حضانة قيد الدرس!

الصورة من صفحة  المصور نبيل اسماعيل

 

عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة، المقال أدناه يَمُتُّ إلى الواقع بكثيرٍ من الصلة. وقد كتبته نسوية متطرّفة بأمومتها.. وَتَفْخَر.

عقارب الساعة تشير إلى الثالثة صباحًا، أنظر إلى يميني أجد الدانيال نائمًا بهدوء؛ ثم أستدير إلى يساري لأرى الطاولة وعليها بعضًا من الأدوية، كأس الماء، وعلبة مناديل ورقية. أصارع النعاس، أشرب كميات هائلة من الكافيين للانتصار على رغبتي الشديدة في  النوم، فأنا أحتاج إلى مراقبة حرارة الدانيال والتأكّد من عدم ارتفاعها. أتصفح هاتفي فيطالعني خبر امراة حُرمت من حضانة ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، هو خبر كُنْتُ قد شاركته على موقع التويتر وخَلَقَ جدالًا وتفاعلاً واسِعَيْن.

زهراء سيدّة تُوفيّ زوجها، وعندما قرّرت الزواج مجدداً، قام جدّ الطفلة بخطفِها ورَفْضِ إعادتِها إلى والدتها، واستحصل خلال 24 ساعة على قرار من المحكمة الجعفرية بحضانة الطفلة. أقرأ التعليقات، يستفزّني جزءٌ منها فالبعض يلوم الأمّ على زواجها، فهي مَنْ كان يجبُ أن تنذر حياتها لتربية ابنتها. بالنسبة للبعض عليها التضحية حتى تصبح أسيرة المنزل وتضحي لتستحق “لقب وشرف” الأمومة. تعيدني قصّة زهراء إلى تاريخ طويل من عذابات النساء حولي وإلى منظومة تحاول الاستحكام بهم بقوة وشراسة: مجتمعٌ يقمع النساء، جاهز لرمي الاتهامات، برعاية شرعيات دينية تسبغ “قدسية” على أحكامها الجائرة بحق النساء.

15 قانوناً للأحوال الشخصية تصنّف النساء دائماً في خانة المذنبة.. 15 قانوناً مرتبطة بقضية الحضانة.. فإنْ تطلقت لا بُدّ أنَّها المذنبة، والعقاب حرمانها من حضانة أطفالها وحرمان أطفالها منها. إن ترمّلت، تموت مع شريكها ويحرّم عليها الزواج مرّة أخرى في حال أرادت الاحتفاظ بحضانة أطفالها، وبخلاف ذلك تُعتبر غير مؤهلة لتربية فلذة كبدها وبالتالي لا يحق لها الحصول على الحضانة.

دوّامة لا بل حلقة مفرغة ندور فيها نحن النساء.. منذ ولادتنا وإلى يوم وفاتنا، نعمل أضعاف الأضعاف لنثبت أنَّنا مؤهلات لأبسط المهام. فما بالك بتربية أطفالنا!

عند كل مفصل، نحن تحت المجهر وخاضعات للاختبار وبالتالي علينا إثبات أهليتنا واستحقاقنا للقب الأمومة.. ضغط إضافي لكل الضغوط التي نعيشها. ولكن لنعد إلى لُبّ المشكلة، نحن مواطنات ومِنْ حقنا أن نعيش في بلد تحكمه قوانين مدنية وقانون أحوال شخصيّة موحّد يضع مصلحة الطفل كأولوية ويعامل النساء كمواطنات وليس كملحقات للرجل.

أمَا بعد، نحن كنساء وأمهات لَنْ نسمح بعد الآن أن يتمَّ الحكم على أهليتنا أو عدمها في تربية أطفالنا من قبل مجتمع يتّسم بالنفاق وبازدواجية المعايير. فنحن اللواتي حملن أطفالنا تسعة أشهر وتحمّلنا آلام الولادة. نحن من نسهر الليالي حرصاً على صحة أطفالنا، نبكي على ألمهم سرًا ونكون قويات إلى جانبهم. نحن من نستيقظ صباحاً قبلهم بساعات لتحضيرهم من أجل الذهاب إلى المدرسة. نحن من نربط أي قرار يتعلق بحياتنا ومستقبلنا بمصلحة أطفالنا أولا. نحن من نغني بجنون إلى جانبهم، نرافقهم في أوّل درس للسباحة ويرافقوننا إلى أوّل تظاهرة لنرسّخ فيهم مفهوم المواطنية ونحثّهم على إكمال مسيرتنا في بناء وطن أفضل.

نحن من نضحك معهم بفرح ونحضنهم في حالات الحزن. نحن الأمهات من نعمل ليل نهار لتأمين احتياجاتهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية. نحن من لم نستسلم يوماً ولم نتخلَّ يومًا عن مسؤوليتنا تجاه أطفالنا كما يفعل كثيرون. فلتتوقفوا عن إصدار الأحكام علينا، ولتنكفئوا عن جوركم وظلمكم. حضانة أطفالنا حقّنا وحقّهم!

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد