مزن حسن لـ”شريكة ولكن”… نحتاج للعمل على أبويتنا في داخلنا كنساء

توليفة لا تشبه غيرها، قوة وصلابة، محبة ومثابرة وشجاعة، منزوعٌ عنها ما يسمى “الاستسلام”، مزن حسن قصة لامرأة أرادتها طويلة حزينة، مليئة بالعزم والعمل وكسر القيود.

على مدار ساعة من الوقت اجتمعنا، بين البسمة حيناً والحزن حيناً آخر والفخر أحياناً كثيرة، وعبر تقنية الزووم تحدثنا في موقع “ِشريكة ولكن” مع الناشطة النسوية مزن حسن، بعد نيلها جائزة “هرانت دينك” لعام 2020.

بعفوية تامة ونسوية متأصلة تتحدث عن حياتها الشخصية في معرض إجابتها عن سؤال حول الجانب الذي لا يدركه مَنْ يعرفها، فتؤكد أن الجانب الشخصي والعام مرتبطَيْن ولا ينفصلان في حياتها وتقول” أنا استيقظ وأحب النسوية، وأحب بلدي ووطني ومقتنعة أنه لولا أمي لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه “، وتسهب في الحديث عن والدتها فتضيف “أمي امرأة مختلفة عن جيلها والوسط الذي كانت تعيش فيه، تابعت تحصيلها الدراسي رغم رفض عائلتها، وهي اليوم أستاذة جامعية، ربتنا ثلاثة أنا وأختي وأخي بظروف صعبة، تربينا في السعودية وكانت أمي مهتمة جداً بالعائلة، ربتنا على الحب والقوة وهي بالفعل كانت قوية، رغم الصورة النمطية عن الأم المصرية المحافظة من الطبقة الوسطى، هي قَبِلَت بِنَا وأحبّتنا على اختلافاتنا وأنا مدينة لها وللوعى الذي أعيشه بفضلها، كما أنني ممتنة لكلِّ حكايات النسويات التي قرأتها وممتنة للثورة المصرية وليناير بكلِّ اشكالياتها، الموضوع هو رحلة شخصية تنطبع على العام”.

في إطار ما تعانيه مزن ومؤسسة “نظرة” للدراسات النسوية من قرار منعها من السفر الصادر منذ عام 2016، على خلفية القضية 173 لعام 2011، والمعروفة إعلامياً بقضية التمويل الأجنبي، تساءلنا حول ما اذا كانت مزن و “نظرة” تدفعان ثمن القوة والدفاع عن حقوق النساء والمشاركة في الثورات في مصر؟

توافق مزن وتقول ” صحيح نحن ندفع ثمنًا قاسيًا لكن ليس فقط بسبب الثورة بل على فكرة عملنا على موضوع العنف الجنسي كمجتمع مدني، وهذه قضية في المجتمع المحافظ والدول الأبوية المحافظة الناس لا تسامح عليها، نحن ندفع ثمن قرارنا أن نقارب القضايا التي يراها الناس بشكل عادي بطريقة مختلفة، الثمن ليس فقط من الدولة بل من الناس أيضاً، لأنهم يحبون النساء كما يريدونهم ويضعون قواعد للنساء النسويات وإن خالفنا6 هذه القواعد نوصف بالمجانين”.

ما هو رأي مزن حسن بالحركة النسوية في مصر؟ هل تشهد الساحة تضامنًا بين مكوناتها؟ هل نمتلك الوحدة لكسر الهوة في الجدارات أو نتلهى بحساباتنا الخاصة عوضاً عن توحيد الجهود للقضية الأكبر؟

هنا تجد مزن أنَّ السؤال معقد جداً، لأنَّ هناك إشكالية حقيقة، فالحركة النسوية هي تقدمية بطبعها وديمقراطية، وطالما أنَّه لا يوجد أطر عامة وأطر ديمقراطية تقدمية فلا يمكن أن نكون حركة لوحدنا، نحن لسنا دين، هناك عيوب طبعاً سببها أنَّنا لم نتربى على الديمقراطية والاختلاف، بالتالي نحن لسنا معتادات على إدارة خلافاتنا ولا صراعتنا السياسية. وتتابع مزن “الاختلاف رحمة، إدارة الاختلاف هو التحدي، لا يجب أن نعمل في قضية واحدة، نستطيع العمل على مواضيع متعددة، نحن عاجزات عن إدارة اختلافاتنا لسنا قادرات على الخروج من نظام الاتحاد الاشتراكي، يجب أن ندرك أنَّنا لا نشبه بعضنا البعض. “الحدث الحقيقي الذي أحدثته الثورة في مصر والمنطقة، هو دخول ناس جدد بعد أن كنَّا عدد محدد من الشخصيات المعروفة في المنطقة، الثورات خلقت دم جديد، وللأسف نحن لا نمارس الاختلاف، أو ربما لأن هناك أناس تريد العودة للأطر القديمة ومتمسكة بها، لأنَّها لا تعرف كيفية التعامل مع الأطر الجديدة.

وتضيف مزن “بعد الثورات بتنا نشهد نسويات من قطاعات خارجية، نسويات مرتبطات بالعمل السياسي والعام، نسويات من المحافظات المصرية، وهناك نساء تطلق على نفسها لقب نسويات من أطر مختلفة، وتؤكد مزن أن النسوية باتت اليوم ترند، فمنذ 10 سنوات عندما بدأنا في العمل بـ”نظرة” كانوا يقولون لي لا تضعي مع الإسم كلمة نسوية، اليوم النسوية باتت تطبع على التيشرتات، الناس تتناقش في النسوية الاسلامية والثقافة النسوية والصور النمطية حول أشكال النسويات، كل هذا تغيّر مع دخول أجيال جديدة ونفس جديد”.

في إطار الحديث عَّما يُعرف بالنسوية الإسلامية، يقلن إنهن يواجهن الإقصاء تماماً كما واجهت الحركة النسوية إقصاء مجتمعي عندما حملت لواء مجتمع الميم وغيره، هل توافقين؟

تقول مزن في هذا السياق، “من وجهة نظري كنسوية لا يمكن أن نتعامل بمبدأ الضد أو الابتزاز، الإشكاليات تكمن في عدم معرفتنا كيفية تدوير الخلافات أو فهم هذه الخلافات لذلك هذه الحركات لديها إشكاليات حقيقية. فلا أملك أدنى استعداد على التعامل مع النسوية الاسلامية ونساء الحركات الاسلامية، فقط لأثبت أنني منفتحة، نعم هناك نسويات إسلاميات وتواجدهم لافت ومختلف، ففي مصر أميمة أبو بكر تطلق على نفسها نسوية إسلامية وهل نتعامل معها من وجهة نظر الايمان؟ كلا فنحن نأخذها كحركة سياسية فقط ونناقشهن على هذا الأساس، ونتحدث كما نتحدث مع الجميع.

بالعودة للحديث عن جائزة “هرانت دينك” لعام 2020 التي حصدتها مزن حسن تقول الأخيرة:

الجائزة مؤثرة جداً لأسباب عديدة، أولاً لأني لا أعمل مع هذه المؤسسة ولا أعرفها، وهذه لا أحد يترشح لنيلها، هم اختاروني وعرفوني، والأهم إنهم جعلوني أشعر أن هناك من يشاهد ويتابع الحركة النسوية، وبالفعل قد جاءت هذه الجائزة في وقت قاسي لتقول لي أنا على الطريق الصحيح”.

وفي معرض حديثها عن عدم قدرتها على استلام الجائزة بسبب كوفيد 19 وقرار منعها من السفر تقول:

“أشعر بالضييق فعلاً، وهذا ما قلته في كلمتي أثناء استلام الجائزة، فأنا عالقة في مصر إلى ما لا نهاية، وأخذت وقتاً كي أتقبل الفكرة، خاصة أنني أرى نفسي نسوية من المنطقة، وبالتالي ما جرى في السودان كان يجب أن أشارك فيه أيضاً ما جرى في بيروت والجزائر، مزعج جداً شعور أنني معتقلة في منزلي وأرى العالم عبر الكمبيوتر، صحيح أنه ومنذ العام  2018 مكتب “نظرة” مقفل إلاّ أني في هذه اللحظات أفكر حول ما يمكن أن نقوم به لو كان المكتب مفتوح”.

هذه القدرة على الاستمرار بنفس الزخم رغم التحديات السياسية والأمنية والحجز على الممتلكات والمنع من الحديث وغيره كيف تستطيع “نظرة” ومزن حسن الاستمرار في هذا الأوضاع ؟

“هذا اختيار وأنا اخترت أن أكمل وأبقى قصة طويلة حزينة وليس قصيرة،  أنا أرى أن الاستمرار بالعقل والقناعة وليس بالتململ هو الأساس، لأنني أؤمن أنّ الحركة النسوية والنساء يستحقين الأفضل، نحن نتحدث عن فكرة الوعي وتقديم شيء رغم كل المآسي، خاصة أنَّ الحركة ناجحة وليست فاشلة”.

في تموز/يوليو تقريباً  أصدرت محكمة جنايات شمال القاهرة حكمها بعدم قبول التظلم المقدم من مزن حسن ضد قرار منعها من السفر، كذلك عدم قبول التظلم المقدم من جمعية”نظرة” للدراسات النسوية في قرار المنع من التصرف في أموالها، في اليوم التالي تابعت نظرة نضالها فأصدرت بيان عن المدافعات السعوديات، هل قصدتِ القول للسلطات التي تقمع أنا مستمرة أنت تابع في قوانينك وأنا أتابع في نضالي؟

“الناس تحب أن ترى النساء والنسويات تتجرع مرارة هزيمتها لوحدها، وأنا لا أحب ذلك، لأنني رغم ما أعانيه، مدركة تماماً أن مسيرتي ومشواري لم ينتهِ بإمكاني الاستمرار وسأستمر. لا أحب أن نكون قصة قصيرة حزينة، لا يمكن لعقلي إلاّ أن يعمل لأنَّه مؤمن بدورنا في كتابة حكاية نساء يعشن وليس نساء يمتن”.

لأي مدى مزن تشعر مزن أن “نظرة” تعطي زخم بالقوة والنضال والتشبيك على المستوى الإقليمي؟

“أنا فخورة بكوني جزءاً من الحركة النسوية ووعيها، فالتضامن هو أصل الحركة، وأنا أرى أن هذا هو التضامن الحقيقي، لا يمكن أن نبقى وحدنا والنساء السعوديات مسؤوليتنا، لأنَّ العالم يرسخ صورة نمطية حول النساء في السعودية، حول أنّ عددهنّ قليل جداً، ولا يوجد حتى إيمان بوجودهنّ، في السودان مثلاً هل كان يجب أن تحصل مذبحة القيادة العامة حتى يفهم العالم أن النساء يعانين، وفي لبنان هل يجب أن تحدث ثورة  أو انفجار حتى يلتفتن للنساء، نحن لسنا وقوداً حتى يفهم العالم قضايانا”.

يُقال وقت الشدة تظهر حقيقة الأشخاص، “نظرة” ومزن بالتضييقات السياسية مَنْ وَجدت إلى جانبها؟

“رغم أن عدد كبير من الناس لم يساندونا وهاجمونا، وهذا الأمر آلمني، إلا أنني رأيت كماً كبيراً من الحب والتضامن والدعم، من الحركة النسوية على مستوى العالم، دعم يومي من أماكن مختلفة ومن أفراد ونسويات من المنطقة، أنتن في لبنان ساندتموني ربما أكثر مما ساندني أحد في مصر، لذلك لطالما اعتبرت أن بيروت مدينتي، كذلك السودان وتونس وغيرها من الدول”.

ما معنى أن تتحول “نظرة” من داعم إلى مؤسسة تحتاج إلى الدعم؟

هل تدركن معنى أن تقول لك دولتك طوال الوقت، سوف نزجك في السجن غداً؟ وأن يصلك طيلة أربع سنوات كل يوم رسائل فحواها أنتِ اليوم خارج السجن قريباً ستصبحين داخله؟التضامن مهم، لأنَّه يعني أنَّنا لسنا وحدنا، ولأنَّ نظرة تعي ذلك جيداً هي تمضي قدماً في دعم النساء، وندرك جيداً صعوبة أن نناضل في ظل الكوارث والعالم يقول لك إنَّه ليس وقتاً مناسباً لهذه القضايا، التضامن في هذا السياق قيمة مهمة جداً ونحتاجها.

كيف ترين الحركة النسوية في العالم العربي والمنطقة وهل تعتقدين أنَّ المكتسبات التي نحصل عليها توازي العمل الكبير الذي نقوم به سواء على صعيد المشاركة في الثورات التي تكون النساء جزءاً أساسي فيها، وهل استطعنا أن نصل إلى طاولة صنع القرار أو نغيّر في القوانين؟

“ماجرى في مصر مؤخراً وفي لبنان أيضاً، فخورة أنني جزء منه ومن الحركة النسوية الناجحة، خاصة إذا ما قارنا بين وضع الحركة اليوم بوضعها منذ 10 سنوات، عندما كانت الناس تتعامل معنا بطريقة مختلفة كلياً، قبل الثورات في العام 2011، كان الناس تتعامل وكأنَّ لا وجود للحركة النسوية، ويصفوننا بنساء مختلات مهتمات بالقانون، ولكن الوضع فعلا تغيّر، لأنَّنا بتنا على الأجندة، وبات بإمكاننا تحريك القضايا والرأي العام.

المشكلة في الموضوع أن الحركات لا تُبنى بلا مجال عام، الحركة النسوية لا تمتلك ظهير سياسي، ولكن لها ظهير من النساء، اللواتي يرين أن قضايا العنف ضد المرأة ليست عادية، وعدد من النساء يستفدن من المكتسبات التي حققناها من دون أن يعرفننا، و المؤلم بصراحة أن أجساد النساء تنتهك كل يوم كي يعي المجتمع ويدرك حقوق النساء، أجسادنا ليست وقود المجتمع .

ما يجب أن نعمل عليه كحركة نسوية ونعيه جيداً، هو كيف نرى أنفسنا حركات سياسية واجتماعية لنا حق بتواجد سياسي بصوت وبآليات، ولا ننتظر قضية اغتصاب واعتداء جنسي ليراها العالم ويندهش كأنها المرة الأولى، وننتظر الرجل كي يعترف بأنه يفهم قضايا النساء، مشكلتي ليس أن يفهم الرجل ويتغير على حساب جسدي، أنا أرى ضرورة العودة إلى المبادرة التي اقترحناها وعملنا عليها مع عدد من الشركاء، في المنطقة ولبنان، استناداً غلى تجربة رواندا حيث تشكل النساء أكثر من 60% من البرلمان، الناس وثقت بالحركة النسوية وهذا ما نحتاجه العمل عليه بعد ما حققناه منذ 10 سنوات كمجتمع مدني، ونصنع من حركتنا حركة سياسة اجتماعية من النساء للنساء”.

استنادا إلى حديثك مزن،هل يعني أننا على سبيل المثال في لبنان رغم كوننا كنساء الحاضرات الأبرز في الثورة ميدانيا، لم نستطع أن نترجم هذا الحضور بسبب افتقادنا للرؤية السياسية كنسويات؟

نعم هذه المشكلة وهذا هو الواقع، ومن هنا فكرة كيفية وجود خطاب نسوي في مصر، الجميع أحب الصورة التي قدمتها “نظرة”، ولكن ذلك لا يكفي خاصة أنَّنا كنساء في عدد كبير من الأحيان نخضع لابتزاز الرجال على قاعدة النساء لا يحتجن السلطة، وهذا ليس صحيح، يجب أن نأخذ دورنا على المستوى السياسي والسلطة،  نحنا لسنا نبيّات نحن نسويات، لا يكفي العمل الجماهيري يجب أن نسنده بالعمل السياسي، المشكلة أنَّنا نحب الصورة التي يرسمها لنا الرجال، نحن نحتاج للعمل على أبويتنا في داخلنا كنساء، وأن نعمل على إحساسنا بالنقص.

أنا أُستفز جداً عندما يقول لي أصدقائي الرجال عندما أتحدث بالسياسة، أنت رائعة خسارة أنك في الحركة النسوية، هم يجبرونا على احتقار أنفسنا والاضطرار للقول نحن نساء وسنتحدث في حقوقنا لا علاقة لنا بالسياسة.

سؤال أخير : هل تؤمن مزن حسن بحركة نسوية شابة في العالم العربي والشرق الأوسط، على صعيد الإنجازات وليس فقط العمر؟

يدخل في الحركة طيلة الوقت شابات بعيداً عن العمر، النضال ضد العنف الجنسي في مصر يستمر مع أشخاص جدد ونساء لديها تصورات ولديها تعريفها ووعيها الذي يتشكل بأشكال مختلفة ونفس جديد وهذا يمكن أن نتابعه بشكل كبير في السودان مثلاً.

لذلك عملنا على إنشاء مدرسة أونلاين سوف نعلن عنها قريباً، وأدعوكن لنفكر سوياً، في آلية عمل لنؤكد أن الوقت والصوت لنا، سنتشاجر عليه ونتنافس بالإمكانيات، النساء لا يحتجن لأحضان، يحتجن للسياسة والدعم والحضور كي تبقى قضاياهن على الأجندة الوطنية، لأننا مسؤولات عن كتابة تاريخنا ومستقبلنا الذي لن يبنيه لنا أحد.

 

الحوار: علياء عواضة وفاطمة زين الدين

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد