هل يكافىء القانون مغتصب فتاة حصرون “القاصر” بالزواج منها؟

خمسة عشر عاماً كانت كفيلة بأن تُجبر فتاة قاصر على خوض أبشع التجارب، وتتلقى عنفًا مرعب من أقرب الناس إليها.

هي قصة ابنة بلدة حصرون قضاء بشري في لبنان التي تصدّرت أخبارها وسائل الإعلام بعدما تعرّضت للإغتصاب، وتوالت فصول حكايتها مع إدّعاء والدها على شخصين بتهمة اغتصاب ابنته.

هذه الحكاية رفعت الستارعن جرائم بالجملة تعرّضت لها القاصر المولودة في العام 2004، خاصة أن أحد الشخصين الذين إدّعا عليهما الوالد، وهما اللبنانيين ي ـ س (42 عاما) و ت ـ م (46 عاما)، إعترف خلال التحقيق معه بأن والد الفتاة أعلمه بأنه سبق و”مارس الجنس” مع ابنته عندما كان يسهر في منزلهم، حيث قال له الأب أثناء خروجه من غرفة ابنته حينها “غلّطت بين مرتي وبنتي”. وبمراجعة القضاء مجدداً تم توقيف الوالد والوالدة والمدّعى عليهما وأحيلوا إلى مفرزة طرابلس القضائية.

هذا ولم تخرج إفادة الفتاة القاصر من السياق، إذ أكّدت أنّ المتهم ي- س قد قام بإغتصابها قبل عامين ونصف أكثر من مرة حيث كان يتفرّد بها حينما تكون وحيدة في المنزل واعداً إياها بالزواج فضلًا عن تهديدها لمنعها من إخبار والديها. وقالت القاصر إن المتهم  ت- م أيضًا عمل على التقرّب منها بحجّة الزواج وإغتصبها عدة مرات.

وكشفت الفتاة بأنه منذ فترة قصيرة أخبرت والدتها التي تحدّثت بدورها إلى المتهم ت- م لتكتشف أنه كان يعطي المال لوالدها، الذي بدوره علم بما يجري مع إبنته في الثاني من آب وطلب منها الإدعاء بأن ت- م الموقوف قد “حضر إلى المنزل في منتصف الليل وحاول الإعتداء عليها لكنها بدأت الصراخ”.

المتهمان نفيا اغتصاب الفتاة فقال الأول إنه يريد الزواج بها والثاني إنه في علاقة حب معها، وحتى الساعة لا يزالان إلى جانب الأب رهن التحقيق، في الوقت الذي تمّ الإفراج فيه عن الوالدة مع تعهّدها بعدم التعرّض للفتاة أوأشقائها.

الأهل إذًا أخفقوا في حماية ابنتهم الطفلة التي باتت اليوم في عهدة جمعية تضمن حمايتها، لكن من يحميها اليوم في القانون اللبناني الذي يفتقد في مواده إلى حماية القاصر في حال تعرّضها للاغتصاب وإذا كان عمرها يتراوح بين 15 و 18 عامًا، خاصةً أن المتهمين بإدعائهما الزواج من الفتاة أو إقامة علاقة حب معها، يكونان قد فتحا باب فرارهم من العقاب من خلال مفاعيل المادة 522، التي ألغاها المجلس النيابي في آب 2017 بشكل جزئي، مع الإبقاء على مضمونها في المواد 505 و518 عقوبات. فهل سيلجأ المتهمان إلى مفاعيل المادة 522 للتفلت من العقاب؟

هذا السؤال طرحه موقع “شريكة ولكن” على نائبة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية السيدة عبير شبارو، التي أكدت أن الفتاة قاصر بحسب كل الاتفاقيات الدولية، وبالتالي فإنّ تعرّضها للإغتصاب يوجّب على الدولة تنفيذ عقوبة مشدّدة بحقّ المعتدين حتى نقفل الباب في وجه إستسهال الإعتداء والتغرير بالطفلات .

وأكدت شبارو أن الهيئة وبمساندة كل من النواب جيلبرت زوين ونبيل نقولا وآلان عون، قدّمت في نوفمبر 2017 قانون يرمي إلى تعديل المادتين 505 و519 من قانون العقوبات اللبناني وإلغاء المادة 518 من القانون نفسه، وهو موجود حاليًا في المجلس النيابي ومرفق بالأسباب الموجبة.

إذًا يبدو جليًا أن إلغاء المادة 522 على أهميته، شكّل خطوة ناقصة بحيث لم يؤمّن الحماية الكافية للفتيات القاصرات، لأنه أبقى على مفعول أحكام المادة عندما تتوافر عناصر جرم المادة 505، أي في حالة مجامعة القاصر الذي أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة، بحيث اذا تزوج الجاني من ضحيته توقفت الملاحقة او المحاكمة بحقّه. ومن جهة ثانية، فإن التعديل الأخير أبقى أيضًا على مفعول أحكام المادة 522 بالنسبة للجرم المنصوص عليه في المادة 518 عقوبات بحيث يعفى من العقوبة كل من أقدم على فض بكارة فتاة، راشدة أم قاصرة، بالإغواء والوعد بالزواج، في حال أقدم على الزواج منها.

وفيما يتعلق بالمادة 519 عقوبات، والتي تهدف الى حماية القاصر، ذكر أم انثى، من الاستغلال الجنسي لا سيما الملامسة او المداعبة المنافية للحياء، طالبت الهيئة في القانون المقدم أن يتم إلغاء عبارة “دون رضاه” من مضمون أحكام المادة، خاصة أن الاستغلال الجنسي الموصوف اذا تم من دون رضى القاصر، ينطبق عليه وصف جرائم أخرى منصوص عليها في الفصل عينه من قانون العقوبات.

وتابعت شبارو أن هذا القانون هو واحد من قوانين عديدة تعمل عليها الهيئة، أبرزها تزويج القاصرات، وإزالة المواد المجحفة من قانون العقوبات، وتعديل قانون العنف الأسري،  كما أكدت سعي الهيئة لحماية النساء والطفلات من خلال استراتيجيتها الهادفة إلى مكافحة العنف ضد النساء. وختمت شبارو بدعوة كل الهيئات النسائية لتوحيد جهودها مع الهيئة الوطنية لإقرار هذه القوانين في البرلمان اللبناني.

وحتى ذلك الحين، كم من مجرم سيجد في مفاعيل المادة فرصة للتنصّل من عقوبة فعلته، ووسيلة مقوننة لإغتصاب الضحية الطفلة كل يوم من خلال الزواج بها؟ وإلى متى ستبقى هذه المواد وإمكانية تعديلها مرهونة بضغوطات المؤسسات الدينية التابعة للطوائف وبتعاطي المجلس النيابي بإستخفاف بالملفات المرتبطة بحقوق النساء والطفلات؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد