رمضان 2021 : قضايا المرأة تتسيّد المشهد الدرامي

صحيح أن الموسم الرمضاني أتى محمّلاً بكمٍّ  ثقيلٍ من الأزمات التي تعصف في العالم، ولعلَّ أبرزها جائحة كورونا، ومترتباتها الإقتصادية الصعبة على عمليات الإنتاج والتصوير وحتى مواعيد العروض التلفزيونية، إلا أنَّنا يمكننا بكلِّ أريحية، اعتبار الموسم الدرامي التلفزيوني في رمضان، موسم المرأة وقضاياها بامتياز، إن كان من خلال تصدّرها البطولة النسائية لمعظم المسلسلات العربية منها والخليجية للمرة الأولى بعد سنوات طوال، أو من خلال طرح قضاياها، بشكل معمّق. ففي ظل مروحةٍ واسعةٍ من الأعمال الدرامية المتنافسة، -إذا ما استثنيا لبعض المسلسلات-، نجد أوتوماتيكياً أنفسنا أنَّنَا أمام مشهدية درامية مختلفة، تحرز تقدماً ملموساً على صعيد طرح مقارباتٍ تخص قضايا المرأة الإجتماعية والإنسانية والجنسية. مجموعة أعمال لاقت بالطبع، معارضة شرسة مع بدء حلقاتها الأولى، إن كان على الصعيد القانوني أو على مواقع التواصل الإجتماعي، لكن، سرعان ما خمدت نيران هذه الغضبة المعترضة على مقاربة الأعمال الدرامية لقضايا الإغتصاب أو العنف المنزلي ضد المرأة، واستطاعت المسلسلات استكمال طريقها، لتعكس ما يحدث على أرض الواقع، وأيضاً لتحفر مساراً توعوياً لدى الجمهور.

هذا العام، وعلى الصعيد المحلي، شهدنا وللمرة الأولى تراجعاً واضحاً في عرض الأعمال الدرامية الرمضانية، فاكتفت معظم القنوات التلفزيونية، بإعادة عرض أعمال درامية أرشيفية، ومن ضمنها محطات كانت في مقدمة اللعبة التنافسية بسبب الأوضاع الإقتصادية المتردية التي تعصف بالقنوات المحلية. فيما برزت محطة mtv، عبر عرضها لثلاثة مسلسلات في الموسم الرمضاني :”راحوا” (كتابة :كلوديا مرشليان-اخراج: نديم مهنا) ، و”20 20″ (كتابة :نادين جابر وبلال شحادات-اخراج :فيليب أسمر) ، و”للموت (كتابة :نادين جابر-اخراج: فيليب أسمر). عربياً، تقدمت مصر في الموسم الحالي، بعد طرحها لما يقارب الثلاثين عملاً توزعت عروضها على القنوات والمنصات الإلكترونية. عدد لافت من المسلسلات التي لاقت أصداء واسعة عربياً، بفضل مقارباتها لقضايا اجتماعية حساسة، وأخرى قد تندرج ضمن “التابوهات”. ولعلّ أبرزها، طرح قضايا الإغتصاب والتحرش الجنسي، وإفلات الجناة من العقاب، وأيضاً طرح قضايا تمس عصرنا الحالي وتتعلق بالإبتزاز الجنسي للنساء عبر الإنترنت، مما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى إقدام الضحية على الإنتحار!.

الأعمال الدرامية المصرية:

مسلسل “الطاووس” (سيناريو وحوار كريم الدليل وإشراف على الكتابة للمؤلف محمد ناير، وإخراج رؤوف عبد العزيز)، من بين أبرز المسلسلات الرمضانية، التي لاقت ضجة عارمة في الأوساط الشعبية وأجهزة الرقابة المصرية. المسلسل الذي يتناول قصة فتاة تعرضت للإغتصاب في أحد الفنادق، من قبل بعض الشبان أبناء العائلات الثرية وأصحاب النفوذ، تعرّض صنّاعه بعد بدء عرض حلقاته الأولى، لاستدعاء من قبل “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، بعد تلقيه شكاوى حول “مساس المسلسل بقيم الأسرة المصرية والإساءة لصورتها”، لكن سرعان، ما حفظ المجلس الشكوى، بعد أن تبيّن بأنَّ العمل الدرامي حصل  على الموافقة اللازمة من الرقابة على المصنّفات الفنية. مسلسل آخر، تعرض أيضاً، لمضايقات وصلت إلى البرلمان المصري: “الي مالوش كبير” (تأليف عمرو محمود ياسين وإخراج مصطفى فكري) الذي يقارب قضايا العنف المنزلي ضد المرأة، وغياب دعم الأهل لها في الإستحصال على الطلاق. العمل الذي لعبت بطولته النجمة المصرية ياسمين عبد العزيز في دور “غزل”، يلقي الضوء على امرأة تتعرض للتعنيف على يد زوجها، الذي يكبرها سناً، ويقوم بضربها بشكل مبرح، يعمد الكاتب هنا، إلى إبراز مدى فداحة هذا العنف، الذي يصل في أحد المشاهد إلى ضرب رأسها في زجاج النافذة وتركها تنزف دماً. تعكس شخصية “غزل” المرأة المغلوب على أمرها، والتي تقترن برجل لا تبادله المشاعر العاطفية، ويقوم بإذلالها وضربها، لكن مع تقدم الأحداث تتحرر “غزل” من هذه القيود. المسلسل لاقى اعتراضاً برلمانياً مصرياً، واتهم بالحضّ على العنف ضد المرأة، ليتدخل هنا، كاتبه عمرو محمود ياسين، ويضع هذه المشاهد القاسية ضمن مسار استنكار العنف ضد المرأة، لا التشجيع عليه.

ومن الأعمال الرمضانية التي قاربت قضايا المرأة، مسلسل “ضل راجل” (تأليف: أحمد عبد الفتاح واخراج أحمد الصالح). العمل يسلّط الضوء على قضية الإغتصاب، وأيضاً على سمة النفوذ الإجتماعي الذي يختبىء خلفها الجاني، للإفلات من العقاب. هي قصة شابة تدعى “شهد” ابنة سائق أجرة، تتعرض للإغتصاب، وللإجهاض بالعنف، بعد أن يتزوجها أحد الشبان ويدعى “سليم” عرفياً ويسرق منها عقد الزواج ليتطور الأمر الى عملية شروع في القتل. استخدام النفوذ والضغط الإجتماعي للتورية على جرائم التحرش والإغتصاب، حضر كذلك، في مسلسل “ملوك الجدعنة” (كتابة عبير سليمان-اخراج: أحمد خالد موسى)، إذ واجه “هاني زاهي العتال” (الممثل عمرو عبد الجليل) تهمة التحرش والإغتصاب لعدد من الفتيات، فيحاول انقاذه والده رجل الأعمال “زاهي العتال”، ويضغط على الفتيات لتغيير أقوالهن في التحقيق القضائي، بعد إغرائهن بالمال، ويدفع شاباً  آخر للإعتراف بأنه مرتكب هذه الجرائم!.

في سياق متصل، يحكي مسلسل “بين السما والأرض” (سيناريو وحوار: إسلام حافظ واخراج: محمد العدل)، المقتبس عن رواية الأديب نجيب محفوظ، قصة 11 بطلاً وبطلة، يعلقون بالمصعد، وتبدأ حكاياتهم بالسرد تباعاً، إذ تتظّهر في إحدى الحلقات، قصة شاب ثري يستخدم نفوذه للإيقاع في الفتيات، ويقوم باغتصابهن، وابتزازهن عبر تصويرهن ونشر المقاطع الجنسية عبر الإنترنت. في العمل الدرامي المؤلف فقط من 15 حلقة، نرى “مرام” (يسرا اللوزي)، تنتقم لصديقتها التي أقدمت على الإنتحار، بعد أن نشر الشاب المذكور فيديو جنسي لها على الإنترنت. فيما قارب مسلسل “ضد الكسر” (تأليف: عمرو الدالي واخراج :أحمد خالد)، في بعض زواياه قضية التحرش الجنسي، وفضح المتحرش عبر الإنترنت. العمل الدرامي الذي تلعب دور بطولته النجمة المصرية نيللي كريم، تجسد شخصية “سلمى” مدونة الطبخ، التي اشتهرت عبر فيديوهات وصفاتها على الشبكة العنكبوتية، وإذ بها عندما تتعرض إلى حادثة تحرش تقرر استخدام مساحتها المؤثرة على السوشال ميديا وفضح المتحرش ودعوة النساء للإمتثال بها، بعد أن كانت تلتزم الصمت إزاء هكذا مواقف مؤذية.

الأعمال المشتركة:

وضمن الأعمال العربية المشتركة، برز مسلسل “للموت” (كتابة: نادين جابر-اخراج: فيليب أسمر). المسلسل الذي يتوزع على عدة خطوط درامية، يحاكي قضايا الإغتصاب وزواج القاصرات، ويلقي الضوء على الأبعاد النفسية والسلوكيات التي تنتهجها المرأة بعد تعرّضها للعنف ولظروف اجتماعية قاسية. هي قصة فتاتين قررتا الهرب من الميتم، والعيش حياة اطفال الشوارع والتسول، بعد أن تعرضت إحداهن للإغتصاب من قبل والدها، واقدام أمها على قتله، وتعرّض الأخرى بدورها الى الإغتصاب الذي يودي الى حملها بطفلة. تقرر هاتان الشابتان بعد معايشتهما ظروفاً صعبة، بأن تتعهدا بالبقاء سوية، والإيقاع بالرجال الأثرياء، لكن سرعان ما تتحول الصداقة القوية الى عداوة، بسبب رفض إحداهن قواعد اللعبة (الإتفاق على الزواج من رجل ثري وطلب الطلاق فيما بعد للإستحصال على نصف ثروته بعد ايقاعه بشرك الخيانة الزوجية) ، والبقاء مع الرجل الذي أحبته. من جهة اخرى، يطل المسلسل على زواج القاصرات، من خلال اقدام إحدى العائلات التي تقطن في حيّ شعبي ،على تزويج ابنتهما (بالتبني) من رجل طاعن في السن ويملك ثروة، بعد أن يتبيّن بأنه يعمل أيضاً كقواد، ويستغل زوجاته الثلاثة في أعمال البغاء. ومن هنا، يدخل المسلسل أيضاً، على عالم الدعارة، واستغلال أجساد النساء، فنرى مشاهد مؤلمة لكثيرات أجبرن على ممارسة الدعارة، فيما قامت إحداهن بتشويه وجهها كسبيل للهروب من أعمال البغاء.

وفي سياق استغلال النساء لإجبارهن على القيام بأعمال مشبوهة، برز مسلسل “20 20” الذي عرض على mtv، وقنوات سعودية وعربية، ويقارب قضية النساء المكتومات القيد، واللاتي لا يملكن أوراق قانونية ثبوتية، فيتم استغلالهن في أعمال تجارة المخدرات، مقابل إغراءهن بالإستحصال على المال وعلى حياة رغيدة، في وقت يعيشن داخل قبو ولا يرين الشمس إلا نادراً. ومن المواضيع التي يطرحها المسلسل ولو بشكل هامشي، قضية الحضانة والنزاع على الأطفال بعد موت احد الوالدين. في المسلسل، نجد “سما” (نادين نجيم) تواجه عائلة زوجها التي تحاول انتزاع طفلتها منها بعد وفاة والدها.

قضايا الإنجاب:

ومن المواضيع التي طرحت بشكل بارز في الموسم الرمضاني، قضايا الإنجاب والتلقيح الصناعي، والدخول الى عوالم النساء سيما اللاتي لم ينجحن في الحمل، ومدى تأثير هذا الأمر عليهن وعلى محيطهن. مسلسل “خلّي بالك من زيزي” (تأليف مريم نعوم، فكرة وسيناريو وحوار منى الشيمي، إخراج كريم الشناوي) يقارب هذه القضية، ويحاول إظهار الأثر النفسي البالغ على بطلته (أمينة خليل)، التي فشلت لمرات عدة في عمليات التلقيح الصناعي، وتصل نتائجها إلى حدّ الإنفصال عن زوجها. الى جانب مسلسل “لعبة نيوتن” (تأليف وإخراج تامر محسن) الذي تقوم قصته على قضية الإنجاب على الأراضي الأميركية طمعاً بالإستحصال على الجنسية. هنا، نرى بطلته “هنا” (منى زكي) المهندسة الزراعية، تحمل بعد تجربة التلقيح الصناعي، وفشله في السابق، وتعبّر عن مخاوفها إزاء تكرار الفشل مرة أخرى في حملها، حتى أنها تطلب من زوجها الإقتران بأخرى أصغر سناً علّها تعوّض له عما عجزت عن تحقيقه. وفي المسلسل الكويتي “نبض مؤقت” (تأليف مريم القلاف-اخراج: سعود بو عبيد)، أيضاً طرح لقضية الإنجاب وتأثيرها النفسي على المرأة، إذ تجسد الممثلة هيا عبد السلام، شخصية “طيبة” الطبيبة النسائية التي تحرم من الإنجاب، وتواجه بالتالي ضغوطاً اجتماعية هائلة، إضافة إلى الضرر النفسي الذي يلحق بها.

الدراما الخليجية:

على صعيد الدراما الخليجية، تغيّرت هذا العام معادلاتها والتي ظلت لسنوات حبيسة تناول مواضيع محددة، كمشاكل الإرث والإنتقام داخل العائلات، لتدخل حيّز مواضيع أخرى، بعضها سجّل تقدماً واضحاً في طرح الأفكار. كذلك سجل هذا العام، تسيّد البطولة النسائية في معظم الأعمال، كمسلسل “مارغريت” (تأليف محمد شمس وعلي شمس، وإخراج باسل الخطيب)  الذي تلعب دور بطولته حياة الفهد، و”الناجية الوحيدة” (تأليف منى النوفلي، وإخراج هيا عبد السلام)، و”الروح والراية” (تأليف أنفال الدويسان، وإخراج منير الزعبي). لكن البارز هنا، ما قاربه مسلسل “سما عالية” (تأليف :صالح نبهان واخراج:محمد دحام الشمري)،الذي تدور أحداثه في فترة الستينيات لجهة تظهيره لدور المرأة، عبر شخصية الممثلة غادة الكندري، التي تلعب دور المرأة القوية والطموحة، وتمرّ بمراحل متعددة، سعياً نحو نيل حقوقها الإنسانية والمهنية، بدءاً من حق التعليم ووصولاً الى اختيار شريك حياتها، وتدخل بعدها في مواجهة مباشرة مع العادات والتقاليد والأفكار الموروثة.

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد