فضيحة برسم لجنة الإدارة والعدل

غالباً ما يتم تعميم أخبار عن أشخاص مفقودين، لكن هذه المرة التعميم مختلف، إذ نشرت المواقع الإخبارية الإلكترونية منذ أيام خبراً وصفته بالمحزن، وخبراً آخر يطلب المساعدة ويسأل إذا كنا نعرف شيئاً عن يانا شمس الدين، وهي قاصر من مواليد عام ٢٠٠٤، عممت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنها فُقدت في محلة spot mall الشويفات بتاريخ 7/9/2019.

الخبر المحزن لم ينته هنا، بل يبدو أنه بدأ للتو، مع تداول صورة عبر مواقع التواصل الإجتماعي تظهر فيها القاصرة يانا “تعقد قرانها في الشوف على شاب من عائلة يحيى”، ومن يعقد قرانها هو رجل دين. حيث أكدت مصادر خاصة ذات صلة بالموضوع أن خبر تزويج الطفلة يانا خبر يقين وأن الطفلة “طلعت خطيفة”.


بعد إجراء إتصالات مع القوى الأمنية التي عممت خبر الإختفاء، صرَّح مسؤولون أن شعبة العلاقات العامة في القوى الأمنية لا تستطيع الإدلاء بأيّ معلومات، وأن هذا الملف خرج عن مسؤولية القوى الأمنية خصوصاً بعد العثور على الطفلة، وبالتالي لا علاقة تربطهم بهذا الموضوع. وبعد تواصلنا أمس مع مخفر قبرشمون حيث قدم البلاغ عن الطفلة، صرّح المخفر أن محضر الطفلة يانا ما زال مفتوحاً ولا يمكن الإدلاء بأي معلومات، وأن هذا الموضوع هو شأن عائلي لا يمكن التصريح عنه حتى إغلاق الملف، وبالفعل اليوم بتاريخ ١١ أيلول أغلق الملف وأصبح بعهدة الأهل.
تابعنا البحث، للتأكد من مصداقية الصورة التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وتبين لنا من مصادر تسكن في نفس البلدة التي ستنقل نفوس الطفلة إليها، أنّ خبر تزويج الطفلة لشاب من عائلة يحيى خبر موثوق، لكنَّ الأهل والمحيط يحاولون لملمة الموضوع والتستر عليه.
لا شك أن إختفاء القاصر شمس الدين شكّل إرباكاً لدى أهل الطفلة، خاصةً أنَّها من مواليد عام ٢٠٠٤، ولا نعرف بعد إذا أتمت سن الخامسة عشر كما هي مسجلة في دوائر النفوس في الدولة اللبنانية، ولابد أن يشكل إرباكاً لدى طائفة الموحدين الدروز، الذين عدّلوا المادّة 5 من قانون الأحوال الشخصيّة لتصبح على الشكل الآتي: لا يجوز لأيّ كان أن يُزوّج الصغير الذي لم يتم السادسة عشرة والصغيرة التي لم تتم الخامسة عشرة.
أما الفضيحة هنا هي أن الطفلة تم تزويجها من دون علم أولياء أمرها وعلى يد رجل دين، كما أكد لنا أكثر من مصدر!
كما أن فعل “الخطيفة” لم يأخذ بعين الإعتبار إجراء أي تحاليل طبية للزوجين، ما يعني أن التزويج تمّ من دون أي معايير أو ضوابط صحية أيضاً، وهنا نتساءل من هي الجهة المسؤولة عن مراقبة تطبيق هذه الإجراءات؟ وهل يُعد ما حصل قانونياً ؟
وإستباقاً لتعليقات الإرادة وحرية الإختيار في موضوع تزويج الطفلات، وكي لا يقال لنا ” بلكي هي حابة تتزوج شو بدكن فيها” أقول إنّ الطفلة لم تبلغ بعد سنّ الثامنة عشر وهو السن الذي يُعدُّ دولياً وبحسب إتفاقية حقوق الطفل، السن الذي يفصل بين مرحلة الطفولة ومرحلة الإستقلالية واتخاذ القرارات.
ونُذَكِّر أنَّ في لبنان لا يستطيع الفرد إبرام العقود أو قيادة سيارة وغيرها من المعاملات الرسمية، ناهيك عن أنّ الطفل/ة القاصر بحسب كل الدراسات الطبية والنفسية لا يعد ناضجاً على هذين المستويين، ما يعرضه لمخاطر متعددة!
وفي العودة إلى أجهزة الدولة التي عممت خبر إختفاء الطفلة، باتت اليوم مطالبة بإكمال مهمّتها في محاسبة المجرمين والخاطفين والمشاركين في “الخطيفة”، وذلك استناداً للمادة 514 من قانون العقوبات اللبناني التي تنصّ على “أن من خطف بالخداع أو العنف فتاة أو إمرأة بقصد الزواج عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات”. علماً أن إختفاء الطفلة وتبليغ أهلها عنها يعني أن الطفلة خطفت ولا جدال أن “العروس” لم تبلغ بعد حد النضج حتى تتخذ قرار الزواج.

ما نشاهده ونسمعه فضيحة برسم مجلس النواب اللبناني، خصوصاً لجنة الإدارة والعدل التي لا تزال تؤجل مناقشة قانون حماية الأطفال والطفلات الذي قدّمه التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني – RDFL منذ العام 2017 ، ولم تخطو فيه حتى اليوم أي خطوة تبشّر بالخير، في ظل المماطلة وإهمال التوصيات الدولية والأهلية والمدنية.
لا يوجد في لبنان سن دنيا للزواج أو قانون مدني ينظم شؤون الأحوال الشخصية. بل تحدد المحاكم الدينية السن الدنيا للزواج حسب 15 قانونا للأحوال الشخصية، منها ما يسمح بتزويج فتيات لا تبلغ أعمارهن 15 سنة، ويانا واحدة منهن.
وحالياً يعمل التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني- RDFL، بالتعاون مع التحالف الوطني لإنهاء التزويج المبكر في لبنان، على تحديد سن الزواج على الأراضي اللبنانية بثمانية عشر سنة مكتملة للذكر والأنثى دون أي استثناء.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد