الجدل حول الجنسية إلى الواجهة من جديد فيما تبقى المرأة اللبنانية مواطنة مع وقف التنفيذ

في الوقت الذي تستمر فيه معاناة حرمان النساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب من حقّهن في منح الجنسية منذ أكثر من 90 عاماً، كانت هذه المعاناة تطرح موسميًا وظرفيًا وبرفع العتب من قبل بعض السياسيين/ات عبر مشاريع قوانين ومقترحات تقترب من حقهن، مختبئة خلف مظلة توطين وتوازن ديمغرافي حملتها طبقة سياسية، ووظّفتها في خدمة ممارساتها التمييزية بحق المرأة.

يبدو أن النقاش في هذه القضية بات يأخذ منحى جديد من تاريخ 21 أيّار/مايو 2019، عندما قدمت “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” التي ترأسها السيّدة كلودين عون روكز مشروع قانون إلى رئيس الحكومة اللبنانيّة سعد الحريري لحلّ أزمة حرمان النساء من حقهنّ في إعطاء جنسيّتهنّ لأولادهنّ.

القانون لم يصل إلى المجلس النيابي، ولا يزال في عهدة رئيس الحكومة، إلا أن مدَّ الآراءِ وجزرها، طرح علامات استفهام كبيرة.

في مضمون مشروع قانون الهيئة، وتحديداً جوهر الخلاف ومعقل شيطان التفاصيل  يكمن في النقطة المتعلقة بإعطاء القاصرين/ات الحق في نيل الجنسية اللبنانية مباشرة، وإعطاء الراشدين/ات ( الذين تجاوزوا/ن سن ال 18 سنة) والذين/اللواتي  لديهم/ن شخصية قانونية مستقلة، الحق بطلب الحصول على هذه الجنسية خلال فترة خمس سنوات إذا ما استوفوا بعض الشروط، مع حصولهم خلال هذه الفترة على بطاقة خضراء تمكّنهم من الإستفادة من الحقوق المدنية والاقتصادية.

المعارضين/ات لهذا المقترح وصفوه بأنّه يميز بين الأطفال والطفلات وبين الراشدين/ات في الأسرة الواحدة، وأنه يكرس التفوق الذكوري، ولا يراعي طموحات المرأة اللبنانية بالمساواة التامة بعد سنين من النضال والمعاناة .

هذه المعارضة دفعت بالسيدة روكز إلى تنظيم مؤتمر صحفي تشرح فيه تفاصيل المشروع المقدم من الهيئة ودوافع تقديمه، فدافعت عن مشروع القانون مؤكدةً على ضرورة ملئ الكوب الفارغ، ليتسنى لنا رؤية المليء منه، فلا خلاف على أنَّ المطلب “حق لا يمكن تجزئته ولا المساومة عليه، وأن الصيغة المقترحة من قبل الهيئة لا تنضوي على تمييز ضدّ أي جنسية”، ولكن الأَوْلَى اليوم أن “يدخل مشروع القانون إلى مجلس النواب ويفتح نقاش حوله، على أن نكمل النضال في الداخل”. وتعوّل السيدة كلودين على سلوك هذه الطريق التي لا مناص منها، مستندة إلى تجارب سابقة “فشلت في الدخول إلى المجلس النيابي، والدليل أن أياً من مشاريع القوانين المقدمة سابقاً لم تناقش حتى”، ومنها تجارب للهيئة الوطنية نفسها.

بين الممكن حالياً والممكن مستقبلًا يتشابك الجدل ليصبح حول العنب وقتل الناطور، في حين تبقى المرأة اللبنانية واقفة على باب إنتظار حقّها في العدالة والمواطنة الكاملة.

فإلى أين سيصل هذا الملف؟ وهل ستشهد الفترة القادمة أي خطوة جديدة في أروقة المجلس النيابي؟ وإلى متى ستبقى حقوق النساء تناقش وتنتزع بالقطّارة وكأنّها منّة من ذوي وذوات السلطة في هذا البلد؟ وهل من المقبول إستمرار إعطاء إمتياز للمرأة الأجنبية على اللبنانية في قانون الجنسية لمجرد إرتباطها بذكر لبناني، إضافةً إلى تكريس حق الرجل المطلق بمنح الجنسية لكل من ينال شرف الإنتماء لعائلته بما في ذلك الزوجة، فيما لا يزال حق المرأة في منح الجنسية لأطفالها محطّ تجاذب وتمييز وذكورية مقيتة وحقّها بنقل جنسيتها لزوجها مستبعد ومحرّم بذرائع طائفية ووطنية ساقطة وفزّاعات تشهر في وجه النساء دونًا عن الرجال؟  هذه الأسئلة وغيرها تطرح اليوم بانتظار إيجاد الإجابة عنها في الأيام المقبلة.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد