لنجوى كرم الخائفة من حقوق المرأة: قضيّتنا محقّة!
أثارت الفنانة اللبنانية نجوى كرم في الأيام القليلة الماضية زوبعة أخذ وردّ على مواقع التواصل الإجتماعي نتيجة مواقف أطلقتها حول المرأة ودورها في المجتمع، علماً أنّني لا أعتبر ما قالته كرم مستغرباً، إذ أن صدمتي الأولى بآرائها ورؤيتها للمرأة وحقوقها كانت عندما أعلنت منذ فترة ليست ببعيدة بأنها تعرّضت للضرب من قبل زوجها السابق وأحبّت ذلك لأنه يدلّ على الرجولة، دون أن تمنعها كرامتها كإنسانة من أن تتلفّظ بهذه الكلمات ودون الخجل من النساء اللواتي أدّت هذه “الرجولة” إلى إنهاء حياتهن بأبشع الطرق.
ربما يقول البعض أن هذا رأي شمس الأغنية اللبنانية الخاص ويجب إحترامه، وأنا بالمناسبة أحترم حقّها كما حقّ كل شخص بالتعبير، ولكنني وجدت نفسي مندفعة لكتابة هذه السطور إنطلاقاً من سببين: الأول، كون كرم فنانة جماهيرية أدلت بهذه التصريحات عبر الإعلام ما من شأنه التأثير بأفكار وتوجهات الكثير من المعجبين\ت بها وبشكل خاص من الفئة الشابة، وأنا مدركة تماماً لمعنى هذا التأثير الذي تملّكني كما الكثيرات في بدايةً حياتي وتكوّن وعيي الأوّلي على صوت وأغاني ومقابلات ومواقف كرم؛ والثاني، التعقليات العدّة التي طالعتني أثناء مراجعة المواقف عبر وسائل التواصل الإجتماعي والتي إن دلّت على شيء فهي تدلّ على فهم خاطئ للنسوية وللمطالب التي نرفعها وحقوق النساء التي نضغط لإقرارها.
ولتوخّي الدقّة في التعليق وتجنّباً للتحريف والتأويل، أنشر حرفياً ما جاء أخيراً على لسان الفنانة نجوى كرم في مقابلتها عبر برنامج “شطّ بحر الهوى” على شاشة الأم بي سي: “ما بحبّ حقوق المرأة تزيد عن حدّها، عم نصير بخطر. وما بحبّ رجولية الرّجل تقلّ عن حدّها، منصير بخطر. أنا بخاف يصير الرّجال بالآخر يقوم يسهر عالأولاد باللّيل والمرأة تجي تقلّو أنا تعبانة اليوم قوم إنت عمول حليب للولد، والصّبح يقلّها شو طابختيلنا بتقلّو أنا مش قادرة اليوم عندي شغل. حبّذا لو كانت السّت بتعمل كل يللي لازم تعملو ببيتها وإذا كانت قادرة تشتغل لتسند جوزها إذا كان هوّي بحاجة، مش لتقول بدّي عبّي وقتي. أنا ضدّ إنو المرأة تقول بدّي عبّي وقتي أو حتى ما إضجر. شغلك كَإمرأة مش ممكن تضجري فيه. بدّك تنضّفي، بدّك تطبخي، مش اتديري أعمال الخدم والسّواق”.
أمّا بعد، تطالعني الأسئلة التالية: هل تعلم نجوى كرم فعلاً ما هي الحقوق التي تناضل المرأة للحصول عليها قبل أن تروّج لإعتبارها مصدر قلق وخوف وخطر؟ هل سمعت كرم يوماً جمعية أو ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة تطالب بأن تتحوّل المرأة إلى رجل والعكس؟ ما هو تعريف كرم للأنوثة وللرجولة؟ هل نضال المرأة من أجل حقوقها الإقتصادية وعلى رأسها العمل، والحقوق الإجتماعية ومن بينها حق المشاركة في القرار في العائلة والتشارك في تربية الأولاد، وحقوقها القانونية وغيرها ينتقص من أنوثتها؟ هل مشاركة الرجل في الأعباء المنزلية وفي مسؤوليته تجاه أولاده يقلّل من رجولته؟ هل مسؤولية تربية الأولاد والسهر على تأمين راحتهم\ن حكراً على المرأة وكأنّ الرجل ليس شريكاً في الإنجاب وتكوين عائلة؟ هل دور المرأة ومصيرها في الحياة مرتبط فقط بزوجها وأولادها فإن عملت تعمل لأجله وبإذنه؟ أليس للمرأة حقّ في أن تكون لديها حياة إجتماعية وعملية خاصّة بها؟ أليس من حق المرأة أن تكون فاعلة ومنتجة إقتصادياً بدل أن تكون عالّة على الزوج تصرف بما يأذن لها وتعيش من تعبه وعمله وكفاحه هو؟ أليس من حق المرأة أن يكون لديها حلم الإبداع والإنجاز والتطوّر المهني مثلها مثل الرجل؟ أليس بمقدور المرأة والرجل تقاسم الأدوار بعدالة وإنصاف للطرفين داخل وخارج المنزل فتساهم هي في الأعباء الإقتصادية ويسندها هو في المقابل بالأعمال المنزلية والواجبات الأسرية؟ من قال أن دور المرأة هو فقط الطبخ والتنظيف (مع كامل الإحترام لهذا الدور ولكن ليس بوصفه الدور الوحيد للمرأة أو حكراً عليها دوناً عن الرجل)؟ من قال أن كل النساء لديهنّ مساعدات في المنزل (ما أسمتهن نجوى كرم بالخدم) أو سوّاقين؟ ما العيب في أن تستعين المرأة والرجل العاملين\ات بمن يساعدهم\ن في الأعباء المنزلية سواءً كانت عاملة منزلية أو أحد أفراد الأسرة (وأنا بالطبع لا أتحدّث هنا عن النساء اللواتي يستقدمن عاملات أجنبيات بهدف البرستيج أو دون حاجة لوجودهنّ)؟
وبالعودة إلى خوف الفنانة نجوى كرم من حقوق النساء، أذكّرها أولاً بالمادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء”. وعليه، أشدّد على أن الحقوق التي نطالب بها للنساء هو إنطلاقاً من أن المرأة إنسان ولديها كامل الحقّ بالتمتّع بكافة الحقوق الإنسانية مثلها مثل الرجل ودون منّة من أحد. إن تقسيم الأدوار التقليدية، الذي تربّت كرم والكثيرين\ات منّا عليه، ليس مقدّساً، وإذا ما تم توارث وإعادة إنتاج هذه الأدوار عبر الأجيال فهذا لا يعني أن هذه الأدوار منصفة وعادلة، بل تحمل الكثير من التمييز والعنف ضد المرأة والرجل على حدّ سواء. إن تقسيم الأدوار النمطية والعقلية الذكورية التي تتبناها كرم وتدافع عنها بحماسة مفرطة، هي نفسها التي منعت فتيات كثيرات لديهن مواهب وطموحات في مجالات مختلفة مثل كرم تماماً من تحقيقها، هي نفسها التي تولّد عنف يومي على النساء بمختلف أشكاله، هي نفسها التي دفعت نساء كثيرات حياتهن ثمناً لها. فكما كافحت نجوى كرم المرأة من أجل تحقيق حلمها في أن تصبح مطربة معروفة (والغناء بالمناسبة عمل)، فمن حقّ كل إمرأة أن تحقّق ذاتها وحلمها وتعمل في أي مجال تريده وتستمرّ وتكافح للوصول إلى ما تصبو إليه من طموحات ونجاحات.
وفي النهاية، أطمئن محبوبة الجماهير إلى أنه لو تحقّقت المساواة في الحقوق، التي نناضل كجمعيات مدافعة عن حقوق المرأة من أجلها، لكنّا وصلنا إلى بناء مجتمعات سوية، لا وجود فيها لفئات مقموعة على حساب فئات أخرى. لو تحقّقت هذه المساواة لما كان الرجل مضطراً إلى تحمّل الأعباء الإقتصادية والكفاح من أجل إعالة الأسرة وحيداً، ولما كانت المرأة حرمت من التمتّع بحقوق إنسانية عدّة منها الحقّ الإنتاجي والإقتصادي بسبب أعباء المنزل والتربية.
إن الشراكة والمساواة هما السبيل الوحيد لبناء مجتمع صحّي يتمتّع فيه كافة الأفراد نساءً كانوا أم رجال بحقوقهم\ن الكاملة، دون غلبة أو سيطرة لأحد منهم\ن على الآخر. لا يهمّ كم من التصريحات الذكورية كتلك التي أطلقتها نجوى كرم سيسوّق لها، ولا كم من المغالطات حول النسوية وحقوق النساء سيروّج لها (عن قصد أو عين غير قصد)، ولا كم من المعارك سنخوض، ولا كم من التضحيات سنقدّم، ولا كم من الجهد والعناء سيلزمنا لإيصال صوتنا ورفع الوعي حول قضايانا… هذه كلها تفاصيل وعقبات سنعمد نحن النساء إلى تحطيمها لأن قضيّتنا محقّة!