عندما تضيع المعتقلات السوريات في مفاهيم الشرف
لم تطل فترة التآخي الإنساني التي تجلّت في بداية الثورة السورية ضمن الشريحة الثائرة والمتعاطفين معها. فمع دخول الثورة في مرحلة من الفوضى الزاخرة بالانتهاكات، برزت ازدواجية في النظرة إلى النساء اللواتي يخرجن من معتقلات النظام .
فالمحيط الاجتماعي للمعتقلات المحررات يساهم في تفاقم الآثار النفسية التي غالباً ما ترافقهنّ، وتعقّد أزمات ما بعد السجن، لتصبح معاناة النساء اللواتي يختبرن تجارب السجون مضاعفة في ظل القيم المجتمعية المحافظة ومفاهيم الشرف التي لم تعد تميّز ما بين الفعل الإرادي وضحايا الجرائم.
تغصّ وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي بالتعاطف مع المعتقلات والتباكي عليهنّ. إلا أن اللواتي يُكتب لهن الخروج حيّات لا يسلمن من الهمس جراء الحديث المعمم عن عمليات الاغتصاب التي تعرضن لها، بطريقة لا تختلف عن الحديث عن اللواتي امتهنّ طوعاً الطريق المنافية للقيم الاجتماعية.
وما زاد الطينة بله ما ساهمت به وسائل إعلام المعارضة التي نافست وسائل إعلام النظام في عدم الموضوعية بزيادة مآسي المعتقلات. فقد تمادت بالترويج لتعرض كل معتقلة للاغتصاب، رغم عدم دقة ذلك.
كل ذلك يؤكد التغيرات السلبية التي طرأت على المجتمع السوري الحديث إثر الفراغ الذي خلفه انهيار الإيديولوجيات الوضعية، والتي بدأت مع موت الحياة السياسية والثقافية ..
فخلال فترة الانتداب الفرنسي، عبّر السوريون عن رفضهم للاحتلال بأشكال شتّى كالتظاهرات والاحتجاجات والثورات المسلحة، وشاركت المرأة إلى جانب الرجل في تلك التحركات، وتعرضت للملاحقة والاعتقال، لكن ذلك كان يزيدها وقاراً ومكانة في وسطها، نظراً للقيم التي تناضل من أجلها ولما تتحلى به من جرأة. وكان الحال كذلك خلال المرحلة الأولى بعد الاستقلال حين انتشر المدّ القومي واليساري وولّد تعددية في أوساط المجتمع السوري.
أما اليوم، فأضحى الوضع مختلفاً. فالمفاهيم تغيّرت وتراجعت الأفكار الإنسانية في المجتمع السوري بسبب محاولته ترميم وتجديد هوية قديمة يعتقد أنها الفضلى والمثلى، وهذا ما ولّد ثقافة ملأى بالتناقضات الحادة والإزدواجيات المربكة. فبينما تجاهر هذه الثقافة الجديدة بالدفاع عن المعتقلات وتصفهن بالحرائر علناً، لا يمكنها الخروج حتى عن فكرة “صوت المرأة عورة”.
لذلك أصبحت الخارجة من السجون، بكل ما تحمله من آلام جسدية وندوب نفسية، أشبه بالنكرة في بيئتها وتلام على جرأتها ويُنظر إليها على أنها مذنبة لا ضحية، لتجد نفسها أمام معاناة جديدة يفاقمها الوسط الذي ضحّت من أجله، عوضاً عن أن يكرّس جهده لاحتضانها وإعادة الثقة إليها كي تتخطّي أزماتها.
المصدر : موقع الرصيف 22 الالكتروني