لاعبو المنتخب المصري …روح رياضية عالية في حماية التحرش

أسقطت قضية المتحرش عمرو وردة لاعب المنتخب المصري ورقة التوت عن عورة مجتمعاتنا، وأسقطت معها تغريدات رفعت لنصرة النساء، وأخرى نادت بسترهنّ.

قضية التحرش وثّقتها مواقع التواصل الاجتماعي، ووثقت معها المرحلة المتقدمة التي وصل إليها اللاعب ناهيك عن لغته العدوانية، ما يعني أنّ التهمة مثبته بالأدلة، وبالتالي لا مجال للمناورة في دحضها أو نفيها أو حتى إخضاعها لمونتاج يحفظ ما تبقّى من ماء وجه المتحرش.

رفضُ سلوك اللاعب المتحرش بمنسوب عالي في العالم الافتراضي، عقبه قرار رئيس إتحاد الكرة المصري هاني أبو ريدة، والمشرف العام على منتخب مصر، استبعاد عمرو وردة من قائمة منتخب مصر في بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019، والتي تستضيفها مصر حالياً وتنتهى 19 يوليو/ تموز المقبل .

للوهلة الأولى تفاءلنا ببعضٍ من عدالةٍ منقوصة، خاصةً أن التحرش فعل يُعاقِب عليه القانون المصري بالسجن والغرامة، إلاّ أن التفاؤل سرعان ما بدده سلوك لاعبي المنتخب المصري الذين ساندوا صديقهم، تبعهم في هذه الخطوة لاعب نادي ليفربول محمد صلاح الذي سقط في أوّل امتحان لمناصرة المرأة ومناهضة العنف الجنسي، بعد سلسلة من التغريدات حول ضرورة تغيير الطريقة التي تتعامل بها النساء في ثقافتنا.

فدافع نجم نادي ليفربول عن وردة من باب الإنسانية والتسامح، وكتب على تويتر تغريدتين بدأها بإقرار قاعدة «لا تعني لا» المناهضة للإنتهاك الجنسي. ثم يكمل صلاح أنه يجب علينا أن نعطي الناس فرصة ثانية، ولا يجب إرسالهم للمقصلة بسبب خطأ؛ لأن هذه ليست الطريقة الصحيحة لحل الأمور.

لَكُنَّا تفاعلنا وتفهمّنا تغريدة صلاح لولا تسريبات تحدثت عن توسطه في اجتماعات اتحاد الكرة المصري لعودة وردة للمنتخب الوطني في اليوم ذاته.

وفعلا حظرُ وردة عن اللعب لم يدم طويلاً، أصدر الاتحاد المصري لكرة القدم بياناً قال فيه إن أزمة عمرو وردة انتهت وأن الإتحاد اكتفى بعقاب اللاعب بإيقافه حتى نهاية مباريات الدور الأول ثم العودة في الدور الـ16.

عقب القرار نشرت صفحة اتحاد الكرة الرسمية على فيسبوك وتويتر بياناً سرعان ما عادت لتحذفه تقول فيه إنّ أحمد المحمدي قائد المنتخب وأحمد حجازي وعلي غزال يؤكدون أن تكاتف اللاعبين تجاه وردة يرجع إلى شعورهم أن ما حدث لزميلهم مؤامرة خبيثة في هذا التوقيت خاصةً أن اللاعب كان ملتزمًا جدًا أثناء المعسكر وأن التسريبات التي ظهرت كانت قديمة فكيف يتم محاسبة اللاعب على أفعال قديمة لم تحدث في المعسكر الحالي.

وتابع الإتحاد في بيانه أن محمد صلاح يرى أن وردة أخطأ بالفعل ويستحق العقاب، ولكن يجب الحفاظ على مستقبل اللاعب خاصة بعد ظهور هذه التسريبات التي من الممكن أن تنهي مستقبله الكروي فكان من الضروري استمراره مع المنتخب الوطني والاكتفاء بحرمانه من المشاركة في مباريات الدور الأول.

مساندة اللاعب وردة لم تنتهي هنا بل شاركت دار الإفتاء المصرية في الدفاع عنه مصرحةً بأن الستر على مؤمن من صفات الأنبياء، ماذا عن فعل التحرش الموثّق؟ ولماذا لم نشهد تسامح مماثل في تسريب فيديو جنسي لممثلتين مصريتين مع المخرج خالد يوسف، حيث قُبض على الفتاتين ودُمِّرَ مستقبلهنّ المهني والشخصي بعد اتهامهنّ على إثره بتهم مخلة بالشرف.

وماذا عن حالة الممثلة المصرية رانيا يوسف و”واقعة” ارتدائها لباس شفاف كشف ساقيها أواخر العام الماضي، في الحفل الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي،  في قضية وصلت حينها  للإعلام الغربي، ورجمت خلالها الممثلة وأجبرت على الاعتذار عن اختيارها الزي على شاشة التلفزيون المباشر، لتسقط عنها تهمة أن”(مظهرها) لم يكن مطابقًا للقيم والتقاليد والأخلاق المجتمعية، وبالتالي قوض سمعة المهرجان وسمعة المرأة المصرية على وجه الخصوص”.

وقٌدِّم فيها بلاغاً من ثلاث صفحات للنائب العام وهو ما ذكّرت به في تغريدتين لها متسائلة فستاني خدش الحياء العام لكن التحرش لا ؟

وتابعت في تغريدة أخرى “محاربه ظاهره التحرش لا تقل أهميه عن فوزنا بكأس الأمم الأفريقية بل بالعكس يمكن أكثر قدام نفسنا وقدام العالم.. الرياضه أخلاق، رأيي الشخصي المتواضع” .

قضية عمرو وردة أثبتت أن مجتمعاتنا لا تزال تعتمد سياسة الكيل بمكيالين وسياسة المعايير المزدوجة، وأنَّ ما يُطبق على الرجال لا يطبق على النساء، لأنّ أجسادهن موضوع للنقاش العام، يُستباح، ويُنهش، ويُستر فقط في الحالات التي تلائم الرجل.

مهما أبدع المنتخب المصري وسجّل انتصارات في مبارياته في كأس الأمم الإفريقية، تبقى نتيجته في الأخلاق الرياضية خالية من أي هدف.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد