حسنًا…أجسادنا ليست أملاكًا عامة!

كنت أهمّ بالخروج من مكان عملي حين إستوقفتني إحدى الزميلات لإلقاء التحية، سؤال عن العمل وآخر عن العائلة، وبعدها تعليق مفاجىء عبّرت فيه زميلتي عن “انبهارها” بجمالي على الرغم من “جسمي الممتلىء”. أعادني تعليقها مباشرة إلى أيّام مضت وبالتحديد إلى موقع تويتر الذي ضاج بالكثير من الفيديوهات والتعليقات على النساء وأجسادهن تزامنًا مع بدء موسم الصيف. فقد نشر أحد الرجال مقطعاً مصورًا يعترض فيه على ارتداء إمراة نحيفة للباس البحر بقطعتين، معتبرًا أنه على الرغم من نحافتها فإن جسمها مليء “بالسيليلويت” وبالتالي يجب عليها عدم ارتياد البحر أو أقلّه إخفاء تلك “العيوب “من جسمها. لتوافقه أخرى بالتعليقات متسائلة “من أين تأتي النساء الممتلئات بالثقة لإرتداء ملابس السباحة والنزول إلى البحر”.

بالنسبة لي، يتعدّى الأمر حدود الإستغراب من هذه التعليقات. إنّه بالفعل لأمر مخيف. مُخيفة هي قدرة الناس على المجاهرة بأحكامهم على أجساد النساء بمقاييسها المختلفة. مُخيفة هي رغبتهم بالتحكم بأجساد النساء وأشكالها باعتبارها ملكًا عامًا وعلى الجميع المشاركة في تحديد قياساته، كيفية استعماله ومدة صلاحيته.

على مرّ التاريخ، كان لكلّ حقبة زمنية معايير مختلفة لأجساد النساء، للأسف، لم يكن للمرأة أيّ دور في وضعها أو حتى حرية مجادلتها. معايير تُفرض، صدرٌ ممتلئ وأكتافٌ نحيفة، بعدها جسد نحيف من الرأس حتى أخمص القدمين، مؤخرة كبيرة وأوراك ممتلئة. هل تساءلنا يوماً لماذا يجب علينا الامتثال لهذه المعايير؟ لماذا تُعامل أجسادنا كالسلع؟ كلّ يوم معايير جديدة تجبرنا على التأقلم، وفي حال الرفض يتمّ قمعنا من قبل المجتمع بحجة عدم الانصياع لما يحبون رؤيته.

هل تساءلنا يوماً كنساء من هو المستفيد الأول من وراء شرائنا لمنتجات التنحيف؟ تلك الألبسة أو غيرها؟ هل تساءلنا يومًا لماذا أغلب الفتيات غير راضيات عن أجسادهن؟ تلك الأجساد التي يتمّ وضعها على أغلفة المجلات، هل تعلمون أنّه من أصل 40 ألف امرأة في العالم امرأة واحدة تملك جسدًا كأجساد عارضات الأزياء.

لا شكً بأنّ “معايير” الجسم المثالي” والجمال مرتبطة بشكل أساسي بسوق الموضة العالمي والذي يقوم بالترويج لما يناسبه والذي يحقق له الأرباح المبتغاة. كلّ ما يتمّ الترويج له من معايير هدفه الأول والأخير التأثير على أنماط الشراء الخاصة فينا كنساء.

ولكن، لنذهب أبعد من ذلك. إن أجسادنا هي صورة أساسية وجانب أساسي من جوانب هويتنا ومفهومنا الذاتي، ولنسأل: لماذا على أجساد النساء أن تكون دائماً هي المحور؟ محور القوانين، محور العظات، محور الشرف، محور التقبّل من قبل المجتمع أو الرفض؟

إن القوانين، الموضة، الأسواق العالمية…. كل هذه المنظومة المجتمعية المتكاملة تهدف دائماً إلى قمع النساء وتجريدهنّ من القدرة على التحكم بكل ما يتعلق بمفاصل حياتهنّ وابقاء السيطرة لصالح الرجل.

إن قدرتنا على التحكم بأجسادنا لا يجب أن تخضع لمعايير موضة، أو رغبة أحد هنا وآخر هناك. تلك القدرة يجب أن نمتلكها نحن النساء دون الخضوع لمفاهيم وُضِعت لإقصائنا. بجسم ممتلىء أو نحيف، بحجاب أو عباءة. علينا الخروج إلى مجتمعاتنا والقيام بأعمالنا، ممارسة هواياتنا، التنقّل، الرقص، الحُلُم، دون الخوف من حكم مسبق على جسدٍ يخصّنا نحن فقط…نعم..لأن أجسادنا ليست أملاكًا عامة!

 

الصورة مأخوذة من صفحة خرابيش نسوية على موقع “فايسبوك”

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد