نادين… أحيت في تشرين ربيعًا نسويًّا

وحدهنّ اللّواتي تحمّلن العنف الجسديّ والإهانة لأجل حضانة أبنائهنّ، يَبكين بحرقة “أم كرم”، وحدهنّ اللواتي حُرِمْنّ من حضانة أطفالهنّ بسبب فتاوى دينيّة يَعلمنَّ جيّدًا أين يكمن الوجع برحيل “ام كرم”، وحدهنّ السجينات بتهمة الأمومة، واللواتي عايشن ظلم قرارات المحاكم الدينيّة يعلمنّ جيّدًا كيف ماتت “أمّ كرم” ومن هو قاتِلها الحقيقيّ!

أسبوعٌ مضى على رحيلك نادين، حتّى اللحظة وأنا أحاول استيعاب كيف يمكن للقدر أن يكون متآمرًا لهذه الدرجة على الأمّهات، على اللّواتي رفضن أن تتحكّم أو تسلبهنّ محاكم دينيّة أمومتهنّ، كيف للقدر أن يتآمر مع هذه القرارات ويسرقك بلمح البصر من ميدان زرعت فيه ثورة وقضيّة، حاربت فيه بكلّ أمومتك للانتصار لها؟

أم أنّ القدر ذكوريّ الأفعال والتصوّرات، أنهكته امرأة صلبة مثلك، أزعجه صوتها الثائر في وجه عماماتهم وذكوريّتهم، خاف من شعاراتها وألوان الفرح رغم السوداويّة التي حاصرها بها؟!… “أم كرم” مراسم رحيلك أيقظت فينا شيئاً من التمرّد من الغضب بوجه كلِّ الطقوس الذكوريّة التي تمارس يوميًّا علينا كنساء، أيقظت فينا خوفًا تسكنه حماسة نحو الثورة في وجه النظام البطريركي والأحكام الأبويّة، التي تحاصرنا، نحن النساء، في مجتمعات مكبّلة بالفتاوى والعادات والتقاليد والقوانين التي ليست إلّا مرآة للعقليّة الذكوريّة.

لقد بات تشرين، يا نادين، موسم تفتّحت فيه فكرة نسويّة، تشبه ضحكتك، جرأتك، حماستك، وثورتك، جميعها مجتمعةً غيّرت مفاهيم الموت، لتختار من معنى اسمك أن يصار الموت أملا وتفاؤلًا رغم بشاعته، ليجعلك ملهمةً، قضيّةً وفكرةً لتخلّد معنا.

ما ورد في الأحاديث الدينيّة حول الأمّهات سقط يا نادين بعد رحيلك، سقط في كلّ مرّة كانت أمّهات تحرمنّ من حضانة أولادهنّ، في كلّ مرّة كانت تعنّف وتضرب أمّ وتبقى لأجل حضانة أولادها خاضعةً لكلّ أحكام الرجل وغرائزه… فقط لأجلهم. “الجنّة تحت أقدام الأمّهات”! لقد أسقطوا الجنّة، ولُعنت أديانهم وأحكامهم يوم سلبت أمومتكن من بين أحضانكن، يوم خبّأ رجال الدين ظلمهم في أثوابهم وعباءاتهم وعماماتهم، ليشرعنه عبر الدين ويفتوا ما يخدم أولويّاتهم رغبة بحماية سلطة الأب والسيطرة على المرأة. فرجال الدين، يا نادين، لا يتمتعون بالمعرفة الكافية، ولكنّهم يدركون جيّدا كيف يمارسون الظلم ويشرّعنه عبر الدين ليحصّنوا ذكوريّتهم.

لقد سقطت كل الأحاديث الدينيّة برحيلك نادين، تلك الأحاديث التي تلاعبوا بها رجال الدين مع مراجعهم ليتآمروا على كل الأمّهات، أولئك الذين يتعاطون مع قضيّة حضانة الأطفال من منطلق الحرص على نشأة الأطفال الدينية، وضرورة أن تكون الأم قادرة على نقل التعاليم الدينية لأولادها. وكيف للنساء أن تحرصن على نقل تعاليمكم وأديانكم تسودها مراجع ذكوريّة تسلب النساء حقوقهنّ وأمومتهنّ. أيّ دين تريدون أن ننقله لأبنائنا؟ دين لا يهتزّ لحرقة أم، تسوده أحكام تحقّر النساء وتنشر العقليّة الذكوريّة وترسّخ النظام الأبويّ؟ كيف نرسّخه في أذهان أطفالنا ونحن ندرك المعاناة والضرر الذي لحق بنا وبأطفالنا بسبب تشريعاتكم ونصوصكم وقوانينكم التي همّها الحفاظ على الأدوار الاجتماعيّة وإبقاء النساء تحت حكم الرجال؟

ربّما القدر كان متآمرًا معهم مع ذكوريّتهم، هم الذين قتلوك بقرارهم الظالم فأحييت من موتك الأوّل قضيّةً، ومن الموت الأخير ثورة نسويّة لتنتصر يومًا لقضيّة الأمومة. لم يعلم قاتلوك يا نادين أنّ المجتمع الذي تنتمين اليه تَكَوَّن من رحم أمّهات؛ قويّات ضعيفات، ثائرات خائفات، جميلات معنّفات مغتصبات، ومتمرّدات مقاومات، حاملات قضايا خلقت معهن منذ ولادتهنّ، من مجتمع نشأت فيه نسويّات تساندن بعضهنّ، وفيّات للرفيقات.

نادين قضيّة وفكرة و”الفكرة لا تموت”. نامي نادين بسلام، غدا تثور الأمّهات، وتشعل الحركات النسويّة نيران الغضب، لتكسّر قيود أنظمتهم البطريركيّة وتحرّر النساء الأخريات من جلاديهن، فتثور على قوقعتهن التي وضعتها قوانين ذكوريّة. نامي يا زهرة تشرين، فغدا نثور في وجه القوانين لدى جميع الطوائف في لبنان لأجل مصلحة أطفالنا، ضد أحكامهم التمييزية بحقّنا.

صوتك نادين لن يغيب عنّا سيبقى معنا في كلّ مواجهة مطالبة بقانون مدنيّ للأحوال الشخصيّة، غدا ننتصر معًا على أحكامهم المجحفة ضدنا، ونحتفل بانتصارنا معًا…

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد