لأن الإعلام النسوي ضرورة!
في زمن المنصات الاجتماعية ووفرة المواقع الإخبارية، أصبح التخصص نجمة مضيئة في الفضاء الإلكتروني، تنير درب الباحثين\ات عن خبر متخصص، بين عدد لا متناهي من المقالات والاخبار في العالم الإفتراضي.
الإعلام، أصبح اليوم في مجتمعاتنا، لا سيما بعد انطلاق الحراكات خلال السنوات الماضية، ركيزة أساسية، فكان أداة للتغيير والتأثير في الرأي العام والعديد من السياسات. وبنظرة أفقية على واقع الإعلام في عالمنا العربي، يظهر جلياً غياب خطة إعلامية واضحة تركز على المجتمع المدني بكافة أطيافه وبشكل خاص المجتمع المدني النسوي. وهنا حين نتحدث عن الإعلام وتغطية قضايا النساء، ما الذي نقصده؟ هل نقصد تلك التغطية السطحية الفاقدة للحساسية الجندرية؟ هل نقصد تلك التي تبعد كل البعد عن التخصص وتعج بالتعميم والأحكام المسبقة؟ هل نقصد تلك التغطية المرتكزة على الصور النمطية للنساء والمغيّبة للنشاطات والانجازات الكثيرة التي تقمن بها؟ هل هذا هو الاعلام الذي نريده والتغطية التي نريدها؟
إن ما يصطلح تسميته بالإعلام النسائي أو الإعلام الموجّه الى المرأة اليوم، غارق في الإضاءة على القضايا التي صنّفت في إطار الأنثوية إنطلاقاً من تقسيم الأدوار التقليدية بين الجنسين في المجتمع. إن مراجعة سريعة للعديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، المواقع الإلكترونية، المجلات والقنوات الفضائية المتخصصة بشؤون المرأة، تُبرز العناوين العريضة لأبرز المواضيع المعالجة والمطروحة والتي يمكن اختصارها بعمليات التجميل، الأبراج، الطبخ، الموضة، تقنيات الرشاقة والتنحيف، أمور الأسرة والحمل والإنجاب والزواج والطلاق وحل مشاكل الأسرة والتربية… حتّى أن العديد من قوانين الإعلام في العالم العربي تنصّ على تخصيص هذا النوع من البرامج للنساء، ففي لبنان مثلاً ووفقاً لما هو وارد في دفاتر الشروط النموذجية للمؤسسات الإعلامية التلفزيونية والإذاعية الصادرة عن وزارة الإعلام اللبنانية والمرفقة بالمرسوم رقم 7979 تاريخ 29-2-1996، وبالتحديد في البند السابع المتعلّق ببرامج المرأة والأسرة، “تُعطى المرأة الإهتمام اللازم بما يُساعد على آداء دورها في المجتمع وتأمين سعادة الأسرة”. في ذلك تثبيت جليّ للنظرة البطريركية والذكورية تجاه النساء عبر تجاهل تمام كيان المرأة وقيمتها وحقوقها ودورها والنظر إليها فقط كأداة لإسعاد الأسرة والزوج. إن الإعلام النسائي المذكور أعلاه إذاً يتجاهل تماماً حقيقة أن صورة النساء وإهتماماتهن ما عادت محصورة بالأدوار والقضايا النمطية، وهو في الوقت عينه يضع قضايا النساء المطلبية والحقوقية في سلم أولوياته وفي أحيان كثيرة يغيبها ويهمّشها بالكامل
إن مراجعة مضامين المواد الإعلامية في لبنان والتي حضرت فيها المرأة كضيفة أو كموضوع، عادةً ما تحمل، عن وعي أو عن غير وعي، الكثير من الأفكارٍ والآراء والتعابير التمييزية والتنميطية والأحكام المسبقة التي من شأنها أن تنتج بالمقابل أشكال عنف لفظية أو نفسية أو معنوية أو رمزية مبطّنة.
إنطلاقاً من هذا الواقع للإعلام النسائي، كان لا بدّ من خلق إعلام نسوي بديل يخاطب متطلبات النساء واحتياجاتهن الحقيقية والشاملة غير المحصورة فقط بالمواضيع التي يعالجها الإعلام النسائي، مع كامل الإحترام للدور الإنجابي للمرأة ولإهتمامات العديد من النساء بمواضيع الجمال والموضة وما إلى ذلك. إعلام نسوي يتخطى سطحية المعالجة لقضايا النساء، ذلك الإعلام الذي يجعل قضايا النساء أولوية أساسية في كافة توجهاته المقروءة والمسموعة والمرئية. هو إعلام يعطي بديلاً عن الموجود ويضيف إليه، وهناك بالفعل مبادرات تبقى في إطار الخجولة جداً من قبل بعض وسائل الإعلام وبالتحديد الإعلاميات في الصحافة المكتوبة اللبنانية لدعم قضايا النساء والإضاءة عليها، إبراز تجاربهن وإنجازاتهن وتغطية للعنف والتمييز ضدّهن.
الإعلام النسوي يهدف بالدرجة الأولى إلى خلق فضاء للنساء للتعبير عن قضاياهن ومشاكلهن، إشراكهن في القضايا الوطنية والمجتمعية، خلق وعي لديهن حول حقوقهن الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والمدنية والقانونية المختلفة، مناصرة قضاياهن وحقوقهن وتحفيزهن على المطالبة بهذه الحقوق وانتزاعها، خلق صورة مغايرة للمرأة عن تلك التي كرّسها الإعلام والإعلان والتي تختصر المرأة بالجسد والأدوار النمطية والتقليدية.
وبالعودة إلى مصطلح نسوي، لا بد من إعادة تقويم الفكرة السائدة والنظرة الخاطئة والمجحفة للنسوية التي تعتبرها حركة هادفة لعزل النساء عن محيطهن وتحريضهن على الرجال. إن النسوية وبالتالي الإعلام النسوي ليس وسيلة لإقصاء الرجال ولا لإعلان حرب مفتوحة ضدّهن، بل وسيلة لمواجهة المجتمع والفكر الذكوري البطريركي والإقصائي للنساء وفئات مهمّشة أخرى، والمتمثّل ليس فقط بالرجل، بل أيضاً بالسلطة والنظام والكثير من النساء اللواتي يعدن إنتاج القمع الذكوري وممارسته في تربيتهن لأولادهن عبر التفريق بين الذكور والإناث. يمكن للرجل أن يكون شريك أساسي في معركة تحقيق المساواة والعدالة بين الجنسين، لما من تلك الفجوة الجندرية من آثار سلبية على النساء والرجال على حدّ سواء. كما أن الإعلام النسوي من شأنه أن يكون ليس فقط صوت للنساء بل أيضاً صوت للرجال ولكل الأشخاص اللذين ينشدون العدالة ورفض التمييز والظلم والقمع أياً كان شكله سواءً عرقي أو طائفي أو جنسي أو طبقي…
من هنا، عملت جمعية Fe-Male منذ تأسيسها على تفعيل الإعلام النسوي في لبنان، فكانت فكرت برنامج “شريكة ولكن” الإذاعي النسوي الأول في لبنان والعالم العربي، والتي استكملت بإنشاء الموقع الإلكتروني النسوي “شريكة ولكن” المراد منه أن يكون ضوءاً حقوقياً ونسوياً في هذا الفضاء الإفتراضي.
إن الإعلام النسوي في يومنا هذا بات حاجة ملحّة لما من شأنه أن يساهم في تمكين النساء والتوعية حول العنف والتمييز الممارس بحقهن وإعادة طرح قضاياهن كأولوية على أجندة المجتمع والدولة.