المسؤولية وتوزيع المهام داخل الأسرة، ووضع قانون يلتزم به الجميع. فشباب اليوم يحاولون التنصل من كل واجباتهم والاتكال على الغير حتى في أبسط ألأمور: إحضار كوب ماء، وترتيب كتبهم وتوضيب ثيابهم…

– اعملي على توعية الأولاد وعلى عدم الانجرار في تيار التقليد الأعمى، ولا تنجرفي بدورك لتلبية رغبات الأولاد الكمالية في اقتناء أحدث صرخات التكنولوجيا الباهظة الثمن التي لا تلبث أن تفقد قيمتها.

في الختام، إن إلام التي تجد نفسها أمام تحد وامتحان كبيرين، تعلم أن اجتياز هذه التحديات لا يكون إلا بالوعي والمعرفة والإرادة لا سيما حين يتعلق الأمر بأسرتها التي هي عامودها الفقري و شاطئ الأمان لها، وذلك مهما تقدم العلم والتكنولوجيا ومهما تبدلت العصور.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد