المرأة العاملة في لبنان لا تشريعات تحمي… وتوظيف مشروط بتخلي الكثيرات منهنّ عن حقوقهنّ الوظيفية

ما يُقال وما ينسج من شعر أو غزل في المرأة، لم يجد طريقه الى عالم الواقع، وفي مختلف الميادين. غبنٌ جندريٌ في حق المرأة على مرِّ التاريخ. دولٌ انتصرت للمرأة في إحقاق حقِّها، سواء غربية أو حتى عربية منها، وأخرى لا تزال تناضل لتأمين ما يُسمى بالكوتا النسائية، في مجال العمل والحلبة السياسية،

التنظير عن بعد سهل. الولوج الى مساحة التشريعات التي تحمي المرأة  في لبنان يكشف لنا خبايا وخفايا في علم الأرقام، لا تدع مجال للشك بأنَّنا في أوّل الطريق على منح المرأة حقّها الطبيعي وليس الوضعي في سوق العمل.

بدردشة اقتصادية مع أحد الصناعيين، وعلى الرغم من السوداوية الحاصلة في هذا القطاع في السنوات الماضية وحتى يومنا هذا، يتحمس إلى تقدّم دور المرأة في هذا القطاع. إذ أنَّ هناك أكثر من 50 امرأة تبوأت مراكز عليا في إدارة القطاع الصناعي في لبنان، مشددا” على أنَّ الأمر لم يتم بسبب عامل الوراثة الذي يهيمن على عمل الشركات في لبنان.

850 مصنعاً منتسباً إلى جمعية الصناعيين في لبنان من أصل 5500 مصنع يعمل فيها 195 ألف عامل/ة، وطبعا “معرفة نسبة النساء العاملات، من مجموع العاملين في هذا المجال هو أمر في غاية الصعوبة نظراً” إلى غياب أي إحصاءات، تفي بغرض الإجابة عن هذا الموضوع، واذا ذهبنا أبعد من ذلك في سوق العمل والذي يحوي بحسب تقرير «القوى العاملة والأحوال المعيشية في لبنان 2018-2019» الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي، 873800 عامل/ة يعملون/ن بشكل غير نظامي من أصل 1.59 مليون عامل/ة.

بحسب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، 225.899 ألف امرأة مسجّلة في الضمان الاجتماعي، من أصل 666.326، وهذا الرقم لغاية 13 تموز 2020.

ترضخ المرأة العاملة في لبنان للعديد من شروط الاذعان، فالكثيرات منهنّ، يعملن دون أي استفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، فضلا” عن لجوء العديد من المؤسسات، إلى تسريح المرأة من العمل عند انقضاء مدة الثلاثة أشهر، ومن ثم إعادتها له، كي لا يكون رب العمل مُلزَم بتسجيلها في الضمان الاجتماعي.

عمّقت جائحة كورونا، الأزمة الاقتصادية في لبنان، وأرخت بظلالها على سوق العمل اللبناني، وهنا لا يمكننا وبسبب غياب الأرقام أن نعلم حجم النساء اللواتي تم تسريحهنّ من العمل، واذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، بالتأكيد سيكون قرابة المليون لبناني/ة عاطلين/ات عن العمل نهاية العام الحالي.

لقد كان لبنان سباقاً في الدول العربية في إيلاء المرأة حقائب سيادية ومناصب حساسة ومهمة. ففي العام 2009، عيّنت ريا الحسن وزيرة للمالية فكانت أوّل امرأة تتولى حقيبة المالية في العالم العربي. ثم عيّنت في العام 2019 وزيرة للداخلية الذي كان أيضاً المنصب الأوّل الذي تتسلمه المرأة في الدول العربية ليصبح أمن اللبنانيين في قبضة امرأة.

تقول المستشارة الاعلاميةـ ورئيس القسم الاقتصادي في جريدة المستقبل هلا صغبيني لموقع، “شريكة ولكن”، عشر سنوات مرّت بين التعيينين الأول والثاني شهدت بالتأكيد تطوراً ايجابياً في النظرة إلى دور المرأة والإقرار بقدراتها والاعتراف بأنَّها شريك في عملية صنع القرار وفي إحداث تغيير في المجتمع. في الداخل، ورغم أن نسبة تمثيل المرأة لا تزال متدنية لكن نسبة قبولها بالمشاركة في الحياة السياسية باتت أكبر في خلال عشر سنوات، فيما المطلوب إدخال نسبة الكوتا الى النصوص التشريعية لتعزيز هذه المشاركة.

لم يعد مقبولا القول إن ثمة مهام لا تستطيع المرأة توليها، بدليل تولي النساء أهم المناصب في جميع أنحاء العالم كوزارة الدفاع والداخلية وكذلك رئاسة الدول والحكومات، والمرأة اللبنانية لا ينقصها أي شيء لتولي هذه المناصب وأي كلام آخر فيه انتقاص لقدراتها وتقليل من إمكانياتها.

وتتباع صبغيني: “في ما يتعلق بتعزيز المرأة في الشأن الاقتصادي، أعتقد شخصياً أن إحدى أنجع الوسائل لضمان مشاركتها بفاعلية يكون عبر تمكينها، من جهة وإزالة كلِّ المعوقات التشريعية ولثقافية الاجتماعية التي تحول دون تطورها. فتمكين المرأة لا يكون بالسياسة إنما بالاقتصاد، إذ أثبتت الدراسات في البلدان النامية أنه كل ما كانت المرأة عضوة فاعلة في الاقتصاد كل ما يشهد المجتمع نمواً بوتيرة أسرع. فالمرأة هي نصف المجتمع ومصدر قوته”.

يقول أحد السياسيين البارزين في إحدى الدول الاوروبية أن القدرات الكامنة التي تمثلها عدم مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية هي خسارة كبيرة. وهذا ما يجب العمل على تصويبه ليس من مبدأ المساواة مع الرجل فقط، إنما المبدأ هو في الاستفادة الاقتصادية واستفادة مجتمعاتنا من ناحية التنمية المستدامة. وما أتمناه أن يصل مجتمعنا يوماً إلى الحكم على المسؤول من خلال أدائه، لا تبعاً لكونه رجلاً او امرأة.

وفي هذا السياق نذكر ما ورد في تقرير صادر عن هيئة الامم المتحدة للمرأة، أنه لطالما انحسرت جهود إحقاق المساواة بين الجنسين خلال الازمات ، لتغدو هدفاً ذا أهمية ثانوية، يمكن تأجيل إعادة إدراجه في جدول الأعمال، إلى مرحلة ما بعد إنعاش النمو الاقتصادي، ولكن الواقع أن اتخاذ خطوات نحو المساواة بين الجنسين هو جزء من الحل، ودعم النساء لدخول الاقتصاد النظامي، بأعداد كبيرة سوف يوسّع القاعدة الضريبية ويدعم الاستدامة المالية لبرامج الضمان االجتماعي في لبنان، وللاقتصاد النظامي أيضاً”، ووفق تقديرات منظمة العمل الدولية، سينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9 في المائة في لبنان إذا انخفضت الفجوة في معدلات المشاركة في سوق العمل، ثمة تقدير بأن ِّيخفض تأثير الانكماش الاقتصادي الحالي في لبنان عمل النساء بمعدلات تتراوح بين 14 و19 في المائة، وينبغي لذلك أن يمثّل مصدر قلق هام نظراً إلى أن نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد، لا تتجاوز 29 في المائة، وإلى أن لبنان يحتل، المرتبة 139 من بين 153 بلداً من حيث المشاركة والفرص الاقتصادية، في المؤشر العالمي، للفجوة بين الجنسين للعام الحالي، والذي وضعه المنتدى االقتصادي العالمي.

وتضمن التقرير مجموعة من التوصيات الرامية إلى تحقيق الانعاش الاقتصادي المراعي للمساواة بين الجنسين في لبنان:

  • الاستثمار في إصلاح نظم الحماية الاجتماعية في لبنان وتمويلها، وإيلاء أولوية، للتصدي لأوجه التمييز بين الجنسيين، التي لا تزال قائمة، وذلك في إطار أدوات وقوانين الحماية الاجتماعية في لبنان؛ وتشجيع فرض ضرائب تصاعدية لتوسيع القاعدة الضريبية في لبنان وتوسيع نطاق التغطية الخاصة بالحماية الاجتماعية، الإنفاق على وقاية الصحة والتعليم مع الالتزام بالامتناع، عن اتخاذ أي تدابير تقشفية في هذين القطاعين.
  • دعم برنامج شامل للمعاشات التقاعدية وضمان الشيخوخة يجمع بين نظام مساهمات من أعضاء الصندوق ومكون غير قائم على المساهمات ممول من الضرائب من أجل توفير حماية اجتماعية متينة للمسنين؛ وفي الامد القريب، وبغية معالجة الخسائر التي ألحقها الانهيار الاقتصادي بالمتقاعدين الحاليين والذين سيتقاعدون قريباً، ينبغي تغطية المسنين في برامج المساعدة الاجتماعية التي يجري وضعها حاليا؛
  • تمديد إجازة الامومة المدفوعة الأجر واعتماد إجازة أبوة مدفوعة الاجر؛ ووضع برنامج للتأمين على الأمومة يموّل من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من أجل خفض محفزات توظيف الرجال لدى أرباب العمل؛
  • إصالح نظام الكفالة لتوفير مزيد من الحماية للعاملين المنزليين؛ العمل على إضفاء طابع نظامي على الاقتصاد، وبالتالي دعم توسيع القاعدة الضريبية في لبنان، وتعزيز دخول المرأة إلى سوق العمل، وبقائها فيه، مع التركيز في البداية على صاحبات المشاريع الصغيرة، وجعل تقديم الدعم للمشاريع الصغيرة مشروطاً بعدم التمييز في التوظيف.

 

مركز إدارة الاعمال والقيادة الشاملة للمرأة، وهو أوّل مركز ينشأ في الجامعة الاميركية في بيروت يختص بالنظر جدياً ومن خلال الأبحاث مع المرجعيات المهنية والقطاعية، في وضع المرأة في لبنان، تخبرنا عنه الباحثة الاجتماعية والاستاذة المشاركة في قسم الإدارة والعلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت، كارمن جحا، أن لحلِّ أي مشكلة نحتاج إلى أرقام دقيقة توصف حجمها ونسبتها، وهذا ما نفتقده في لبنان، نفتقد لقاعدة بيانات، تحدد حجم مشاركة المرأة في سوق العمل، المرأة التي تواجه تحديات بنيوية، من ناحية القوانين التي لا تحميها، فضلاً عن آفة التحرش التي تتعرض لها، وعن التمييز في كلِّ ما يتعلق بالحقوق الوظيفية، وحتى فيما يتعلق بالمرض والأمومة.

يعمل المركز اليوم على مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي بالمرأة، كما يعمل المركز اليوم مع العديد من الشركات سواء العامة منها أو الخاصة لتحسين أنظمتهم الداخلية، انطلاقاً من أنّ حل مثل هذه المشاكل البنيوية، سيمكّن المرأة من دخول سوق العمل، ويعتبر المركز أن عدم مشاركة الأخيرة كما يلزم في الحياة الاقتصادية، ما هو إلا امتداد، للنفس القمعية السائدة في البلاد، بالإضافة للأسف إلى ما تقوم بتطبيقه بعض المحاكم الروحية من أن مدخول المرأة غير كافي ليسمح لها بالعيش بالطريق الذي تراه مناسب، ما يعني أن العمل اليوم جاري، أولاً على خلق قاعدة بيانات ذات أرقام دقيقة، للعمل على حلّ المشاكل التي تعاني منها المرأة في لبنان تباعا”.

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد