مش كل البيوت آمنة!

في الوقت الذي يُفترض أن يُشكِّل التزام الناس بملازمة منازلهم ملجأ آمنا لسلامتهم، يتحوَّل الحجر وملازمة المنزل تهديداً لسلامة وأمان بعض النساء ولحيواتهنّ.

فقد وَجَدَ آلاف النساء والأطفال أنفسهم أمام احتمالية تزايد العنف المنزلي، الواقع عليهم من أقرب الناس، كونهم الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً في المجتمع، بعد قرار دولٍ عدة حول العالم بحظر التجوّل لمنع انتشار كورونا.  فالحجر هو وضعٌ جديدٌ وغريبٌ على العائلات، ما يعني أن بعض الأفراد سيجدون صعوبةً للتعامل معه. قد يساعد تواجد أفراد الأسرة على مساحةٍ مغلقةٍ ولفتراتٍ طويلةٍ في “توتر العلاقات” العائلية، فالتقارب المكاني الحالي يضع أفرادَ الأسرة في تماسٍ مباشرٍ فيما بينهم، وهو قد يؤدي إلى ضغطٍ نفسيٍ، يتحوّل إلى عنفٍ جسديٍ في حال لم يجرِ احتواؤه. وتوقّع خبراء ظهور حالاتٍ جديدةٍ من العنف الأسري وارتفاع  في حالات العنف ضد النساء وزنى المحارم وتزويج القاصرات، خاصةً في ظلِّ غياب خيار الهرب أو اللجوء إلى بيوت الأهل أو الأصدقاء.

وأكدت مقررة الأمم المتحدة الخاصة، المعنية بالعنف ضد المرأة، دوبرافكا سيمونوفيتش، أنَّه “من المرجح جداً أن تزيد معدلات العنف المنزلي المنتشرة حسب ما توضح تقارير الشرطة الأولية وخطوط الإبلاغ الساخنة”.
وطالبت المقررة الأممية الخاصة الحكومات بدعم حقوق الإنسان للنساء والأطفال في ظل هذه الأوضاع والقيام “بإجراءات عاجلة لضحايا مثل هذا العنف”.

ويتفاقم الخطر في تزايد حالات العنف هذه “في وقت تنعدم أو تقِل فيه الملاجئ وخدمات مساعدة للضحايا.” وحسبما أشارت سيمونوفيتش فإنَّ “صعوبة الوصول إلى الملاجئ التي لا تزال مفتوحة وتوفر دعم مجتمعي وتدخلات شرطية أقلّ من المعتاد، يزيد من مخاطر ارتفاع الحالات. وقلة وصول إلى العدالة لأن العديد من المحاكم مغلقة”.

على الرغم من أن الأزمة المستمرة لم يسبق لها مثيل، يجب أن يكون احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان في صميم استجابات الدولة لها. وفي هذا الصدد، من المهم اتخاذ تدابير لحماية الفئات الأكثر عرضةً للعنف والتنمر، ومنها فئات كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والتي يساهم تراكم الهويات في ازدياد احتمال العنف ضدها، كأن تكون امرأة كبيرة في السن وذات إعاقة. ويجدر التذكير بأنَّ المادة 11 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) تنص على أن تتخذ الدول “جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك حالات النزاع المسلّح وحالات الطوارئ الإنسانية وحدوث الكوارث الطبيعية”.

في لبنان، أكدت قوى الامن الداخلي على ارتفاع عدد الشكاوى على الخط الساخن الذي خصصته لتلقي التبليغ عن حالات العنف الاسري بنسبة مئة بالمئة اذا ما تمت المقارنة بين شهري آذار ٢٠١٩ وآذار ٢٠٢٠.

وأجمعت الجمعيات العاملة على مساندة ضحايا العنف الاسري وحمايتهن، على ارتفاع اتصالات التبليغ وعدد طلب المشورات القانونية والدعم النفسي.

وبسؤال الأجهزة المختصة أفادت أنَّه بناءً على القرار الصادر عن وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى فانَّ “المراجع القضائية المدنية المختصة تستمر في اتخاذ التدابير المستعجلة حيث تدعو الحاجة” وتعتبر قضايا العنف الأسري منها إذ أنها تهدد حياة النساء وأفراد الأسرة مباشرة.

وبالنسبة للشكاوى في المخفر، “تتبع الإجراءات العادية ويتم استدعاء الزوج والاستماع إلى إفادته واتخاذ جميع التدابير التي تحمي المرأة وأولادها… ولكن يتم اللجوء إلى التوقيف بصورة أضيق وأقل بكثير من الوضع الطبيعي بسبب الخوف من المرض…” كما أفادت المحامية العامة الاستئنافية لقضايا العنف الاسري في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب.

وفي قضايا الحضانة والمشاهدة، ينصح بتفاهم الوالدين على مراعاة مصلحة الأولاد العليا تجنباً لتعريضهم للاحتكاك مع عدد من الأشخاص كعناصر الدرك والمباشرين الذين يقومون بتبليغ الدعاوى وذلك حفاظاً على سلامتهم.

يبقى أن ننصح النساء المعرضات للعنف بالاحتفاظ بوثائقهن الرسمية، مثل الهوية الشخصية والتأمين الصحي، بالإضافة إلى الأرقام الخاصة بالطوارئ في مكان قريب منهنّ، والتواصل مع أشخاص يثقن بقدرتهم على تقديم المساعدة حين الحاجة، وبالابتعاد عن الأماكن المغلقة التي يمكن أن يحتجزن فيها داخل المنزل، وعن المطبخ حيث الأدوات الحادة في حال نشوب خلاف. أمَّا اللواتي يتابعن مع مؤسسات تعنى في قضايا العنف، فينصحن بالاستمرار بالتواصل مع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في حال تعرضهنّ لأيّ عنف أو ضائقة.

في ظل الطوارئ الصحية، يعتبر الكثيرون الحديث عن العنف تشتيتاً في غير مكانه، إلّا أنَّه تحديداً في هذه الفترة تتضاعف الحاجة للتذكير بهذا العنف والتضامن المجتمعي مع ضحاياه.

إن حال الطوارئ يجب ألا يكون دافعاً لتعزيز النظام الذكوري البطريركي في فرض معاييره وفرصة للانقضاض على المكتسبات التي حققتها المرأة، وذلك من خلال عدم التسامح مطلقاً مع مرتكبي العنف ضد النساء والتشديد على الرفض التام لكافة الهيئات النسوية من أن يطال أي اقتراح قانون لعفو عام قتلة النساء.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد