المرأة العربية بين سندان العنف ومطرقة النزاعات المسلّحة
ليس بجديد القول بأن العالم العربي يعيش اليوم حقبة سياسية وأمنية وإقتصادية وإجتماعية هي الأصعب منذ زمن، إذ تحوّلت آمال الشعوب بهبوب رياح التغيير وحلول الربيع إلى خريف مظلم أوّل من تدفع ثمنه غالياً النساء. من هنا، كان لا بدّ من الوقوف على واقع المرأة في عدد من الدول العربية سيما تلك التي ترزح تحت النزاعات والصراعات المسلّحة، وعرض بعض الحقائق والأرقام المتوفرة على ندرتها.
دخلت سوريا منذ منتصف شهر آذار من العام 2011 في أزمة سياسية كانت الناشطات السلميات كما الرجال يردنها أن تكون ثورة شاملة من أجل الحرية. تشاركن النساء مع الرجال بعد هذا الحراك شتّى أنواع القمع والإضطهاد وصولاً إلى ما آلت إليه الأوضاع في سوريا مؤخراً من عنف وقتل ونزوح وتشريد عبر الحدود وعبر البحار. وتشكّل النساء نسبة عالية تتجاوز النصف من أعداد اللاجئين والنازحين في سورية والذين بلغ عددهم أحد عشر مليون لاجئاً ونازحاً حسب تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة. وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن العديد من النساء اللواتي لجأن إلى دول مختلفة فقدن أزواجهن وآباءهن في الحرب، واضطررن إلى العمل بظروف إستغلالية وإقتصادية سيئة في الدول المضيفة، إذ إن أكثر من 145 ألف لاجئة سورية يدرن البيوت بمفردهن، ويعملن على تأمين أجرة البيت وتكاليف إعالة الأسرة، إضافةً إلى الإتجار والعنف الجنسي والتزويج المبكر الذي يمارس بحقّهن. كذلك، لقيت ما لا يقل عن 18 ألفًا و457 امرأةً حتفهن منذ انطلاق أحداث سوريا، وهناك ما لا يقل عن 2500 امرأة سورية ما زلن قيد الاحتجاز حتى هذه اللحظة، بينهن ما لا يقل عن 450 حالةً في عِداد المختفيات قسرًا. وتشير الشبكة إلى أن قوات النظام السوري ارتكبت ما لا يقل عن 7500 حادثة عنف جنسي بينهنّ قرابة 850 حادثة حصلت داخل المعتقلات، وما لا يقل عن 400 حالة عنف جنسي لفتيات دون سن الـ18 عامًا. وعلى الرغم من غياب التوثيق الإحصائي لجرائم الجماعات الإرهابية في سوريا وعلى رأسها داعش، لا يمكننا أن نغفل الأخبار اليومية التي تنقل أبشع الجرائم التي ترتكبها هذه التنظيمات بإسم الدين بحق الآلاف من الأبرياء والنساء في مقدمتهم، حيث يلقين مصيراً حافل بالاغتصاب والخطف والقتل والجلد والرجم، وخلال الفترة الأخيرة الماضية إزداد تنظيم “داعش” توحشاً وتبجحاً بإعادة إحياء عمليات السبي والزيجات القسرية بحقّهن.
وبالحديث عن ممارسات داعش، يجب التأكيد على أنّ المرأة في العراق هي الضحية الأكبر لهذه الممارسات بعدما أصبحت نازحة ومهاجرة ومختطفة وفريسة سهلة لشتى أنواع العنف الجنسي والجسدي والمجتمعي. وأشارت الأمم المتحدة في هذا السياق، إلى إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داعش يستعبدون نحو 3500 شخص معظمهم من النساء والأطفال ويرتكبون جرائم حرب في العراق. ونقلت صحيفة “التايمز” البريطانية عن مصادر في الاستخبارات الكردية، قولها إن آلاف المختطفات يعملن كعبيد في منازل أو يجري بيعهن لمهربي البشر للعمل في بيوت الدعارة في أنحاء عدة من الشرق الأوسط، بينما يتم إجبار أخريات على الزواج من مقاتلي تنظيم داعش، وقال ضباط في الاستخبارات الكردية، إنهم تلقوا معلومات مفادها أن النساء يبعن لمهربي البشر بما يتراوح بين 500 دولار و3000 دولار. وقدّرت “التايمز” أن يكون المقاتلون خطفوا 1200 امرأة على الأقل من بلدة سنجار وحدها، فيما اختطفت آلاف أخريات من بلدات وقرى مجاورة، فيما يستخدم التنظيم مدرستين في “تلعفر” و”الموصل” كسجنين مؤقتين للنساء، يطالب زعماء الطائفة من القوات الكردية بقصفهما، معتبرين أنه من الأفضل أن تموت النساء بشرف بدلاً من مواجهة حياة من الاحتجاز والاغتصاب والذل. وقد ساهمت الحكومة العراقية بدورها في تراجع وضع النساء وسلب العديد من حقوقهنّ وتهميشهنّ من مواقع صنع القرار، ويمكن الاستدلال على ذلك من محتوى قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، الذي خلا من إدراج الكوتا لتمثيل النساء عند تأسيس الحزب وفي هياكله القيادية. وأشارت آخر إحصائية لبعثة الأمم المتحدة في العراق، إلى أن نسب تمثيل المرأة في المحافظات العراقية وإقليم كردستان العراق في السلطات التنفيذية ضعيفة جدًّا، وأضافت البعثة في تقريرها إن «نسبة النساء العراقيات العاملات هي الأقل على مستوى العالم».
وبالإنتقال إلى اليمن حيث سجّلت النساء في ثورة عام 2011 مشاركة فاعلة في الميادين كمناضلة ومطالبة بالديمقراطية والكرامة والمساواة للجميع، والتي سرعان ما أطفأت شعلتها الحرب التي اندلعت في البلاد لتثقل كاهل المرأة اليمنية بالمزيد من الأعباء جرّاء الخسائر في الأرواح والممتلكات، وموجات النزوح وصعوبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فقد قتلت الحرب مئات النساء اليمنيات في مناطق المواجهات المسلحة منذ شهر مارس 2015، وفي تعز وحدها كشفت شبكة الراصدين المحليين، بأن 774 امرأةً سقطت بين قتيلة وجريحة في المحافظة. بينما في عدن، أعلن ائتلاف أصوات نساء عدن أن الحرب التي شنتها جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح تسببت في مقتل 169 امرأة.
وفي فلسطين، لاحت أولى بشائر سلب حقوق النساء هذا العام مع إلغاء العطلة الرسمية في يوم المرأة العالمي بناءً على قرار رسمي كان قد أحدث ردود فعل غاضبة ومستنكرة من قبل المؤسسات المعنية بحقوق النساء. ومن ناحية أخرى، بدا هذا العام شبيهًا بالأعوام الماضية إذ ما زالت المرأة الفلسطينية، خاصةً في قطاع غزة، تواجه الدمار والحصار والانقسام وغياب الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجوع وتزايد مشاكل المياه والكهرباء والبنية التحتية. أما على صعيد المعاناة مع الاحتلال، فواقع النساء في فلسطين لا يزال على ما هو عليه منذ سنوات، دون أن يثني ذلك المرأة عن المشاركة بفاعلية في المقاومة، حيث كانت نسبة النساء اللواتي استشهدن في انتفاضة الأقصى 11%، بينما ارتفعت نسبة الأسيرات في سجني هشارون وتلموند منذ اندلاع هذه الانتفاضة إلى 200%، في ظلّ ظروف اعتقال سيئة للغاية بعيدًا عن أعين منظمات حقوق الإنسان الدولية.
وفي إطلالة سريعة على عدد من الدول العربية الأخرى، تواجه المرأة الليبية في الوقت الحالي محاولة إقصاء عنيفة من الحياة السياسية والمدنية بالإضافة إلى ظروف معيشية صعبة وقاسية تعيشها منذ خمس سنوات بسبب حالة الانقسام السياسي والدمار عقب ثورة الـ17 من فبراير. أما المرأة التونسية التي لطالما كانت مصدر إلهام لباقي النساء العربيات لناحية الحقوق، فهي أيضاً، وفقاً لما يقرّه الجميع بالنظر إلى الفترة التي سبقت الثورة التونسية، تتحدىّ اليوم التهميش السياسي والإقصاء ومحدودية دورها في المجتمع التونسي، مع صعود الأحزاب الإسلامية ورؤيتها لدور النساء وحقوقهنّ.
أخيراً وليس بآخراً، وبعد الدور المفصلي الذي لعبته النساء في مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، تعرّضت الكثيرات منهنّ إلى الاعتقال على خلفية سياسية وإلى التهديد والتعذيب والاضطهاد والإقصاء عن مجالات كثيرة. ولا تزال بعض المعتقلات المصريات، اللواتي بلغ عددهن الإجمالي حوالي 56 معتقلة موزّعات على معظم المحافظات المصرية، مجهولات المصير بالرغم من المطالب الحقوقية والإنسانية بالكشف عن مصيرهن. وبالعودة إلى الحقوق، لعلّ الواقع الأكثر تعبيراً هو ذلك الذي ذكره تقرير بعنوان «واقع المرأة في العمل واتجاهاته في عام 2016 الحالي» والذي يعتبر أن سد الفجوة بين الجنسين في مصر قد يستغرق أكثر من 70 عامًا، وأن وضع ملايين النساء ما يزال في بعض المناطق أسوأ مما كان عليه في العام 1995، حيث لم تتغير نسبتهن في سوق العمل تقريبًا خلال السنوات العشرين الماضية!