“الشاشة ما بتحمي”: أرقام صادمة حول العنف الإلكتروني ضدّ النساء والفتيات وناجيات يرفعن الصوت

طبيعي نتعرض لتحرش على الأونلاين”؟

ارتفاع نسب العنف والإبتزاز الإلكتروني الممارس ضد النساء والفتيات، وعدم وجود آليات كافية لمواجهته، نمّط الظاهرة وحوّلها إلى فعل يومي يُمارسه المعنّف على إعتبار أنه “طبيعي نتعرض لتحرش على الأونلاين”. عدد كبير من النساء والفتيات لا يمتلكن أدوات المواجهة، خاصة أنهن يعانين أصلاً من ارتفاع في نسبة العنف الأسري ضدهنّ، أفكار وثقافة مجتمعية أبوية تقوم على لوم النساء والتمييز بحقّهن، وضغوط معيشية نظرًا للأوضاع الإقتصادية الصعبة في البلاد، أُضيف إليها فيروس كورونا وإجراءات الحجر المنزلي، التي حصرت النساء والفتيات في مساحة واحدة مع المعنّفين أوفلاين وأونلاين.

منظمة في-مايل تطلق حملة وطنية تحت عنوان “الشاشة ما بتحمي

انطلاقاً من هذا الواقع الذي دفع أكثر من مئة إمرأة وفتاة للتبليغ شهريًّا عن تعرّضهن للعنف الإلكتروني بكافة أنواعه بحسب أرقام القوى الأمنية، انطلقت منظمة في-مايل في حملتها الوطنية تحت عنوان “الشاشة ما بتحمي” للتأكيد على أن النساء والفتيات في لبنان والعالم العربي لهنّ الحقّ في الوصول الى الإنترنت وإستخدامه بحريّة وأمان من دون التعرّض للعنف أو التنمّر أو الإبتزاز.

وفي هذا السياق قالت حياة مرشاد، المديرة التنفيذية بالشراكة في منظمة في-مايل، “في الوقت الحالي والذي يشهد فيه العالم أزمة فيروس كورونا ويعاني من تبعات هذه الأزمة على كافة الصّعد الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وبسبب الحجر المنزلي فإن استخدام وسائل التواصل الإجتماعي أصبح المتنفّس الوحيد الذي نقوم من خلاله بنشاطاتنا على أنواعها. وهذا ما يعرّض الفتيات والنساء الى خطر التعنيف من قبل المعتدين والمتحرشين على هذه المواقع”.

وبحسب مرشاد، فإن الحملة تهدف إلى إعلام النساء والفتيات بحقهنّ في استخدام الانترنت ولكن في نفس الوقت إطلاعهن على كافة التهديدات والتحديات التي تترافق مع هذا الاستخدام، وتسليحهنّ ببعض التقنيات من أجل استخدام آمن للإنترنت وخاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، كما تهدف الحملة أيضًا إلى اعلام الفتيات والنساء أن المعتدي لايمكنه الهروب والإفلات من العقاب ولو أن الإعتداء تمّ على مواقع التواصل الاجتماعي فبإمكانهنّ محاسبته وفضحه والتبليغ عنه.

العنف الإلكتروني ضد النساء والفتيات في لبنان بالأرقام

حصلت منظمة  في-مايل على معطيات من المديرية العامة للأمن العام، تؤكّد أنّ العام 2019 شهد إنتحار فتاتين بسبب الإبتزاز الإلكتروني ومحاولة إنتحار لثالثة. وأشارت المديرية الى أنّ أنواع الجرائم الإلكترونية التي تتعرّض لها النساء والفتيات توزّعت بين: التحرش والتعرّض للآداب والأخلاق العامة والابتزاز الجنسي والابتزاز المادي والتهديد بالتشهير وقدح وذم وسرقة حساب الكتروني وغيرها.

وكشفت الأرقام أنه يتمّ الإبلاغ عن حوالي مئة جريمة إلكترونية ضد النساء والفتيات في لبنان شهريًا، علماً أن عدد كبير من الجرائم التي ترتكببحقهنّ لا يتم التبليغ عنها لأسباب عدّة مرتبطة بالنظام الأبوي القائم وعدم معرفة وثقة النساء بآليات الحماية الرسمية، خاصةً أن النسبة الأكبر من المبلّغات عن عنف هنّ قاصرات.

كما بلغت عدد الشكاوى في الفترة الممتدة بين شهري شباط ونيسان من هذا العام بمعدل حوالي 3 شكاوى يومياً.

الجدول أدناه يوضح تفاصيل أرقام الجرائم الالكترونية ضد النساء والفتيات وعدد الشكاوى والتبليغات

“حاول يتقرّب مني ويحكيني كل يوم لإتعود عليه وبس صرنا قراب صار يطلب مني صوّر جسمي”

شهادات مؤلمة مع العنف الإلكتروني روتها نساء وفتيات لموقع “شريكة ولكن”، ونسرين (اسم مستعار) واحدة منهنّ. تحدّثنا نسرين عن جلوسها لساعات وراء الشاشة، رغم إدراكها لوجود تحرّش وعنف إلكتروني، مستندة إلى وسيلة دفاعها الوحيدة وهي عدم الرد، إلى أنّ تعرّفت بشاب ظلّ يتحدث إليها يومياً، وعندما اعتادت عليه وباتت قريبة منه، طلب منها تصوير جسمها بإلحاح تارةً بالتهديد بنشر المحادثات بينهما، وتارةً أخرى بالترغيب وإيهامها بعشقه وحبه واشتياقه لها. نسرين حينها لم تدرك مالذي ستفعله سوى الهروب وإقفال كل حساباتها .

“قلتلو النفسية زفت، قام قللي: بدك واحد؟”

ليلى أيضًا كانت تعاني من العنف والتحرش الالكتروني، إلى أن تعرّفت على صفحة “متحرش كمشتك” على الفايسبوك، وأصبحت تبلّغ وتفضح كل من يحاول أن يسيء إليها أونلاين، وهو ما قامت به فعلًا، عندما واجهت معنّف سألها “بدك واحد؟” في معرض تعليقها حول أن الأوضاع زفت، متسائلة عن الرابط بين تعليقها وردّه، الذي يشير إلى أنه “متحرّش ويتربص بالنساء الكترونياً”.

“كل ما إفتح حساب الفايسبوك بلاقيه باعتلي صور عضوه الذكري ودعوات لممارسة الجنس”

تشكو فدوى من صور أعضاء ذكرية تصلها على حسابها على الفايسبوك دون أن تعلم مصدرها. ورغم أنّها تلجأ إلى حظر المرسل إلاّ أن حسابات أخرى تجدّد إرسالها، حتى باتت تخاف من فتح حساباتها في مكان عملها أو أمام أي شخص آخر،  خوفًا من ظهور الصور أمامهم/ن. وتؤكد فدوى أنّ الخيار الوحيد الذي ظنّت أنّها تملكه هو تغيير حسابها.

“ما كنت عارفة إنو فيني إحمي حالي من التحرش والابتزاز عالأونلاين”

تؤكّد سلوى، التي تعرّضت إلى أكثر من محاولة تحرّش ومحاولة إبتزاز في العالم الإفتراضي، أنها لا تعرف أي وسيلة من وسائل الحماية من التحرش والابتزاز، أو حتى كيفية التبليغ عن عنف إلكتروني، ولا تدرك أصلًا أن القوى الأمنية قادرة على حمايتها والقبض على المعنّف أينما وجد على الأراضي اللبنانية.

“صحيح إنو منرتاح عالأونلاين أكثر بس التحرش هون كتير بشع”

أمّا سارة، التي تتحدّث عن مدى الارتياح الذي تشعر به على الأونلاين، لا تخفي أيضًا خوفها مما تعانيه من تحرش، لأنها لا تدرك خفايا التكنولوجيا وتخاف من أن يكون المعنّف قد عمد إلى سرقة حسابها أو ما يحتويه، فتبدأ بالقلق المستمر الذي لا ينتهي / بل ويتجدّد مع تعرضها لتحرش آخر.

“حسّيت إنه خلصت الدني لما شفتو عم يبعتلي صوري ليبتزني”

“ما صدّقت هيدي صورتي”، بهذه العبارة استهلّت سهى حديثها لموقع “شريكة ولكن” حول مشكلتها، فتشير إلى قيام متحرش بسرقة صورتها وتركيب صورة لجسم عاري عليها، وقد عمد على إبتزازها فيها إذا لم تقم فعلًا بإرسال صور لها وهي عارية تمامًا. سهى خافت من إخبار عائلتها فاستشارت صديقة التي بدورها طلبت منها تبليغ القوى الأمنية، إلاّ أن الخوف من الفضيحة منعها دون ذلك، وعوضًا عن ذلك قامت بحظر المعتدي وغيّرت حسابها الإلكتروني ولم تتجرّأ منذ ذلك الحين على نشر صورها .

نساء من مصر وفلسطين ودول أوروبية يتعرّضن للتحرش من معنّف في لبنان

أعاد مصدر في القوى الأمنية التاكيد لموقع “شريكة ولكن” على ارتفاع نسب العنف الإلكتروني ضدّ النساء، عازياً ذلك إلى ارتفاع ثقافة التبليغ نتيجة حملات التوعية التي تقوم بها القوى الأمنية في المجتمعات والمدارس والتي ستستأنفها فور عودة الحياة الدراسية وبالشراكة مع المجتمع المدني. وأكّد المصدر في الوقت عينه على أهمية الإعلانات التي تقوم بها القوى الأمنية حول القبض على المتحرش والمبتزّ أينما كان على الأراضي اللبنانية، ما شجّع النساء والفتيات على التبليغ، ودفع عدد منهنّ من خارج لبنان مثل مصر وفلسطين وعدد من الدول الأوروبية، إلى التواصل والتبليغ عن تعرّضهن للعنف على يد معتدي مقيم في لبنان، حيث عملنا على الاستجابة بشكل مباشر وملاحقة المتحرش وتوقيفه .

ويؤكّد المصدر في القوى الأمنية على ضرورة التبليغ عن أى عنف أو ابتزاز الكتروني قد تتعرّض له النساء والفتيات عبر الخط الساخن 112، أو عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالمديرية العامة للامن العام isf.gov.lb من خلال خدمة بلّغ، أو عبر الرقم 01293293، أو حتى عبر رسالة الكترونية على الفايسبوك @lebisf.

إن واقع ما تتعرّض له النساء والفتيات من عنف وإبتزاز إلكتروني بالأرقام لم يعد يحتمل تجاهل السكوت، وعليه فإنّ التعويل كبير على الحملة الأولى من نوعها في لبنان، التي أطلقتها منظمة في-مايل، والتي تتميّز بتقديمها بشكل مباشر أدوات الحماية والتوعية للنساء والفتيات بطريقة مبتكرة وتفاعلية. عسى أن تفلح هذه الحملة إلى جانب جهود التوعية والمناصرة الأخرى في تفعيل وضمان آليات حماية وأمان للنساء اللواتي لا زلن يعانين العنف بكافة أشكاله في ظلّ مجتمع ذكوري تمييزي، قامع ومعنّف.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد