المرأة وحقها بالعمل والرضاعة الطبيعية
المرأة والعمل والرضاعة الطبيعية هي محاور لإحدى القضايا المهمة التي غالباً ما يهمل الحديث عنها نظراً الى ما تنطوي عليه من جدل ونظراً الى صعوبة الوصول إلى حلول واضحة ومتفق عليها.
تنجب المرأة الأطفال، وهذا دور فطري بيولوجي أساسي، فهي تحمل ثم تلد فتصبح أماً. ثم يلي ذلك مرحلة الرضاعة وهي المرحلة المتممة للإنجاب. وتختلف مرحلة الرضاعة عن مرحلتي الحمل والولادة لأنه في مقدور الأم خلالها أن تختار بين إرضاع طفلها من الثدي أو إيقاف الرضاعة واللجوء إلى الأغذية المصنعة.
والحقيقة ان الرضاعة الطبيعية تشكل العمود الفقري للتغذية المثلى للرضع وصغار الأطفال كما عرفتها منظمتا الصحة العالمية واليونيسف واجمعت عليها الدول ومنها لبنان: “الرضاعة الحصرية من الثدي بحسب طلب الطفل ليلا ونهارا لمدة ستة اشهر دون الحاجة لأي شيء آخر بما فيه الماء (المعيار الذهبي للتغذية)، ثم الإدخال التدريجي للأطعمة المكمّلة المناسبة والسليمة مع الإستمرار بالرضاعة الطبيعية حتى عمر السنتين وأكثر”.
الرضاعة الطبيعية تؤمن:
1 – الصحة الأفضل للأم والطفل: لانها تخفض احتمالات الإصابة بالأمراض المعدية والسمنة خلال الطفولة (والأمراض المرتبطة بها كالسكري وامراض القلب والشرايين…)،كما صحة الأم (سرطان الثدي والمبيض والسكري).
2- خفض الفاتورة الصحية على الأسرة والدولة: فالأطفال الذين يرضعون حصرياً من الثدي يمرضون مرتين ونصف المرة أقل من أقرانهم الذين يتغذون أغذية مصنعة مما يوفر 40% من الفاتورة الصحية في السنة الأولى، ونسب أقل على مدى العمر.
3 – أداؤهم أفضل في المدرسة وتأثير إيجابي في إنتاجية الأفراد خلال حياتهم المهنية: قدرت مجلة لانست في أبحاث صدرت مطلع العام 2016 أن القيمة المضافة للقدرات الذهنية التي تؤمنها الرضاعة الطبيعية بوضعها الراهن (المتدني) تقدر بـ”ثلاثمئة وملياري دولار سنوياً (0.47% من إجمالي الناتج العالمي)، ويمكن مضاعفة هذه الفوائد الاقتصادية إذا ما تحسنت مستويات الرضاعة الطبيعية على الصعيد العالمي” .
4 – جدوى اقتصادية لأرباب العمل: نشرت ثلاث شركات تأمين أميركية بياناتها حول تكلفة ومردود برامج دعم الرضاعة الطبيعية بعد إطلاق مبادرة اوباما لحماية الأمومة أظهرت:
– ان ما تدفعه الشركات لإجازة الأمومة تسترده بمعدل ثلاثة اضعاف وذلك بسبب : غياب اقل للأم عن العمل بسبب مراضة اقل للطفل وامه، انتاجية افضل للأم، واستمراريتها في العمل لمدة اطول.
– ارتفعت مدة الرضاعة الطبيعية من 37% في الإسبوع الثاني ومن 70% في الشهر الثاني من العمر إلى 82% في عمر أربعة اشهر و67% في عمر ستة اشهر.
– انخفض معدل معالجة الأطفال وحديثي الولادة المشمولين بالتأمين في المستشفيات من 1.5% إلى 0.5% كما قل معدل زيارات الأطفال للعيادات.
الوضع في لبنان:
من المفارقات ان معظم النساء في لبنان يرضعن أطفالهن من الثدي (وهذا هو الأمر الطبيعي، ولكن هناك 70% من النساء يدخلن الأغذية المصنعة في وقت مبكر(في عمر الثلاثة اشهر) مما يتسبب بتوقف الإرضاع من الثدي قبل الأوان، والأسباب وراء كل ذلك تعود في غالب الأحوال إلى عدم تقديم المشورة للأم الحامل بشأن الرضاعة الطبيعية، والأخذ بالدعايات والإعلانات المضللة عن منتجات أغذية الأطفال والتي تظهرها على انها تتساوى من حيث الفوائد مع حليب الأم وهذا ما يخالف الحقيقة العلمية، ووقوع المستشفيات والجسم الطبي في فخ الإغراءات التي تقدمها الشركات مقابل الترويج لأغذيتها المصنعة على حساب الرضاعة الحصرية من الثدي، واخيرا ضعف او غياب الدعم بعد الخروج من المستشفى، والعودة المبكرة الى العمل، وإنشغال الأم بالأعمال الأخرى التي يتوجب عليها القيام بـها. في العام 2012 أجريت دراسة في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية حول العلاقة بين الإرضاع من الثدي ومدة إجازة الأمومة، أظهرت ان العودة السريعة إلى العمل يمكن أن تتسبب بمشاكل صحية ونفسية للأم والطفل كما أن هناك علاقة وطيدة بين مدة الإجازة ومدة الإرضاع فقد أظهرت الدراسة أن متوسط مدة الرضاعة عند الأم العاملة متدنية جدا ( 4.7 أشهر) مقابل 10.9 أشهر عند النساء من غير العاملات.
عمل المرأة في لبنان:
تعمل المرأة طوال الوقت سواء داخل منزلها أو بعيداً عنه، فليس من العدل وصف ربات المنازل بأنهن لا يعملن. ومازالت المرأة في لبنان تزرع وتحصد، تجمع وتعد الطعام، تحيك الملابس وتخيط الأثواب وتعتني بمنزلها وتعلم صغارها، وتلبي الإحتياجات الجسدية والنفسية لأفراد عائلتها، ولكن نظراً الى ان مثل هذه الأنشطة والأعمال التي تقوم بها ربات المنازل لا يدفع عنها أجر رسمي فهي من المؤسف تعد أعمالاً مهشمة غير واضحة على الرغم من أهميتها، وبالتالي لا تحصل على التقدير الكافي ولا تحتسب قيمتها ضمن مكونات الإقتصاد الوطني.
عمل المرأة خارج المنزل:
تظهر احصاءات ادارة الإحصاء المركزي عام 2011 ان معدل العمالة النظامية عند النساء في لبنان تصل إلى 20.5%، مع نسبة تصل إلى أعلى مستوياتها (47%) قبل بلوغ الثلاثين عاما لتنخفض إلى 33% خلال خمس سنوات لتصل إلى 19% في عمر 45عاما، ما يؤكد بأن السياسات المعمول بها حاليا تضع المرأة العاملة أمام خيار من إثنين: الإستمرار بالعمل أو بناء اسرة الإنجاب. وحتى إذا كانت الأم ترغب في الإستمرار في الإرضاع من الثدي فإن عملها يتعارض عادة مع رغبتها، ولا يتيح لها فرصة الإستمرار في الإرضاع في ظل غياب تشريعات تحميها.
من جهة ثانية يشكل العاملون غير النظاميين نسبة كبيرة من القوى العاملة، ونظراً الى عدم التسجيل الرسمي لهذه الأعمال والوظائف فلا تحصل العاملات على أية حقوق. وتواجه العاملات في الوظائف غير النظامية أعباء ثقيلة مقابل أجر زهيد وينخرطن في أعمال غير ثابتة أو أعمال موسمية بدون حماية وظيفية سوى قدر محدود للغاية وليس لهن أي ضمانات صحية أو مادية وغالباً ما يفتقرن إلى التنظيم وبالتالي يفتقدن معظم أشكال الحماية.
على الصعيد الحقوقي والتشريعي:
تم الإعتراف عالميا بأن الأمومة (وظيفة إجتماعية) ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها إعاقة وظيفية وأن “الأمومة امتياز يجب ألا تعاقب عليه المرأة العاملة على وجه التحديد” لذلك فهي مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع. وفي العام 2000 صدرت الإتفاقية الدولية لحماية الأمومة 183 والتوصية 191 من اهم مرتكزاتها:
– حماية صحية، حماية من التمييز في العمل للحوامل والمرضعات.
– إجازة أمومة أقلها 14 أسبوعاً.
– استراحة أو أكثر للرضاعة أثناء العمل أو خفض ساعات العمل اليومية.
– إيجاد حضانة داخل المؤسسة، أو بقربها ودعوة البلديات والجمعيات النسائية وغير الحكومية لإفتتاح حضانات بكلفة تشجع الأمهات على الإستمرار بالعمل.
– وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2015 فإن هناك مئة دولة تمنح اجازة امومة تعادل اوتزيد عن 14 اسبوعا و 121 دولة تمنح فرصة او أكثر للرضاعة.
لم يصادق لبنان حتى الآن على الإتفاقية الدولية لحماية الأمومة 183 والتوصية 191 ولا الإتفاقية 184 الخاصة بحماية العاملات في القطاع الزراعي، كما يفتقر إلى تشريع خاص بحماية الأمومة إذ اختصر الموضوع بإجازة أمومة تم رفعها في القطاعين العام والخاص الى 10 أسابيع عبر قانون صدر في نيسان 2014. برغم هذا التعديل فإن إجازة الأمومة في لبنان تبقى من أدنى الإجازات في العالم.
وفي دراسة حول حقوق المرأة العاملة في لبنان ومدى تطابقها مع الاتفاقات الدولية في العام 2015 ظهر تخلفنا عن الركب العالمي بما فيه عدد من البلدان الفقيرة حيث سجل بلدنا ثلاث علامات من أصل عشرة. وهذا يدفعنا إلى ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لتغيير هذا الواقع عبر:
1 – العمل على مصادقة لبنان على الاتفاقية 183والتوصية 191ومتابعة مراحل مناقشتها حتى إقرارها.
2 – العمل لقانون جديد خاص بحماية الأمومة بديل من قانون إجازة الأمومة الحالي لنحفظ للمرأة حقها الطبيعي بالإنجاب والرضاعة وحقها بالعمل.
المدير السابق لبرامج اليونيسف في لبنان
المصدر : النهار