ماجدة تحدت إعاقتها ودخلت عالم النجارة
جسم المرأة وقوتها عكاز لمن يرفض ان تدخل المرأة الى عالم مهن لطالما احتكرها الرجل ، لكن ماجدة ابنة قطاع غزة استطاعت ان تكسر القاعدة وتثبت ان المرأة قد تصبح نجارة بسهولة ، لكن القصة لم تنته هنا بل ايضا ماجدة نجحت بأن تصبح من أفضل النجارين في القطاع المحاصر وهي من ذوات الاحتياجات الخاصة .
تقف ماجدة مراد (45 عاماً) على طاولة خشبية تقيس الأطوال المناسبة قبل قص القطع الخشبية وتقول: “هنا في هذه الورشة وجدت نفسي أخرج أفضل ما بداخلي. لم أستسلم يوماً ولن أستسلم أبداً، فأنا أحب الديكور والتصميم منذ صغري. لكني لم أجد الفرصة المناسبة، والآن بعد أن وجدتها عرفت أنني لن أتوقف هنا”.
ماجدة، التي كانت تعمل مُدرسةً في إحدى رياض الأطفال لمدة 15 عاماً، والحاصلة على دبلوم المعلمات من معهد فلسطين الديني، تعرضت لإصابةٍ في قدميها أثناء محاولتها إنقاذ أولاد أخيها تحت القصف الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وبالتالي، اضطرت للبقاء في منزلها وانتظار رحلة العلاج الطويلة، التي استغرقت أكثر من عام، بسبب إغلاق المعابر والحصار المفروض على سكان القطاع.
تروي ماجدة حكاية تعلمها لمهنة صنع الكنب وتنجيده: “بعد الحرب والإصابة ورحلة العلاج الطويلة التي مررت بها في أسوأ ظروف الانتظار وموت والدتي في هذه الأثناء، أصبت بإحباط شديد، ومكثت في منزلي لأكثر من عام لا أرى أحداً. ولكن بعد ذلك قررت عدم الاستسلام فأنا مسؤولة عن أختيّ الاثنتين بعد وفاة والديّ. كان يجب أن أفعل شيئاً، فذهبت لعدة مؤسسات وجمعيات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتعلمت حرفاً مختلفة، لكن فور سماعي عن مؤسسة إرادة وأنها تعلّم صناعة الكنب، فرحت جداً رغم معرفتي المسبقة بصعوبة العمل، الذي هو حكر على الرجال في مجتمعنا”.
تقبل الأهل والبيئة المحيطة لطبيعة العمل، وصعوبة تعاملها مع بعض الآلات الكبيرة التي تحتاج إلى تركيز دقيق كان من أبرز الصعوبات التي واجهتها ماجدة في هذا المجال ، لكن الإصرار كان كفيلاً بالتغلب على تلك العقبات، حتى تحوّلت نظرات الاستغراب إلى نظرات إعجاب عندما رأى الجميع إتقانهنّ للعمل.
ماجدة ليست وحدها في هذا المجال بل تشير إلى زميلتها رئيسة الديري (40 عاماً)، التي تعاني من “خلع الولادة” وتقول: “زميلتي التي كانت بالبداية تخبرنا أنها لا تتخيل نفسها نجارة أو صانعة كنب، ها هي الآن لا تكف عن العمل إلا حين نعلمها بانتهاء دوامنا في الورشة ثلاث مراتٍ أو أكثر”.
وفي المؤسسة المخصصة لأشخاص ذوي احتياجات خاصة لم يستسلموا لها، وقفت زميلتهن في الورشة آمنة فياض (30 عاماً) تحمل المنشار الخشبي وتتحكم به بحرفية عالية. تقول: “يسألني الكثير من الناس كيف تستطيعين التحكم بالآلات الثقيلة كالمنشار الكهربائي وبقية الآلات الثقيلة مستغربين استطاعتي العمل بها لأنني أعاني من إعاقة جسدية، لكنني أطمئنهم أنني أمتلك إرادة لا يتمتع بمثلها الكثير من الأشخاص، وهي تجعلني أشعر بأنّني أمتلك طاقة لا تنتهي”.
وتؤكد فياض أنهنّ يشعرن كأنهن في أسرتهن الثانية، وأن حلمهن مشترك في أن يكون لديهن ورشتهن الخاصة ومعرضهن الخاص، يعرضن فيه منتجاتهن المتقنة. وتضيف: “نحن هنا نصمم وننفذ ما يعلمه لنا معلمونا في الورشة، لكننا نحلم بأن نتمكن من تصميم وتنفيذ موديلات جديدة خاصة بنا، نتميز بها عن السوق”.
فياض وزميلتاها، ثلاث نساء من مئات الملتحقات ببرنامج “إرادة” لتأهيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي يهدف إلى دمج هذه الفئة بالمجتمع وسوق العمل كأشخاص منتجين.
منال حسنة، مسؤولة العلاقات العامة ونائب مدير برنامج “إرادة”، أوضحت أن برنامج تدريب وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في تنجيد الكنب والأثاث ونجارة المشغولات اليدوية هو الأول على مستوى قطاع غزة، مثنيةً على دور ماجدة مراد، الذي اعتبرته قصة نجاح استطاعت تطوير مهارتها خلال البرنامج في مجال تنجيد الأثاث، الذي يعتبر حكراً على الرجال ما جعلها تتميز عن غيرها بجدارة.
وتضيف حسنة: “حتى الآن أنجزت السيدات 5 أطقم تم بيع 4 منها، وهنّ يصنعن حالياً طقمين إضافيين سوف يتم عرضهما فور الانتهاء منهما، وهذا إنجاز عظيم في فترة قياسية”. وأشارت حسنة إلى أن أداء المتدربات كان رائعاً، إذ أصبحت منتجاتهن تنافس منتجات الأصحاء.
وتابعت: “تهدف الدورة إلى دمج النساء من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال التدريب والتأهيل الحرفي، ثم تعرض منتجاتهن، بالإضافة إلى منتجات الورش الحرفية الأخرى في برنامج إرادة، خلال مرحلة التدريب، والعمل، في معرض المشروع، بهدف الاعتماد الذاتي من إدارة المشروع، في تغطية تكاليفه، من دون الاعتماد على التمويل الخارجي”، مشيرةً إلى أن مردود المعرض على مدار 4 سنوات، وفر 60% من المصاريف التشغيلية.
الأمل يبقى معولا عن ان تجد هذه النساء فرصة جديدة تفسح لهن المجال لاكمال مشوارهن وتمكينهن اقتصاديا ودمجهن في سوق العمل .
المصدر : رصيف 22