رسالة إلى الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي إسراء الجعابيص

الحادي عشر من أكتوبر تشرين الأول عام ألفين وخمسة عشر، يومٌ عاديٌّ في غرفة الأخبار إلى أن جاء النبأ: سيارة حاولت اقتحام حاجزٍ للاحتلال الإسرائيلي في منطقة الزعيم قرب مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق القدس المحتلة.

تصدّر الخبر الأحمر الشاشات، إنها عملية بطولية أو هكذا اعتقدنا، فالعمليات الفدائية لم تتوقف منذ أن أعادت انتفاضة القدس الروح للعمل المقاوم الذي وإن خفت أحيانًا في الضفة الغربية، إلا أنه لم يتوقف.

دقيقة تلو الأخرى وتتكشف المزيد من الحقائق، سيدة فلسطينية جنحت سيارتها واحترقت قبل أن تصل حاجز الاحتلال هذا ما وثقته الصورة، ليتبين أنه حادث سير.

خُيِّلَ للجميع يومها وأنا أوّلهم أن الخبر انتهى، لكنه في الحقيقة قد بدأ.

إسراء جعابيص، سيدة فلسطينية كانت في طريقها من أريحا إلى مقرّ عملها في القدس، انشغلت عن المقودِ للحظاتٍ فحصلت الكارثة وشبّ حريق في سيارتها نتيجة ماس كهربائي. حادثة عادية قد تجد لها مكانا في أي بقعة على البسيطة، لكنها وقعت في فلسطين حيث يمتهن الاحتلال تحويل أيّ شي لفاجعة، فإسراء جريحة حادث الصباح أمست أسيرة محكومة بأحد عشر عامًا من الظلم.

واكبتُ بحكم العمل قضيّة إسراء منذ اللحظة الأولى، منذ أن كانت خبرًا عاجلاً وحتى الغياب الذي يمحوه بين الفينة والأخرى فتات معلومة يحملها المحامون حول حالتها الصحية، إذ خلف الحادث حروقٌ غطّت خمسين في المئة من جسدها وأفقدتها ثمانيةً من أصابع يديها.

هذا في النشرات الإخبارية، أما عني فلم تغب إسراء يوماً، جروحها حفرت عميقاً في داخلي، تطرق باب عقلي دوماً في المساء، وأنا أحتضنُ ابنتي كي تنام، هناك أم أسيرة، جريحة، محروقة، ومحرومة من طفلها خلف القضبان، أختبئ من هذه الحقيقة في قلب ابنتي وأحتمي بها أمام عجزي عن مدّ يد العون.

آسفة أنا يا إسراء، أصابعي العشر لا تخوِّلني إلا أن أكتب عنك أو أكتب لك فاخترتُ الاثنين.

عزيزتي إسراء في كلّ ثامنٍ من آذار/مارس وهو اليوم الذي يحتفي فيه العالم بيوم المرأة أفكّر بكِ، وفي كل مرة يحضر موضوع الأسرى تحضرين في مخيلتي، وهنا أسرد في إحدى المرات عندما دخلت لأتصفح مواقع التواصل الاجتماعي وبطريقة عشوائية دخلت تطبيقاً جديداً يحمل اسم “كلوب هاوس” كنت قد حملته على هاتفي منذ فترة قصيرة، وهو عبارة عن غرف افتراضية بخاصيّة الصوت، لفتني عنوان إحدى الغرف وكانت مخصّصة لنقل تجارب الأسيرات الفلسطينيات المحررات.

عذابات كثيرة قُصّت، ومع كل حكاية تضيق بالسامعين الدنيا وتتقلّص.

تروي إحدى الأسيرات المحررات كيف حوَّل المحقِّق من طبيعة جسدها سوطا لجلدها، فخلف تلك القضبان، تفتيش عار وتحرّش وتعذيب. أما الأسيرات قليلات الحظ تقول الأسيرة، فإنّهنّ من تصادف دورتهن الشهرية خلال وجودهن في مراكز التحقيق حيث يتعمد المحققون تقطير الفوط الصحية لهن كوسيلة ضغط لانتزاع اعترافات بأعمال لم يرتكبنها.

تحدثت الأسيرة المحررة لدقائق ثم سكتت وقالت “في أحد الأيام وعندما كنت بحالة حزن شديد، أتت الأسيرة إسراء جعابيص لتخفف عني” وتستطرد قائلة “خجلت من إسراء التي تعالت عن كل آلامها للتخفيف عني في لحظة ضعفي”.

كثيرات هنّ الأسيرات المحررات اللاتي تحدّثن عنك، قالوا الكثير عن آلامك التي لا يسكّنها حنجور الدواء الصغير، وامتدحوا أكثر صلابتك وقوتك التي ألهمت الكثيرات منهن.

عزيزتي اسراء أنا على يقين بأنّ القدر من قادني إلى تلك الغرفة، ففي كلّ لحظة ضعف تراود نفسي، استحضرك لأقف من جديد، ويا لخجلة أحداثي أمام كلّ ما تمرين به.

صديقتي الأسيرة أكتب لك اليوم عسى أن يحمل لك أحد المحامين أقصوصة صغيرة من كلماتي كي تقرئيها ولتعلمي أني بانتظارك حُرّة ولن أعدم الوسيلة للوصول إليك، وعندها حكاية أخرى.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد