نساء آل سعود وآل مكتوم: ضحايا فحولة بائسة والأميرة هيا آخر الناجيات

خلف أسوار القصور الملكية في عدد من دول الخليج مئات النساء الحالمات بالتحرّر من العنف والإستعباد والسطوة الأبوية المرعبة، من بين هؤلاء النساء من قضت إنتحارًا أو قتلًا أو سجنًا أو باتت مجهولة المصير. هؤلاء النساء هنّ زوجات وبنات يعشن في قصور حوّلتهن إلى “حريم السلطان” و”جواري فحول العائلة الملكية” و”أسيرات العقدة الذكورية القاتلة”. ويمثّل آل سعود في المملكة العربية السعودية وآل مكتوم في الإمارات العربية المتحدة، المثال الأكثر فظاعة على الهوس الجنسي، الجنون الذكوري والولع بالنكاح والإنجاب وقهر النساء وممارسة أبشع أنواع الإجرام بحقّهن.

أمّا آخر النساء الناجيات، حتى الآن، من ممالك الرعب، فهي الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، التي انشغلت الصحف العالمية بخبر فرارها مؤخرّا من زوجها محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة. إن جولة مراجعة دقيقة لتحركات الأميرة الهاربة، والزوجة السادسة لآل مكتوم، كفيلة بأن تنذر بتوجّس ما حول مصيرها، إلى أن خرجت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية بالأمس لتؤكّد المؤكّد: الأميرة الأردنية تهرب من دبي وتطلب اللجوء السياسي في ألمانيا قبل أن تغادرها إلى لندن. فالأميرة هيا، التي درست في “أكسفورد”، لم تظهر في الأماكن العامة منذ ما يتعدّى الشهر، فيما توقّفت حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي عن النشاط، منذ شهر شباط 2019، وغابت الأميرة عن مهرجان “رويال أسكوت” للخيول الأخير في دبي، بينما كانت تواظب على الظهور فيه على الدوام.

الصحيفة البريطانية قالت أن الأميرة هيا، 45 عامًا، تختبئ في لندن، برفقة اولادها الجليلة، 12 سنة، وزايد، 7 سنوات، كاشفةً أن دبلوماسية ألمانية ساعدت الأميرة الأردنية بالهروب من دبي، فيما أخذت الأميرة، الساعية للحصول على الطلاق، معها مبلغ 31 مليون جنيه إسترليني للبدء بحياة جديدة.

وفي حين لا تزال تفاصيل القضية مبهمة، وعلى أمل أن تحقّق الأميرة الهاربة حلمها بالحرية والأمان وتكون آخر الناجيات لا الضحايا، إذ أن تاريخ النساء في ممالك الذلّ، المليء بالدماء والمآسي، لا يبشّر بالخير، يعيد موقع “شريكة ولكن” نشر قصص بعض نساء مملكتي آل سعود وآل مكتوم التي تمّ التعتيم عليها، بفضل سلطة وسطوة ذكورها، في الوقت الذي بقي فيها مصير الكثير من هؤلاء النساء مجهولًا، لا هو واضح إن قتلن أو سجنّ أو يعذّبن أو يحتضرن…

الشيختان لطيفة وشمسة بنات محمد آل مكتوم

لحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أكثر من 30 إبن وإبنة، خرجت إلى الضوء قصة إبنتين منهن، في حين بقي واقع البنات اللواتي لم يجرؤن على فضح ممارساته القمعية مخفي وبعيد عن الإعلام. لم تغادر الأميرة المعروفة باسم الشيخة لطيفة دبي منذ 18 سنة. وقد رُفضت طلباتها بالسفر والدراسة في مكانٍ آخر، كما أُخذ جواز سفرها منها، ومُنعت من الذهاب إلى منازل أصدقائها، وُمنعوا هم أيضًا من زيارة قصرها. وقالت في فيديو سجلته سرًا العام الماضي “ما من عدالة هنا، ولا سيما إذا كنت امرأة، فيمكن التخلص من حياتك”.

في آذار/مارس الماضي، وإثر عزمها الهروب، تلقّى أصدقاؤها في الخارج بدهشةٍ كبيرة رسالةً منها على تطبيق “واتساب” تعلن فيها أنها غادرت دبي للأبد. وردّ أحد أصدقائها وهو الأمريكي كريس كولويل، الذي يمارس رياضة القفز بالمظلات، على رسالتها قائلًا “يساورني شعور مزعج جدًا. هل هذا حقيقي؟”، وأضاف “أين أنت؟”. فأجابت الأميرة “أنا حرة. وسآتي لأراك قريبًا” مضيفًة رمزًا تعبيريًا بشكل قلب. إلًا أن هروبها، الذي خططت له على مدى عدة سنوات، دام أقل من أسبوع. ففي غضون بضعة أيام من الإبحار في المحيط الهندي على متن يخت، حيث كانت الشيخة متّجهة إلى الهند ثم إلى الولايات المتحدة، انقطع الاتصال بها، بعدما كانت قد صوّرت فيديو مدته 39 دقيقةً كاملة، تحدّثت فيه عن حياتها ووصفتها بالمليئة بالامتيازات المقيّدة والآمال المكبوحة، معربًة عن أملها في أن يتغير ذلك. ومن ضمن ما قالته في الفيديو “لا أعرف كيف سأشعر إذا استيقظت في الصباح وأنا أفكر أنه يمكنني أن أفعل ما أريده اليوم. سيكون شعورًا جديدًا ومختلفًا. سيكون الأمر رائعًا”، كاشفًة أنها قامت بتسجيل هذا الفيديو خوفًا على حياتها إذا أُلقيَ القبض عليها في حال فشلت في الهروب “لن يعيدوني حيةً. لن يحصل هذا. فإذا لم أنجُ حيةً، على الأقل هناك هذا الفيديو”. يذكر أن لطيفة تجرأت في هذا الفيديو أيضًا على فضح معلومة إدّعت أن لا أحد يعرفها وهي قيام والدها بقتل إحدى شيخات العائلة من الجنسية المغربية، زوجة أحد شيوخ العائلة، إثر وفاة زوجها لإسكاتها! 

الفنلندية تينا جاوياين، التي ساعدت الشيخة لطيفة في الهروب، كانت قد كشفت في وقت سابق تفاصيل مرعبة عن حياتها. تينا، التي بدأت عام 2010 تدرب الشيخة على الكابويرا، وهو فن قتالي أفريقي-برازيلي، قالت إن الأخيرة كانت تعيش في قصر خلف جدرانٍ عالية. ويتألف القصر من 40 غرفةً موزعة على أربعة أجنحةٍ وكل غرفة مخصصة لإمرأة من الأقارب كانت تعيش هناك. كان هناك حوالى 100 خادمةٍ ومجمع رياضي مع حوض سباحة ومنتجع. وأينما ذهبت الشيخة تتبعها خادمة فلبينية. ولكن بحسب جاوياين فإن حياة الشيخة كانت حياة رفاهية إجبارية ومقيدة إذ لم يُسمح لها مثلًا بدراسة الطب مثلما أرادت. وعن تفاصيل يوم الهروب، أشارت الفنلندية إلى أنه بينما كانوا يبحرون نحو الهند في مساء يوم 4 آذار، كانت الفتاتان تتحضران للنوم في الطابق السفلي من اليخت عندما سمعتا أصواتًا مرتفعة. فحبستا نفسيهما في المرحاض، ولكنه امتلأ بالدخان. فكان الحل الوحيد الخروج منه. وعلى سطح اليخت، قام رجال مسلحون، وهم هنود وإماراتيون بدفعها وطاقم السفينة الفليبيني على الأرض وقيّدوهم وضربوهم وقالوا لها أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. ورأت السيدة جاوياين الشيخة لطيفة على الأرض مقيدةً، ولكنها تركل وتصرخ أنها تريد الحصول على اللجوء السياسي في الهند. وبعد وقتٍ قصير، صعد رجل يتحدث اللغة العربية على متن اليخت وأوضح أنه جاء ليعيد الشيخة. وتتذكر السيدة جاوياين ما قالته الشيخة “أطلق علي النار هنا. لا تعيدني إلى هناك”، ثم اختفت…

لم تكن هذه المحاولة الوحيدة للطيفة بالفرار ولا كانت هي المرأة الأولى التي تقدم على هذا الفعل الجريء. فعندما كان عمر الشيخة لطيفة 14 سنةً، هربت شقيقتها الكبرى شمسة، وهي الشقيقة الوحيدة المقربة منها، من رجال أمن عائلتها في خلال رحلةٍ إلى إنكلترا، حيث يملك والدهما، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عقارًا كبيرًا وإسطبلًا بارزًا لسباق الأحصنة الأصيلة. وذكرت التقارير الإخبارية في ذلك الوقت أن الموظفين الإماراتيين تعقبوا شمسة في نهاية المطاف إلى شارعٍ في مدينة كامبردج وأجبروها على ركوب السيارة. وعندما بدأ محقق من مقر الشرطة البريطانية “سكوتلاند يارد” بالتحقيق في قضيتها كعملية خطف، رفضت السلطات في دبي السماح له بإجراء مقابلة معها. ووصلت القضية إلى طريقٍ مسدود عندها. رعب لطيفة من تجربة شمسة، دفعها إلى محاولة الهروب في المرة الأولى، في سن التاسعة عشر، عبر الحدود إلى سلطنة عُمان. وتمت إعادتها على الفور تقريبًا، وقالت إنها احتجزت وقتها في الحبس الإنفرادي لأكثر من ثلاث سنوات وإنها كثيرًا ما كانت تُسحب من الفراش لتُضرب، كما حُرمت من الرعاية الطبية ولم تُعطَ فرشاة أسنان حتى الأشهر القليلة الأخيرة.

وعقب محاولات الشقيقتان الفرار، إختفت شمسة ولم يعلن أي تفصيل عن مصيرها حتى اليوم، أمّا لطيفة وإثر الضجة الإعلامية حول قضيتها فقد نشرت عائلتها في شهر كانون الأول 2018 صورة لها في محاولة للإيحاء بأنّها تعيش بأمان في المنزل بعد “نجاتها” مما وصفته عائتلها ب”عملية اختطاف”. ومنذ ذلك الحين، لم تسمع منها أي من صديقاتها ولا كشف أي تفصيل عن مصيرها بعد إختفاءها بشكل تام…

الأميرة مشاعل بنت فهد بن محمد بن عبد العزيز آل سعود

في عام 1980، بثت قناة ATV البريطانية فيلماً وثائقياً/ درامياً، عنوانه «موت أميرة»، وموضوعه قصة إعدام أميرة سعودية وصديقها. وسبّب عرض هذا الفيلم أزمة دبلوماسية كبيرة بين الرياض ولندن. فقد أمر الملك خالد حينها بطرد السفير البريطاني من المملكة رداً على هذا التدخل السافر من تلفزيون بريطاني في شأن سعودي عائلي. وأمّا الممثلة المصرية سوزان أبو طالب، التي مثلت دور الأميرة القتيلة في الفيلم، فقد غيّرت اسمها إلى “سوسن بدر” حتى تتجنب تأثير الخظر السعودي عليها.

الفتاة التي روى قصّتها الفيلم المذكور، والتي لم تتجاوز يومها تسعة عشر عاماً، هي الأميرة مشاعل بنت فهد بن محمد بن عبد العزيز آل سعود التي أعدمت على يدّ والدها. وأمّا الفتى الذي اتّهم بأنه عشيقها فكان اسمه خالد المهلهل، ابن أخت اللواء علي الشاعر، السفير السعودي في لبنان حينذاك. وكتب في وصف المشهد الدموي وقتها أن جنود سعوديون تجمعوا في شكل حلقة واسعة محكمة، في موقف السيارات القريب من مبنى “الملكة” في مدينة جدة في ظُهر ذلك اليوم الجهنمي، الجمعة 15 تموز 1977، فتحوا أبواب شاحنة وأنزلوا منها شخصان مقيّدان، فتى وفتاة ترتعد فرقاً في عباءتها السوداء الطويلة. أرغمت الفتاة على الركوع بجوار كومة من الرمل وأطلق عليها الرصاص. حدث ذلك على مرأى من حبيبها الذي اعدم هو الآخر بعد ذلك  بقطع الرأس.

وفي التفاصيل فإن الأميرة مشاعل (1958 – 1977)، حفيدة الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود، أعدمت بعد أن اتهمتها بعض أعضاء الأسرة “بالزنا”. فبعدما أرسلتها أسرتها إلى لبنان لتدرس في مدرسة هناك، ارتبطت بقصة حب مع المهلهل، واستمرت العلاقة بشكل سري بعد عودتها إلى السعودية. ولعلمها رفض أسرتها لزواجها منه، قامت بتزييف غرقها وحاولت الهرب خارج السعودية برفقة حبيبها بعد أن تخفّت بزي رجل، إلاّ أن أمرها كشف في المطار وباءت محاولتهما بالفشل، وتم الإمساك بهما. بعدها طالبتها عائلتها بأن لا تعترف بالذنب مقابل عدم رؤيتها لحبيبها مرة أخرى. إلا أنها رفضت، فعادت إلي حجرة المحكمة معترفة بالذنب ثلاث مرات متتالية، وتم إعدامها في نفس اليوم.

https://www.youtube.com/watch?v=KMck0DoUO34&t=3s

بنات الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود المحتجزات

في العام 2014، تحدّثت تقارير اعلامية عن اوضاع أربع من بنات للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وكيف أنهن يخضعن للإقامة الجبرية منذ 13 عامًا بحيث لا يسمح لهن باستقبال أحد. وقتها، تحدّثت الأميرة، الأردنية الاصل، العنود الفايز الزوجة السابق للملك عبد الله عن قصة زواجها وهي في الخامسة عشرة من عمرها بعبد الله عندما كان قائدًا في الجيش لتكون الزوجة الثانية قبل أن يطلّقها مرّتين لتعود إلى بلدها دون أن يسمح لها باصطحاب بناتها معها إلى لندن حيث تعيش.

وفي أول ظهور لهنَّ على قناة ناطقة باللغة العربية وثاني ظهور تلفزيوني على مستوى العالم، كشفت الأميرة العنود الفايز وابنتاها الأميرتان سحر وجواهر المستور في حلقة خاصة من برنامج “عين على الديموقراطية” على قناة “الحرة”. وتحدثت الأميرتان عن ظروف “احتجازهما” القسري منفردتين في أحد قصور الملك في مدينة جدة، بالإضافة إلى احتجاز شقيقتهما الأميرة هلا في قصر آخر قريب إليهما، في حين لا يزال مكان وجود الشقيقة الأخرى الأميرة مها غير معروف.

الأميرتان اللتان قطع عنهما الطعام وماء الشرب حسبما ذكرتا، واللتان تتناولان طعاماً معلباً منتهية صلاحيته، حمّلتا في هذه الحلقة الخاصة شقيقيهما الأمير متعب بن عبد الله والأمير عبد العزيز بن عبد الله مسؤولية حياتهما. وحمّلت أم الأميرات الأربع الأميرة الفايز، من جانبها، المجتمع الدولي المسؤولية عن مصير بناتها، مطالبة بالإفراج عنهما والسماح لهما بمغادرة البلاد لتلقي العلاج في بريطانيا ولا سيما الأميرة مها التي تعاني مرضاً يحتاج إلى علاج خارج المملكة. وقالت الأميرة سحر، في المقابلة، إن والدها الملك مارس ضغوطا على بناته لمنعهن من إكمال دارستهن، وأضافت أن والدها منعها أيضا من مواصلة وظيفتها في احد المصارف لأن “ليس لديه بنات موظفات”. وأوضحت الأميرة جواهر من جانبها، أنها واختها سحر تقطران ماء البحر لشربه بعد نفاد الماء الصالح للشرب بسبب منع حرس القصر الأكل والشرب عنهم. كذلك كشفت الأميرة جواهر خلال الحوار، إن العاملين في القصر الملكي كانوا يضعون “الأدوية المخدرة في طعامنا وعرفنا بعد ظهور الأعراض علينا”، وأشارت إلى أنها وأخواتها أدخلن المستشفى بالإكراه، حيث تم فحصهن بواسطة أطباء نفسيين.

تفاعلت قضية الأميرات الأربع إعلاميًا لفترة لم تتجاوز الشهرين، ومن ثم إنقطعت الأخبار عن مصيرهنّ الذي لا يزال مجهول حتى تاريخ كتابة هذه السطور…

هذه القصص هي غيض من فيض المآسي التي تعايشها أميرات وملكات خلف أسوار المملكة العربية السعودية وإمارة دبي، إذ لا يزال يسمح قانون العائلة في البلدين المذكورين بمعاقبة النساء في حال العصيان. ولا داعي هنا للتذكير طبعًا بأوضاع النساء المزرية هناك، والقمع والعنف الذي يتعرضن له، من لجين الهذلول وأخواتها إلى كل إمرأة سعودية، وكل إمرأة إماراتية، في ظلّ أنظمة ولاية الرجال على النساء حتّى وإن كانت حياتهنّ الثمن. فإلى متى السكوت العالمي الفاضح عن هذه الإنتهاكات؟ أم أن المال والعمران والإنجازات المزيفة والنفط والسلطة باتوا مورفين العصر الحديث؟!

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد