في اليوم العالمي للإجهاض الآمن للنساء والفتيات… المغربيات الأكثر معاناة ولبنان على حالِهِ منذ 77 عاماً.

حتى اليوم لا تعترف الأمم المتحدة باليوم العالمي للإجهاض الآمن، عِلماً أنَّ تاريخ الـ 28 من سبتمبر من كلِّ عام ومنذ تسعينيات القرن العشرين، يُشكِّل عنواناً لِحَقِّ النساء بأجسادهنّ، فتمَّ تخصيصه من قبل “الشبكة العالمية للمرأة من أجل الحقوق الإنجابية”، عام 2011 كيومٍ عالمي للإجهاض الآمن، بهدفِ حثِّ الحكومات حول العالم على إلغاءِ تجريمِ الإجهاض، ووضعِ حدٍ للوصمةِ الاجتماعيةِ وتقديمِ خدماتِ الإجهاضِ الآمنِ بطريقةٍ قانونيةٍ وطبّية بأسعارٍ معقولة بعيداً عن المخاطر التي تتعرَّض لها النساء والفتيات حول العالم.

وعليه تُعَرِّفُ منظمةُ الصحةِ العالمية الإجهاضَ غير المأمون بأنَّه “إنهاءُ الحملِ إمَّا من قبل أفراد يفتقرون للمهارات أو المعلومات اللازمة، أو أنَّه يتم في بيئة لا تُلَبِّي المعايير الطبية الدنيا أو كِلا الأمرين”، وفي الحالتين المتضرِّر الأوّل والأخير هو النساء، خاصةً أنَّ الإجهاض غير الآمن هو سبباً رئيسياً للوفاة بين النساء حول العالم، ويُعتقَدُ أنَّه يتسببُ في 69 ألف حالة وفاة وملايين المضاعفات المتعلقة بالإجهاض سنويًا، من بينِها انثقاب الرحم والنزيف الحاد والأضرار التي تلحق بأعضاء المرأة التناسلية والداخلية.

لا يزال الإجهاض غير الآمن مسؤولاً عن وفاة ما لا يقل عن واحدة من أصل كُلِّ 12 وفاة بينَ الأمهات حول العالم.

بحسب تقرير معهد غوتماكرعام 2018، 7,000,000 امرأة وفتاة يعانين من مضاعفاتِ الإجهاضِ غير الآمن كُلَّ عام، و22,000 امرأة وفتاة يفارقن الحياة، فضلاً عن أنَّ حوالي 97 % من عمليات الإجهاض غير الآمن تحصل في البلدان النامية، ويعتبر التقرير أنَّ نحو 45% من حالات الإجهاض عالمياً غير آمنة.

النسبة تُظهِرُ الفجوةَ الكبيرةَ بينَ الأرقامِ والقوانين السائدة في معظم الدول العربية، والتي تُجَرِّمُ الإجهاض وتُحوِّله إلى خطرٍ يتهددُ النساءَ والفتيات، ويجعلهنَّ رهينةَ سوقِ الإجهاضِ الأسود.

فغالبية الدول العربية تعتبرُ الإجهاضَ عموماً جريمة تتفاوت عقوبتها بينَ السجن والغراماتِ المالية، في لبنان، يُجرّمُ القانون عمليات الإجهاض، في نصٍ قانوني يعودُ لعام 1943، للأسف منذ ذلك الحين لم يخضع لأيّ تعديلٍ يُجاري تطور النقاشات حول حقوق المرأة،أو حتى يُلَبِّي التزامات لبنان الدولية فيما يتعلق بحقوقِ النساء،  فتنصُّ المادة 541 على أن “كل امرأة تطرح نفسها مجرمة”، وتعاقَبُ بالحبس فترة ما بين ستة أشهرة إلى ثلاث سنوات، وتصل العقوبةُ إلى الأشغالِ الشاقة من 4 إلى 7 سنوات للطبيب في حال أدى الأمر إلى وفاة المرأة سواء كانت عملية الإجهاض برضاها أم دون رضاها.

من لبنان اإلى المغرب حيث تترواح عقوبةُ الإجهاض بين سنة و5 سنوات سجن، لكنَّها في العراق، لا تتجاوز سنة واحدة أو غرامة مالية، حيث تطبَقُّ شروط التخفيف إذا كان الإجهاض لإتقاء ما يسمونَّه  “العار”، أمَّا مَنْ أجهضَ عمداً امرأة دون رضاها فيعاقَبُ بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.

في الإمارات، تُسجَنُ المرأة سنة أو تدفع غرامة قدرها عشرة الآف درهم، أو تُطبَّق العقوبتان معاً، في حال أجهضت نفسها عمداً بأيّة وسيلة كانت، وفق المادة 340 من قانون العقوبات، أمَّا القانون المصري فيعتبر الأكثر تشدداً في هذا السياق، وتُجرِّم المواد (263 إلى 260 ) من قانون العقوبات المصري كافة أشكال الإجهاض، ويعاقب بالسجن المشدّد كل أطراف العملية، عِلماً أن مادة في القانون تجيز الإجهاض في حالات الأذى الواقع على الأم، والغريب في الأمر أنَّ الاغتصاب لا يُعد من الأذى على المرأة!

الصورة ايجابية في تونس بخلاف الدول التي سبقنا ذكرها، وهي التي أقرّت حق الإجهاض قبل بلدان أوروبية في عام 1973، إلاّ أنَّه رغم وجود مراكز صحية وعيادات تقدِّم خدمة الإجهاض الآمن بشكلٍّ مجاني، بقيت الحوامل العازبات في مجتمع ذكوري يعانينَ من الإقدام على خطوة كهذه.

 رغم وجود قانون يجرّم الإجهاض في لبنان، عشرات آلاف النساء والفتيات يخضعن لهذه العمليات بشكل غير آمن،  والمغرب الأولى عربياً في  نِسَبِ الإجهاض والثامنة على مستوى العالم.

يُعتبر المغرب بحسبِ دراسةٍ أميركيةٍ الأعلى في نِسَبِ الإجهاض غير الآمن للنساء عربياً، والثامن عالمياً، وفي هذا السياق تُحدِّثُنَا رئيسةُ جمعيةِ أيادي حرّة المغربية السيدة ليلى أميلي، التي أكدت لموقع “شريكة ولكن ” أنّ موضوعَ الإجهاض من التابوهات الاجتماعية التي خاض بها المجتمع المدني المغربي نضالات مريرة وكثيرة جداً، وتضيف “كُنَّأ في كُلِّ مرة نتحدث عن موضوع الإجهاض نُنعتُ بالكُفْرِ، وأنَّنَا ضد الإسلام ونُحَرِّضُ على تشتيتِ الأُسَر، وأنَّ هذه المطالب ضدّ قيمِ وأخلاقِ المجتمع المغربي، واستمرينا في النضال، وتحديداً منذ 5 سنوات اتفقنا كمكونات في المجتمع المدني أن نذهبَ بالتدرِّج في طرح المواضيع، فبدأنا المطالبة بحقِّ المغتصبة بالإجهاض وفي الحالات التي يُشكِّلُ الحمل فيها خطراً على صحة الأم، وفي قضايا زنا المحارم وتشوه الجنين، ولفتت السيدة ليلى إلى لجنة التحكيم الثلاثي الذي شكّلها الملك محمد السادس المكونة من وزير العدل ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزير الأوقاف، وأدت إلى إلغاء تجريم الإجهاض في الحالات التي سبق ذكرها”.

وتتابع رئيسة جمعية أيادي حرة المغربية حديثها لتؤكد أنَّ بينَ 600 و800 امرأة وفتاة تخضعَ لإجهاضٍ سريٍ يومياً، وتتحدثُ عن الخطورة التي تعيشُها النساء في هذه المرحلة، فيلجأن من أجل الإجهاض إلى الأعشاب كونها أقل ثمناً، وفي ظلِّ مجتمعٍ ذكوريٍ، تعتبر النساء فيه الفئة الأشد فقراً، فلا يستطعنَّ تحمّل تكاليف الأطباء الذين يطلبون الكثير مقابل إجراء هذه العمليات، ما يُسهّل وقوعهنَّ ضحايا الابتزاز المادي.

وتشير إلى أن أيَّ تقدم على هذا الملف لا يطرأ إلاَّ عندما تتحول قضية فتاة إلى قضية رأي عام، مُذَكِّرةً في هذا الإطار بقضية الصحفية المغربية هاجر الريسوني، التي وجَّهت إليها السلطات المغربية العام الماضي تُهمة إجراء عملية “إجهاض” غير قانونية، وبغض النظر عن تفاصيل القضية، إلاّ أنَّها أعادت النقاش حول إلغاء تجريم الإجهاض في المغرب.

وترى السيدة ليلى أن الفرصة سانحة اليوم للضغط في هذا الإطار، خاصة أن ملف البحث في القانون الجنائي المغربي مفتوح على مصراعيه في مجلس النواب لإقرار تعديلات عليه، لذلك ترى ضرورة توحيد الجهود اليوم فالنضال لا بد أن يُثمِر، رغم أن الحكومةَ المغربية إسلامية والعقلية ذكورية والتقاليد والأعراف كلها ضدّ النساء، التي يُراد لها العيش فقط في التابوهات.

المجتمع المدني المغربي هل ينجح بتشريع إلغاء تجريم الإجهاض خلال تعديل القانون الجنائي في المجلس النيابي؟

هذه الفرصة المتاحة اليوم في المغرب بعيدة جداً عن النساء والفتيات في لبنان، خاصةً أنَّه بلدٌ تعاني فيه الأخيرات من تأمين فوط صحية أو أدنى مستلزمات الدورة الشهرية، فَهَلْ يُمكن أن نتساءل عن حقهنّ بإجهاضٍ آمن؟ في بلدٍ لا تستطيع العائلة تأمين مالٍ لشراء الدواء هل يمكن أن تخضع المرأة فيها لإجهاضٍ آمنٍ في مستشفى يؤمن مستلزمات حمايتها الصحية خلال خضوعها للعملية؟ في بلدٍ ترتفعُ فيه نسبة الاصابات بالكورونا ويتجه نحو رفع الدعم عن الدواء ليصبح سعره خارج متناول الطبقة الفقيرة والتي أصبحت الجزء الأكبر من الشعب اللبناني هل يمكن أن نتحدث فيه عن حق بالإجهاض الآمن؟ في بلدٍ يَحكمه ١٥ قانون طائفي للأحوال الشخصية هل يمكن أن نتحدث فيه عن إعطاء النساء حقوق التصرف بأجسادهنّ؟ في بلدٍ القانون يُشَرَّعُ لإدارة الفساد وليس لخدمة الشعب وتعزيز حقوقه، هل يمكن أن نحلم أو حتى نتحدث بحقٍّ في إجهاضٍ آمن؟ الجواب هو نعم، لأنَّ النضال لاستحصالِ حقوقِنَا سيستمر ليسَ لشيء، فقط لأنّنا نساء وفتيات الدفاع عن حقوقنا بات نمط حياتنا.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد