عندما نقف عاجزات أمام “مآب”

هو شعور واحد فقط يتملكني هذا الصباح: الشعور بالغضب. الغضب من عدم القدرة على حماية النساء والفتيات في أوطاننا العربية.

كنت أتصفح التويتر حينما رأيت خبر تأجيل الحكم بقضية مقتل “مآب”. هل تعلمون/ن من هي مآب؟

هي فتاة يمنية في العاشرة من عمرها، كانت تحاول الإستمتاع بطفولتها في بلد يعيش ويلات الحرب ويموت فيه طفل/ة كل عشر دقائق من الجوع، الأمراض أو الصواريخ الموجهّة أو غير الموجهّة.

مآب كانت تحاول التمسّك بالأمل والرغبة بالحياة. كانت فقط تريد اللعب مع أقرانها وقريناتها. اللعب والحلم بغد أفضل.

ولكن، ولأنّ مجتمعاتنا العربية الذكورية القاتلة تعيش على إلغاء النساء، قمعهن، قتلهن…

قرّر والد صاحبة العشر سنوات إنهاء حياتها. لماذا؟ لأنها تلعب مع أصدقائها. هل هو رجل مجنون؟ كلا. هل يعاني من مرض ما؟ كلا. هل قتلها وهو بكامل قواه العقلية وعن سابق إصرار وترصّد؟ نعم.

قتلها بببرودة لأنّه يعلم يقيناً أن هذا المجتمع المتخلّف سيتستّر على جريمته بحجج واهية. قتلها لأنه يعلم أن هذا المجتمع أعطاه الحق والمشروعية لقتل النساء والطفلات والتحكم بحياتهن وأجسادهن دون محاسبة.

قتلها لأنّه في بلداننا العربية، المرأة هي العورة، وهي الشرف. وما أدراك ما الشرف في بلاد لا تهتز للفساد، أو للقتل أو للإجرام، ولكن ينتهك شرفها طفلة صغيرة بعمر العشر سنوات تلعب مع أصدقائها.

هو الغضب وفقط الغضب يعتريني هذا الصباح، الغضب من عدم القدرة على حماية المدافعات عن حقوق النساء اللواتي يتم ضربهن، تعذيبهن واغتصابهن في السجون. الغضب من عدم القدرة على حماية أحلام طفلات صغيرات جلّ ما يتطلعن اليه أوطاناً تحمل أحلامهن إلى أبعد المسافات. الغضب من مجتمعات تحكمها عادات وتقاليد تهدف الى التحكم بالنساء وقوانين تميّز ضدهن وتحرمهن من أبسط حقوقهن بالمواطنة. غضب من عدم قدرتنا على حماية النساء حتى في منازلهن. هو القاتل نفسه دوماً.

هو الغضب فقط يعتريني هذا الصباح، الغضب من القمع، القتل، الإلغاء. هي أفعال جرمية  ترتكب تارة باسم الأخلاق وطوراً باسم الدين. و في الحالتين محميّة من قوانين تمييزية تكرّس النظرة الدونية للنساء وتعطي هذه المجتمعات الحق بارتكاب جريمة كجريمة قتل مآب، وتجعل عمّها شاهداً  فخوراً بهذه الجريمة.

لن ينفعك يا مآب أن أعتذر منك عن عدم قدرتنا على حمايتك. فأنتِ كنت منذ خمس سنوات واحدة من ضحايا مجتمع خبيث تحميه ازدواجية المعايير، ولازالت روحك حتى اليوم تنتظر العدالة،

ولن ينفعك غضبي. فغداً كلنا سننسى، هل تعلمين لماذا؟ لأننا سنكون مشغولات بالغضب من عدم قدرتنا على حماية الضحيّة التالية. قد تكون طفلة، إمراة او مسنّة، ولكن أنا على يقين أن هناك مآب أخرى سنتحدث عنها قريباً… سنتحدّث عن تأجيل محاكمة جديدة… سنتحدث عن إفراج قريب عن القاتل…

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد