لجين الهذلول إرهابية!

مجدّدًا تعتزم السعودية، كما أخواتها من الأنظمة القمعية في عدد من الدول العربية، تشويه صورة النضال النسوي والحقوقي عبر وصم الناشطات بالخيانة والعمالة. وآخر فصول هذه الفضيحة الهزلية، كان محاكمة المدافعتين عن حقوق الإنسان لجين الهذلول ومياء الزهراني أمام محكمة مختصة في قضايا الإرهاب في الرياض.

إذًا، النظام الذي يمتلك السجلّ الأفظع في العالم لناحية الإنتهاكات الفاضحة والجرمية لحقوق الإنسان، النظام الذي شنّ حملة قمع غير مسبوقة في التاريخ الحديث ضدّ المعارضين\ات والناشطين\ات منذ استلام محمد بن سلمان ولاية العهد في حزيران 2017، النظام الذي إعترف بتنفيذ موظّفين رسميين لديه واحدة من أكثر جرائم القرن وحشية بحق الصحافي جمال خاشقجي في تركيا، النظام الذي يُمعن بإرتكاب جرائم حرب ضدّ المدنيين/ات ويخرق على رأس كلّ ساعة القانون الدولي الإنساني في عملياته العسكرية باليمن، النظام الذي يفرض عقوبة الإعدام بحق أطفال وطفلات وجانحين/ات ومعارضين/ات، النظام الذي يمارس الإرهاب الإنساني بأبشع تجلياته… النظام السعودي هذا، وبعد إحتجاز تعسّفي لما يقارب الثلاث سنوات تخلّلها عنف جنسي وتعذيب باستخدام الصعقات الكهربائية والإيهام بالغرق وتهديد بالإغتصاب والقتل، يُصَنِّف المناضلة النسوية الشجاعة لجين الهذلول بالإرهابية!

وكانت المحكمة الجزائية المختصة التي تبتّ في قضايا الإرهاب في العاصمة السعودية الرياض قد أصدرت يوم أمس حكمًا بالسجن لمدّة خمس سنوات وثمانية أشهر على الناشطة النسوية لجين الهذلول مع وقف تنفيذ عامين وعشرة أشهر من فترة المحكومية، ممّا يشير إلى إمكانية الإفراج عنها في غضون ثلاثة أشهر. هذا وقد ذكرت لينا الهذلول، بأنه تمّ بموجب هذا الحكم منع شقيقتها لجين من السفر خارج السعودية لمدة خمس سنوات. وفي تفاصيل الحكم، فإنّه تمّ تجريم لجين بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله وإدانتها بتهم من بينها محاولة إلحاق الضرر بالأمن القومي والسعي لخدمة أجندة خارجية داخل المملكة العربية السعودية. وشملت التهم الموجّهة للهذلول مشاركة معلومات عن حقوق المرأة في السعودية مع صحفيين في المملكة، ونشطاء سعوديين في الخارج، ودبلوماسيين، وهيئات دولية، ومنظمات حقوقية، استغلال احتجازها السابق لتقدّمها لوظيفة لدى الأمم المتحدة، وتلقّيها دعمًا ماديًا من منظمة أجنبية لزيارة منظمات حقوقية وحضور مؤتمرات وندوات للتحدّث عن وضع المرأة السعودية… وتؤكّد لائحة التهم المذكورة التي حاكها النظام السعودي، أنّ إعتقال لجين سببه الأوّل والوحيد نشاطها الحقوقي السلمي وبشكل خاص عملها النسوي من أجل ضمان تعزيز حقوق النساء والمطالبة بإنهاء نظام ولاية الرجل التمييزي في السعودية.  

وفي الوقت الذي رأت فيه ناشطات بأنّ هذا الحكم قد يكون أمل لوضع حدّ لإعتقال وعذابات لجين، أشارت شقيقتها لينا عبر حسابها على تويتر إلى أنّ لجين بكت عند سماعها الحكم وأنّها “لا ترضى أبدًا بالظلم، لذلك فمن المحتمل أن تقدّم طلب استئناف ضد الحكم الصادر الذي صنَّفها كإرهابية وضدّ الحكم بعدم وجود تعذيب وستطالب بتحقيق جدي”. فكمّ من الأثمان ستدفع لجين بعد كلّ ما عايشته من ظلم وعنف وترهيب؟ مَنْ يُعوِّض عليها ثلاث سنوات من عمرها أمضتها في مواجهة الإعتداء الجنسي والتهديد والإذلال في معتقل يفتقد لأدني مقومات السلامة والكرامة الإنسانية؟ كيف سيكون وضع لجين النفسي والصحّي بعد خروجها وإلى متى سيستمرّ تقييدها في الأراضي السعودية مع الوصمة والكراهية والتحريض؟ من يضمن سلامة لجين بعد خروجها من السجن؟ كمّ من الدمع والدمّ بعد ستنزف لجين وأخواتها وكل النساء حتّى يتوقّف كل هذا الوجع والظلم؟ إنّ لجين واحدة منّا، لجين بطلة جديدة في مسيرة نضالنا النسوي الذي قام وإستمرّ على كفاح ودماء نساء كثيرات، لجين تخوض اليوم معركتنا جميعًا في وجه النظام الأبوي القامع الذي يريد تقييدنا ودفننا ونحن أحياء… للجين التي لم يخضعها ترهيب ولا تعذيب منذ إعتقالها للمرة الأولى في العام 2014 لمدة 73 يومًا بعدما حاولت قيادة السيارة عبر الحدود بين الإمارات والسعودية، لجين التي رفضت بعنفوان الصفقة التي عرضتها عليها السلطات السعودية العام الماضي لإطلاق سراحها مقابل شهادة مصوّرة منها تنفي فيها تعرّضها للتعذيب والتحرش الجنسي في السجن، لجين التي واجهت حرمانها من الاتصال أو لقاء عائلتها لأشهر هذا العام بإضراب الكرامة عن الطعام لنحو أسبوع، لجين التي ناضلت دون هوادة من أجل حقّ النساء في بلادها بقيادة السيارات وصرخت في وجه نظام ولاية الرجل القمعي “أنا وليّة أمري”، لجين التي قالت يومًا “سأنتصر”… لهذه اللجين عهد ووعد منّا نحن النسويات، اللواتي نستلهم بقوّتها وصدقها وإيمانها بعدالة وأحقّية قضيتنا، أن نبقى رافعات لإسمها ومناصِرات لحرّيتها ومتضامِنات مع نضالها حتى النصر. ولن يكفينا بعد اليوم المطالبة بإطلاق سراحها الفوري وإسقاط التهم التي تمّ تكبيلها ووصمها بها، بل سنسعى بكل ما أوتينا من إمكانيات لإحقاق العدالة وفضح ممارسات النظام السعودي بحقّها وبالضغط لمحاسبته على كلِ الإرهاب والعنف والظلم الذي يمارسه بحقّ المدافعات عن حقوق الإنسان وعلى رأسهنّ لجين. ومهما أمعنت الأنظمة الأبوية والقمعية بوصمنا وجلدنا وتكفيرنا وترهيبنا ومعاقبتنا على نسويتنا، سنبقى على خطى لجين ورفيقاتها، وسنواجه إرهابهم بقوتنا وتضامننا.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد