حرمان طفلتين من أوراقهما الثبوتية بـ«مباركة الكنيسة المارونية»!

في غرفة لا تراعي الحد الأدنى من مقومات العيش، أُجبِرَت أمٌ وطِفلتَيْها ( 5 و 7 سنوات) على الحياة لمدة ثمانية أعوام، في منطقة ترتفع عن سطح البحر حوالي ٨٠٠ متر معزولة عن كُلِّ البشر.

الأم متزوجة من رجل يكبرها بـ 30 عاماً، ارتبطت به هرباً من عنف واعتداءات كانت تتعرّض لها في منزل عائلتها، وظناً منها أنه مَنْ سيحميها، إلاّ أنّ الظلم تكرّر هذه المرة اضطرت إلى مكابدته مع طفلتيها، حيث تعيش في منزل لا يوجد فيه حمام، تستخدم الأشجار بجانب منزلها وطفلتيها لدخول الحمام أو للاستحمام، وعندما تسأل الضغيرتين عمّا يوجد في منزلهما الجواب يكون… البرد فقط!

المعاناة لا تنتهي هنا، والمأساة تتخطى الواقع إلى المستقبل الذي فُرِضَ على طفلتين أن تعيشاه من دون أوراق ثبوتية، من دون دليل على وجودهما في الحياة.

نسلّط الضوء في هذه السطور على قصة عائلة معاناتها كبيرة، بدأت مع خوري عمد إلى تكليل زواج وهو يدرك تماماً أن الزوج لم يثبّت طلاقه في الكنيسة، وبالتالي ارتكب ( جرم المواد ٤٨٤ و٤٨٥ عقوبات) أصولا لوجود زواج سابق وطلاق غير منفذ، الأمر الذي أدى إلى عدم تسجيل زواجه الثاني أمام الكنيسة المارونية.

تعقيباً على هذه النقطة توقف موقع “شريكة ولكن” عند رأي الكنيسة المارونية، فأكّد لنا مصدر مطّلع فيها إلى أن أي زواج كنسي يجب أن يستوفي الشروط القانونية، واذا كان الزوج سبق وتزوج فعليه أن يقدم أوراق يثبت فيها إبطال الزواج الأول، قبل الزواج مرة أخرى وأي مخالفة في هذا السياق نصبح أمام “مانع ميثاق”، وبالتالي الزواج الثاني يكون باطل.

وحول رجل الدين الذي كلَّل الزواج،  يؤكد المصدر أنه خالف قوانين الكنسية، فلا يحق له تكليل أي زواج من دون استيفاء الشروط المطلوبة والتأكد من صحة المستندات والأوراق المقدمة.

وحول العراقيل التي من الممكن أن تضعها الكنيسة لتسجيل الزواج اللاحق والاعتراف ببطلان الزواج السابق، يؤكد أن ذلك يتوقف على خصوصية كل قضية بقضيتها.

من جهتها المحامية فداء عبد الفتّاح، تطلعنا وهي التي تطوعت لمساعدة العائلة، على تفاصيل القضية، حيث تؤكد أن الزواج غير المسجل أصولا نتج عنه عدم تسجيل طفلتين مستقبلهم مجهول بفعل مقصود من الوالد وصمت مريب من الكنيسة المارونية إلى الآن.

علماً أن بعض الأوراق والإجراءات الروتينية قادر الزوج أن يقوم بها، لتثبيت زواجه بسهولة تامة، وهو ما لا يفعله خوفاً من حقوق الزوجة والطفلتين ومترتبات الطلاق.

على المستوى القانوني تشير المحامية لموقع “شريكة ولكن”، أنَّها وفور علمها بمعاناة العائلة تواصلت مع النيابة العامة في طرابلس، والتي أرسلت بدورها قوة من الدرك لإحضار الأم والفتاتين حيث تم فتح تحقيق بوجود مندوبة الأحداث، أمّا قاضية الأمور المستعجلة التي تعمل على القضية، فتضع على سلّم أولوياتها الحق المقدس للأب لرؤية طفلتيه! من دون أن تأخذ بعين الاعتبار رد فعل الطفلتين الخائفتين والرافضتين لرؤيته، وهو الذي كان يعنّفهما ووالدتهما معنوياً وجسدياً واقتصادياً، كما أنَّها لم تأخذ بما سبّبه من ضرر نفسي الكبير ورفضه دفع النفقة ورفضه تسجيل بناته بشكل أصولي، متسائلة كيف يمكن لذلك أيضاً ألا يكون حق مقدس؟

هذه الطريقة في التعاطي مع القضية دفع بالمحامية إلى التوجه نحو قاضية الأحداث، التي عمدت فوراً إلى إصدار قرار للتحري حوله في منطقة سكنه، وطلبت من المخفر إرسال نسخة عن المحضر عندما استنجدت الأم وابنتيها بالقوى الأمنية بعد تعرّضها للعنف، وتشدد على مساعيها حتى تضع قاضية الأحداث يدها على الملف، لإنصاف العائلة.

وتختم المحامية بالتشديد على ضرورة أن تعمد المحكمة إلى إلزام الزوج بمتابعة إجراءات إثبات الطلاق التي لاتزال عالقة في وزارة الداخلية بسبب تعنّته ، وتكشف المسار الذي يجب أن تسلكه في هذا المجال فتؤكد أن المعاملة حالياً في وزارة الداخلية ومنها تنتقل إلى المحكمة الروحية، ثم يتم ترجمتها إلى صيغة تنفيذية لتذهب بعدها إلى دائرة النفوس وتُرفَع إلى السجلات، ليصبح مطلّق ويتمكن من تسجيل زواجه الثاني.

وتستغرب المحامية فداء من عدم وجود أيّ جهة تلزم الأب بالقيام بهذه الإجراءات التي تتطلب أيضا إثبات نسب، وتتطلب أيضا إجراء فحوصات الدي أن آي، وما يتبعها من خطوات تحتاج إلى إمكانيات مادية الأم لا تستطيع التكفل بها والأب يتقاعس عن إجرائها لحماية طفلتيه.

القصص تختلف ولكن تبقى المعاناة واحدة، والتخفيف من هذه المعاناة أو رفعها عن كاهل النساء يحتاج إلى صوت مرتفع، وإلى نضال مستمر حتى تحقيق العدالة للنساء والفتيات في كل المجالات.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد