لا شكاوى فرار جزائية بحق عاملات المنازل في لبنان بعد اليوم!

بعد أربعة أشهر على قرار مجلس شورى الدولة اللبناني تعليق الإعمال بعقد العمل الموحد الذي تبنته وزارة العمل في 8 سبتمبر/أيلول 2020، والذي كان من الممكن أن يكون خطوة أولى مهمّة نحو إلغاء نظام الكفالة المسيء لعاملات المنازل الأجنبيات، مبادرة جديدة هذه المرة يتبنّاها الأمن العام اللبناني الذي منع أصحاب العمل من التقدم بشكاوى فرار جزائية بحق العاملات عند تركهن منازل كفلائهن، واستبدلها بإجراءات إدارية مدنية تمكّن صاحب العمل من إجراء التبليغ الإداري عن ترك العاملة منزله، مباشرة في مراكز الأمن العام بموجب نموذج يعتمد لذلك كإجراء روتيني إداري يرفع بموجبه صاحب العمل أية مسؤولية مدنية ناتجة عن علاقة العمل. كما حظّرت المديرية استعمال أية تعابير مخالفة للقوانين أو لحقوق الإنسان، عند وصف واقعة ترك العاملة منزل كفيلها مثل “فرار” أو “هروب” في كافة المحاضر الرسمية واستبدالها بتعبير “ترك  مكان العمل.”

تساؤلات مشروعة حول جدوى الخطوة…

هذه الخطوة جاءت بعد دراسات ونقاشات وتوصيات رفعتها منظمة “كفى” حول شكاوى “الفرار” والسرقة الكيدية بحقّ عاملات المنازل المهاجرات، فما مدى أهمية هذه الخطوة في إنقاذ عاملات المنازل المهاجرات من شكاوى السرقة الكيدية؟ علماً أن الأمن العام أعلن  قبول إستدعاءات “ترك مكان العمل” من أرباب العمل عن عمالهم\ عاملاتهم الأجانب  بالطريقة الإداريّة دون الحاجة لاستدعاء من النيابة العامة أو فتح محضر تحقيق عدلي ما لم يقترن ذلك بجرم جزائي (سرقة، كسر وخلع، ضرب وإيذاء…..)، مما قد يؤدّي للعودة إلى نقطة الصفر.  وهل تكفي هذه الخطوة من دون أن تُستتبع بإجراءات قضائية تراعي أصول المحاكمة العادلة والقانونية في التحقيقات والمحاكمات.

نقابات العمّال/والعاملات والمستخدمين/ات في لبنان: قرار الأمن العام لا يحلّ أزمة عاملات المنازل والمطلوب من القضاء البتّ بقضايا السرقة الموجهة ضدهنّ.

طرحنا هذه الأسئلة على كاسترو عبدالله رئيس الإتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين في لبنان الذي وجد في قرار الأمن العام خطوة وإنما ليست الحل، خاصة أن صاحب العمل لا يزال يمتلك القدرة على رفع شكوى ضد العاملة وإن بطريقة مختلفة هذه المرة، مؤكداً على أن الحل الوحيد هو بإلغاء نظام الكفالة وترك حق الاختيار للعاملة المنزلية، داعياً القضاء اللبناني إلى ضرورة البت بملفات العاملات الأجنبيات المتهمّات بالسرقة ضمن الشكاوى الكيدية، خاصة أنهنّ لا يملكنّ القدرة ولا المعرفة للدفاع عن أنفسهنّ في المحاكم.

“كفى” تطلعنا على كوليس إصدار القرار وتؤكّد أنَّ الخطوة لا تمنع أصحاب العمل من رفع شكاوى سرقة كيدية ضد عاملات المنازل، بل تصعّب من مسار رفع الدعوى.

تؤكّد المحامية والمسؤولة الإدارية في قسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة “كفى عنف واستغلال”، موهانا إسحاق في حديث لموقع “شريكة ولكن” أن الخطوة ليست انتصاراً بقدر ما هي تحويل لمسار تغيير الذهنية في التعاطي مع عاملات المنازل خاصة على مستوى ارتفاع نسب شكاوى السرقة الكيدية التي يلجأ إليها أصحاب العمل للتملّص من دفع رواتب العاملات، وتخوفيهنّ لمنعهنّ من المطالبة بمستحقاتهنّ، أو للتخلّص من المسؤولية القانونية والمدنية التي تفرض عليهن دفع تكلفة عودة العاملة إلى بلادها.

وتشير إسحاق إلى أنَّ هذه الخطوة صحيح أنَّها لم تمنع  صاحب العمل من رفع شكوى سرقة كيدية مجدداً، لكنَّها تصعب مسار رفع هذه الشكوى، إذ بات عليه التوجّه إلى النيابة العامة مع ما يرافق ذلك من إجراءات إدارية بعكس المسار السابق الذي كان يسمح لصاحب العمل رفع الدعوى في المخفر.

وتلفت السيدة موهانا إسحاق إلى أهمية تغيير مصطلح “فرار” غير القانوني والذي كان يستخدم في المحاكم والأحكام الصادرة عنها علماً أن لا جرم جزائي بما يسمونه “فرار” العاملة، وخطوة استبداله بتعابير مدنية مثل “ترك العمل”، يترافق مع تدبير مدني، ويخلّص العاملات من تدابير جزائية كنّ يواجهنها في سياق غير قانوني.

وفي كواليس إقرار الخطوة تؤكّد موهانا أنَّ “كفى” تبلّغت بالخطوة في شهر 11 من العام الماضي لكن بسبب جائحة كورونا تم تأجيل الإعلان عنها، مشيرة إلى أن المديرية العامة للامن العام كانت قد نسّقت مع النيابة العامة التمييزية التي وافقت بدورها على الآلية الجديدة ليُصَار بعدها إلى تبليغ النيابات العامة وتعميم القرار قبل الإعلان عنه.

وفي معرض سؤالنا عن عقد العمل الموحّد، أكدت السيدة موهانا أنَّ أي خطوة أخرى لم تتم بعد إبطال مجلس شورى الدولة القانون، وكأن وزارة العمل تعرّضت إلى صفعة جمّدتها في مكان واحد، الأمر الذي دفع المنظمة إلى العمل على خطوات محدودة كالمصطلحات وشكاوى سرقة العمل الكيدية، مؤكدة أنّ منظمة كفى  تعمل  حالياً على موضوع العنف الذي تتعرّض له عاملات المنازل في محاولة للحدِّ منه.

وفي المقابل، قد يتسائل بعض أصحاب العمل عن كيفية ضمان حقّهم في حالات ترك العاملة المنزل، وهنا تجيب السيدة موهانا فتؤكد أن هذه الخطوة لم تضمن حق أصحاب العمل، متسائلة “هل يضمنوا حقهم اذا سجنوا العاملة”؟ ولافتة إلى دعوة “كفى” الدائمة إلى تنظيم هذه العلاقة بما يراعي مصلحة الطرفين، صاحب العمل والعاملة، بمنطق بعيد عن مظهر الاتجار بالبشر الذي يتجلى في الممارسة، معتبرة في الوقت عينه أن الأزمة الاقتصادية قد ساهمت في التقليل من الاعتماد على عاملات المنازل وهيّأت الأرضية لتنظيم عملهنّ بما يراعي حاجة صاحب العمل.

وزارة العمل غير متوفرة حالياً!

موقع شريكة ولكن تواصل مع وزارة العمل التي لم تكن حاضرة في الطاولة المستديرة التي نظّمتها كفى بحضور ممثّلين\ات عن وزارة العدل اللبنانية ومديرية الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، إلاّ أن أي إجابة حتى الساعة حول الموضوع غير متوفرة.

وعليه نتساءل إلى متى ستبقى عاملات المنازل يشحذن حقوقهنّ؟ هل ستخفّض هذه الخطوة من نسب رفع شكاوى السرقة الكيدية ضد العاملات؟ وهل سيساهم ذلك في دفع القضاء نحو إتّباع أصول المحاكمات والتحقيقات العادلة في مثل هذه القضايا؟ وماذا عن العاملات القابعات في السجون نتيجة هذا النوع الدعاوى؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد